الأحد 15 مايو 2016 / 12:27

تقرير: "الربيع العربي" وداعش ساعدا في توسيع إيران لنفوذها الإقليمي

تناول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا بالكويت، محمد نور الزمان في مقال تحليلي نشرته مجلة ناشونال انترست الأمريكية، الاستراتيجيات التي تنتهجها إيران في سعيها المستميت لتحقيق الهيمنة الإقليمية في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن الطريق كان ممهداً لصعودها قبل وقت طويل من إبرام الاتفاق النووي؛ بسبب عوامل عدة، من بينها ما يُطلق عليه "الربيع العربي" وانهيار الاتحاد السوفيتي والغزو الأمريكي للعراق.

ثمة تطورات إستراتيجية بالغة الأهمية هزت الشرق الأوسط خلال العقود الثلاثة الماضية، في مقدمتها انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 ودحر اثنين من أشد أعداء إيران على أيدي الولايات المتحدة في مطلع الألفية الثالثة

على الرغم من أن إستراتيجية إيران للتمكين السياسي والاقتصادي للشيعة تؤتى ثمارها، فإن الكاتب يحدد ثلاثة تحديات أمام صعود إيران وتحقيقها للهيمنة الإقليمية في الشرق الأوسط

في مستهل مقاله، يلفت الكاتب إلى وجهات نظر متباينة بشأن زيادة النفوذ الإيراني، حيث أكدت مجلة "إيكونوميست" البريطانية في أواخر شهر يونيو (حزيران) 2013 "ضرورة تجريد إيران من برنامجها النووي لوقف صعود القوة الفارسية التي سوف تشكل تحدياً خطيراً لمصالح الغرب في الشرق الأوسط وكذلك لحق إسرائيل في الوجود، ومن ثم فإنه عندما تتصاعد القوة الفارسية لن يكون التوقيت مناسباً للتراجع عن الشرق الأوسط".

وفي المقابل، كتبت هيلاري مان ليفيريت وهي مسؤولة سابقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي، قائلة: "في الواقع لم يعد صعود إيران مجرد موضوع سياسي قابل للنقاش، وإنما بات أمراً ضرورياً لكي تصبح المنطقة أكثر استقراراً، لاسيما في ظل إخفاق "التوسع الإمبريالي المفرط" للولايات المتحدة لخلق نظام إقليمي موال لها بشكل دائم".

رسائل أوباما
ويرى كاتب المقال أنه في نهاية القمة الثانية بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس الأمريكي باراك أوباما التي عُقدت في السعودية يومي 21 و22 من شهر أبريل (نيسان) الماضي، وجه أوباما رسالتين مهمتين مفادهما أن الولايات المتحدة ليس لديها مصلحة في مواجهة مباشرة مع إيران، وأنه ينبغي على دول الخليج الاعتماد بشكل أكبر على قدراتها العسكرية للدفاع عن نفسها.

وبحسب الكاتب، ثمة رسالة أخرى أكثر أهمية تتمثل في أن الولايات المتحدة تعتبر إيران "لاعباً قوياً" في الشرق الأوسط، في إشارة إلى تصريحات أوباما السابقة في مقابلته مع مجلة ذا أتلانتيك، حيث طالب دول الخليج بتقاسم منطقة الشرق الأوسط مع إيران، الأمر الذي أثار ردود أفعال حادة من بعض حلفاء الولايات المتحدة في الخليج.

نقطة تحول
ويلفت الكاتب إلى أن نقطة التحول الفورية لصعود إيران كقوة إقليمية كبرى تمثلت في الاتفاق النووي (خطة العمل المشتركة الشاملة) الذي وقعته طهران مع الدول الست الكبرى (الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا) في منتصف شهر يوليو (تموز) الماضي، الأمر الذي أطلق العنان لما أطلق عليه الكاتب "لحظة إيرانية فارقة" نادرة.

ومن الناحية السياسية، أرغمت الصفقة الإيرانية الأمريكيين على إضفاء الشرعية لدولة يقودها الملالي (رجال الدين) ويعتبرونها حتى الآن "دولة مارقة" ويصنفونها فيما يُسمى "محور الشر"، أما من الناحية الاقتصادية، فقد حررت الاقتصاد الإيراني من العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة والغرب، وأعادته إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي، وفي الوقت نفسه يتقبل الغرب إيران شريكاً إستراتيجياً في الحرب ضد داعش والتطرف.

لحظة فارقة
ولكن "اللحظة الإيرانية الفارقة" لم يتسبب في حدوثها الاتفاق النووي بمفرده، إذ يرى الكاتب أن ثمة تطورات إستراتيجية بالغة الأهمية هزت الشرق الأوسط خلال العقود الثلاثة الماضية، في مقدمتها انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 ودحر اثنين من أشد أعداء إيران على أيدي الولايات المتحدة في مطلع الألفية الثالثة (طالبان أفغانستان في الشرق ونظام صدام حسين في الغرب).

