الأحد 17 يوليو 2016 / 18:28

أردوغان وشعار "رابعة".. صفعة إخوانية للشعب التركي

في الوقت الذي كانت فيه مُدن تركيا وحواضرها الكبرى تسترجع أنفاسها بعد النسق الجنوني الذي فرضته الأحداث الخطيرة التي مرت بها البلاد منذ الدقائق الأولى لمحاولة الانقلاب التي نظمها بعض ضباط الجيش، وفي انتظار اكتمال الصورة والتعرف على تفاصيله بدقة اعتماداً على الوقائع والوثائق التي لن تتأخر في الظهور بطريقة أو بأخرى، سارع الرئيس الذي كادت "تخلعه" المؤسسة العسكرية الكمالية التركية، إلى حملة علاقات عامة مكثفة، أنهاها بإعلان نجاة "الإسلام السياسي" من غدر العسكر.

لم يفت الملاحظ والمتابع للشأن التركي، تعمد سباحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السباحة الاستفزازية، ليس في مياه مرمرة أو البحر الأسود على سواحل تركيا، ولكن في مياه غرب المتوسط، من الإسكندرية إلى تونس، فبعد أن سحبت القاهرة من يد الإخوان "ورقة الشرعية الانتخابية" المؤقتة، وأضرمت تونس النار في خطط راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، فسارع إلى "إعلان فصل السياسي عن الدعوي" والإشادة بمحاسن الديموقراطية الحداثية، عمد رجب طيب أردوغان، الخارج لتوه من أخطر أزمة سياسية عرفها حُكمه، ليُطمئن "شعب العدالة والتنمية"، لا الشعب التركي، على رابعة شعاراً ومغزىً ومشروعاً.

إن الأتراك الذي انتفضوا ضد دبابات الانكشارية، لم يفعلوا ذلك من أجل رابعة ولا الإخوان، لكن دفاعاً عن رؤية مدنية للدولة، ممارسةً وشعارات، ومشروعاً، فإذا بيد رجب أردوغان الذي اقترن ترنحه الخطير، بسبب الانقلاب، في الإعلام العالمي والعربي الذي كان يُتابع المستجدات المتسارعة في تركيا، بتأكيد "نهاية الإسلام السياسي، وانقضاء زمن الإخوان عربياً ودولياً" تنهال مثل الصفعة على وجوههم، برفع شعار رابعة، والحديث الصريح والمُسقط بعد ساعات فقط من فشل الانقلاب رسمياً في مطار إسطنبول صباح السبت: "لا تنسوا رابعتنا" يكشف كم كان السيد أردوغان مشغولاً حتى بعد أن وجد نفسه سلطاناً على شاشة جهاز أيفون لا يتجاوز حجمها بضعة إنشات، بنظرية المؤامرة على رابعة، وعلى الإخوان، ومسكوناً بهاجس تفنيد وفاة الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، والإصرار على استمرار قلبه في الخفقان وضخ الدماء في جسده في تركيا المنهكة، ومن ورائها باقي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ولكن نبرة "الانتصار" التي رافقت حديث أردوغان في مراسم التتويج غير الرسمية التي أقيمت له في إسطنبول بعد فشل الانقلاب، لم تنجح في إخفاء شعوره بالخيبة أو الإحباط، فرابعة التي رفعها رسالة مباشرة صريحة إلى مصر، وتدخل سافر جديد في شأنها الداخلي، ولكنه أيضاً أو هو ربما أقرب إلى الاعتراف بالانكسار منه إلى الفوز، وأقرب إلى عمى الألوان منه إلى القدرة على قراءة تفاصيل اللون الواحد، فالجماهير التركية التي خرجت رفضاَ للعسكر في إسطنبول وأنقرة، لم تكون قطيعاً "رابعياً" هجّنه الإسلام السياسي التركي على يد أردوغان أو أستاذه السابق غولن، ولا حتى والده الروحي قبل الانقلاب عليه، نجم الدين أربكان، بل كانت جماهير تركية من مشارب وانتماءات، وملل ونحل وقوميات ومواقف سياسية مختلفة هبت للدفاع عن مدنية الدولة أولاً وعن الحرية ثانياً ولم تخرج حباً في أردوغان شخصياً أو حزبه أو دفاعاً عن السياسي بمختلف تعابيره ومسمياته.

كما أن هذه الجماهير هبت رفضاً لتكرار تجربة حُكم الجيش، بحكم تاريخ المؤسسة العسكرية الأسود على مدى القرون من انكشارية القرن السادس عشر، إلى الاتحاد والترقي، وتركيا الفتاة، انتهاءً إلى الطورانية "ومآثرها" التي خلدها التاريخ في الشرق الأوسط بأسره من الشام إلى أرمينيا.

ولكن أردوغان الذي عجز عن قراءة منطق التحول السياسي بحكم اقتصار مجال الرؤية عنده على ما تراه الجماعة وما يرتضيه التنظيم، فشل مرة أخرى، برفع شعار رابعة، في إدراك ما حصل ويحصل في مصر والعالم العربي أيضاً، فاستفزاز مصر بهذه الطريقة، يكشف جهله بأبسط الحقائق المصرية التي رأت على مر التاريخ في جيشها منذ ثورة أحمد عرابي، وصولاً إلى يوليو 1952، ثم عبر أزماتها المختلفة في الستينات والسبعينات، الجيش الوطني الأصيل، وحصنها المنيع في وجه أي معتد أو متعد، فالجماهير المصرية هي التي أخرجت الجيش من ثكناته لإيمانها بأنه يعمل في خدمتها ومن أجلها، في الوقت الذي كانت الجماهير التركية لا ترى في "خامس أكبر جيش في حلف الناتو" سوى انكشارية جديدة من أحفاد السلاجقة و المماليك والعبيد السابقين، في خدمة السلطان وحريمه المتوارين وراء أسوار قصر توبكابي في إسطنبول.

إن هذا هو ما أدركته جماهير مصر عندما خرجت تهدر على ضفاف النيل ضد الإخوان، وهو ما أدركته الشعوب التركية منذ يومين عندما خرجت تُزمجر على ضفاف البوسفور، وحده أردوغان كان يتخبط في ميدان رابعة سابقة، يُطارد طواحين السراب، ويُهيئ لثورته المضادة التي بدأت تباشيرها الأولى في الظهور، بحملة تصفية وقمع واسعة، ستكون السبب الأول في سقوطه إذا استمرت، أو الحرف الأول في الكلمة الأولى التي سيتضمنها البيان رقم واحد القادم.