الأحد 14 فبراير 2016 / 18:45

"ليالي الحلمية" وقطعة الموبيليا!

كثيرٌ من "الشجن" مرَّ فوق قلبي، وفوق قلب جيل السبعينيات والثمانينيات، بمجرّد أنْ أعلنَ كاتب الأغنيات "أيمن بهجت قمر"، ومعه ممثل الأدوار الثالثة "عمرو محمود ياسين" الشروع بكتابة جزء سادس للملحمة الدراميّة الكبرى "ليالي الحلميّة"، بموافقة ورثة الراحل "أسامة أنور عكاشة". تأكّدنا أنّ "اختلاف الزمن" كان قد بدأ مبكراً، وأنّنا لم نعد أبرياء أبداً، وبإمكاننا أنْ نفهمَ كيف يصبح الإرث الأدبي مجرّدَ "تركة"، كأيِّ قطعة موبيليا، تباعُ من قبل الورثة في أيّام "العُسْر" حتى تعودَ القشّة معدناً. "الحلمية"، بمقهى السماحي، وصراع الباشوات، وسيرة مصر القديمة والجديدة، و"الليالي" المائة التي تُغْني عن ألف ليلة وليلة، توضع كلّها اليومَ بين يديْ كاتب أغنيات وممثل أدوار ثالثة، يبحثان عن آخر فرصة للحاق بالموسم!

هكذا جرت الأمور..
.. وهذه هي السيرة الذاتية لـ "أيمن بهجت قمر": هو مؤلف أغانٍ لعمرو دياب، وهناك "بداية" أخرى تقول إنّه كان يُركِّبُ كلمات على ألحان أغنيات معروفة لاستخدامها في الإعلانات التجاريّة، و(الشغل ليس عيباً) وليس مُحرّماً أيضاً أنْ يكتبَ فيما بعد أغنيات خفيفة جداً لـ "دوللي شاهين"، ومن هُمْ من فصيلتها الفنيّة. أما عندما ارتقى للعمل في السينما بدرجة "مؤلف وسيناريست"، فصنَع ثلاثة أفلام تمّ تصنيفها على أنّها كوميدية رغم أنّها ثقيلة الدم، وحين "نقل" أو "اقتبس" أو "سرق" ثلاثة أفلام أخرى، كان اثنان منها مع النجم أحمد حلمي، وواحد مع أحمد السقا، فقد "نجح" بمقاييس الشبّاك المحدود، بـ "تمصير" أفلام عالميّة، وإعطاء الشخصيات المستوردة أسماء مختصرة كـ "حودة" و"ميدو" و"هيما"، ونقلُ أماكن التصوير إلى "المعادي" و"6 أكتوبر"، ومن ثمّ وقَّعَ عليها بالاسم الثلاثيّ!

وهكذا..
.. بدأ قبل أيّام تصوير الجزء السادس بمَنْ حضر، ومن لم يحضر أعلنت وفاة شخصيّته على الفور بنوبة قلبيّة، أو بـ "هبوط حاد في الدورة الدموية"، كما هو شائعٌ في مصر، وبهذا جرت عملية دفن جماعي لشخصيّات المسلسل التي توفي أصحابها في الواقع، لكنّ صنّاع العمل استخدموا "الوفاة الطبيعية" لكلِّ الشخصيات التي رفض أصحابها فكرة الجزء السادس، فيما كوفئ الذين قبِلوا المشاركة بمنحهم عشرين عاماً أضيفتْ إلى رصيد أعمار الشخصيّات التي من المفترض أنّها ولدت في عشرينيّات القرن الماضي. ستبدأ "الليالي" بمشهد حزين على موت "علي البدري"، رغم أنّه لم يبلغ خمسة وستين عاماً، لكنّ صنّاع العمل اختاروا هذا القدر المبكّر لوفاة "ممدوح عبد العليم"، بل تمّت إعادة كتابة العمل إثر موته المفاجئ، هكذا بالإمكان الحسم أنّ خطوط الجزء السادس تتحكّمُ بمسارها أعمدة صفحة الوفيات في "الأهرام"!

وهكذا أيضاً..
بالغت "إلهام شاهين" في الحزن على وفاة "ممدوح عبد العليم"، فقرَّرت قتل "زهرة سليمان غانم" حداداً. حاول صنّاع العمل الاستعانة بـ "آثار الحكيم" التي تخلّت سابقاً عن الشخصيّة، لكنّها رفضت العودة، فعادوا لمواساة "إلهام" والرجاء منها أنْ تقبلَ الالتحاق بـ "الليالي" فعادت مشترطة تدبير وفاة طبيعية لـ "علي البدري". هل تظنون أنّي أفتري، إذن اسمعوا البقيّة: قرّرَ صنّاع العمل أيضاً إعادة "فردوس عبد الحميد" لأداء دور "أنيسة" الذي تخلّت عنه قبل ثلاثين عاماً بعد خلافها الشهير مع الراحل عكاشة على زيادة مساحة الدور. الآن يمنُّ عليها صنّاع العمل الجدد بعشرين عاماً حتى تبلغ المائة، فقط نكاية بالممثلة القديرة "محسنة توفيق" التي رفضت استكمال دورَها الذي أدّته في الأجزاء الأربعة، قبل ثلاثين عاماً أيضاً، حين استنكفتْ عنه "فردوس"!

هكذا انتهت الأمور..
قرّر الورثة إضاءة "ليالي الحلمية" بشاشات الهواتف المحمولة، وعلى المقهى أنْ يُعدّ قائمة محدّثة بالمشروبات الإيطاليّة الساخنة، وأن يسارع عمّال مصنع البدري للعودة قبل بدء ورديّة بعد الظهر، سيُسندُ المخرج "مجدي أبو عميرة" إلى "عادل البدري" و"سليمان زاهر" كل تركة صراع الباشوات التي سيكتبها "أيمن بهجت قمر" في نهاية بائسة لإرث أدبيٍّ يوزّع أخيراً بين الورثة مثل فدّان قطن أو مانجا. سنشاهد في رمضان المقبل ثلاثين حلقة تثير الأسى والنكد، نجوم لم تعد تطلع عليهم الشمس يبتهجون بالعودة ولو عبر تزكية من ممثل أدوار ثالثة، وشخصيّات استدعيت من قائمة الموتى لتؤدِّي "رؤية" مؤلف أغنيات اعترفَ هو بلسانه، عظماً ولحماً، أنّه كتبَ بعضها لتسديد أقساط استحقّتْ الدفع، وهكذا..!