وصارت إيران المستفيد الإستراتيجي الأكبر للهجوم العسكري الأمريكي على أفغانستان وكذلك غزو العراق تحت شعار "الحرب على الإرهاب" الذي كانت الولايات المتحدة بالكاد تقصده. ومع تراجع دور السنة في العراق وإخفاقهم في الدفاع ضد الشيعة، تمكنت إيران من التأثير في التطورات السياسية والإستراتيجية في عراق ما بعد صدام حسين.

ويشير الكاتب إلى أن الثورات العربية أو ما يُطلق عليه "الربيع العربي" وصعود تنظيم داعش الإرهابي في صيف عام 2014، كان بمثابة حافز لإيران لتوسيع المجال الإقليمي لنفوذها. واعتبرت إيران أن تهديدات داعش وجماعات المعارضة المدعومة من الغرب ضد سوريا والحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد، تشكل خطراً على أمنها وتهديداً لاستمرارية ما يُعرف بـ "محور المقاومة" الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله، ومن ثم يبرر الحرس الثوري الإيراني تدخلاته العسكرية في كل من سوريا والعراق بأنها تأتي من منطلق الدفاع عن النفس.

استراتيجيات تعزيز النفوذ
ويرى الكاتب أن إستراتيجية إيران تحولت من إيديولوجية "تصدير الثورة الإيرانية" إلى خلق روابط سياسية قوية مع الدوائر الشيعية في كل أنحاء الشرق الأوسط، وتنتهج إيران في الوقت الراهن إستراتيجية "غير إيديولوجية" تقوم على عنصرين هما: التمكين السياسي للشيعة في جميع أنحاء المنطقة، وتنمية الاعتماد على الذات أو ما يطلق عليه المرشد الأعلى "اقتصاد المقاومة"؛ لاستيعاب الصدمات الاقتصادية والتعايش معها، والتي تنتج عن السياسات الاقتصادية الخارجية المعادية مثل العقوبات. ويعزز هذان العنصران في الاستراتيجية الحالية من استدامة تمكين إيران للقيام بدور إقليمي قوي.

ويلفت الكاتب إلى أن اختيار إيران لهذه الإستراتيجية يعني أنها تغلبت على الاختلافات العرقية داخل الطوائف الشيعية؛ من أجل خلق كتلة شيعية موحدة وقيادتها في منطقة الشرق الأوسط لتحقيق أمرين: الحيلولة دون استيلاء السنة على السلطة السياسية في العراق وسوريا، والدفاع عن حقوق الشيعة في بعض الدول الإقليمية.

ثلاثة تحديات
على الرغم من أن استراتيجية إيران للتمكين السياسي والاقتصادي للشيعة تؤتي ثمارها، فإن الكاتب يحدد ثلاثة تحديات أمام صعود إيران وتحقيقها للهيمنة الإقليمية في الشرق الأوسط.

وحتى وقت قريب، كان التحدى الأبرز يتمثل في معارضة الغرب بقيادة الولايات المتحدة للنفوذ الإيراني، وهو ما أسفر عن فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، وعزلها سياسياً من المجتمع الدولي واعتبارها "دولة منبوذة" من الناحية الدبلوماسية. ولكن هذه الصفحة قد انطوت بفضل الاتفاق النووي، رغم بعض الخلافات التي لا تزال قائمة بين طهران وواشنطن بشأن برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية واستيلاء واشنطن على الأموال الإيرانية المجمدة.

أما التحدي الثاني فيتمثل في التوتر ما بين إيران والدول المجاورة لها، لاسيما الدول السنية في منطقة الشرق الأوسط. ويرى الكاتب أن انتهاج إيران لسياسة "النهضة السلمية" على غرار الصين من شأنها أن تحرز نتائج أكثر فاعلية في علاقات إيران مع دول المنطقة.

ويعتقد الكاتب أن التحدى الثالث الذي ينبع من داخل إيران نفسها يُعد الأكثر تهديداً لطموحات وأهداف إيران الإقليمية، حيث إن السياسة الداخلية الإيرانية غير متألفة، وتعاني من الانقسامات المتعددة بين ثلاث مجموعات متداخلة وهي: الإسلاميون المحافظون، الإصلاحيون، والبراغماتيون.

وتتسم وجهات نظر المجموعات الثلاث بالانقسامات العميقة حول القضايا الوطنية الأساسية والعلاقات مع الغرب واستراتيجية التنمية، فضلاً عن القضايا الإستراتيجية السياسية والإقليمية.

ويخلص الكاتب إلى أن الانقسام السياسي الداخلي على الأرجح سيكون عقبة مروعة في طريق صعود إيران لتتبوأ مكانة قوة إقليمية مهيمنة في الشرق الأوسط، وهو الهدف الذي طالما كان يطمح إليه كل قادة إيران بداية من الشاه محمد رضا بهلوي وحتى آية الله الخميني ووصولاً إلى خامنئي. وتشهد المرحلة الراهنة اقتراب إيران من تحقيق هذا الهدف مقارنة مع أي وقت آخر في التاريخ الحديث.