• ميشيل سابيث، محامس باق أصبح كعلماً متخصصاً في تدريس "الأخلاقيات" للأطفال
    ميشيل سابيث، محامس باق أصبح كعلماً متخصصاً في تدريس "الأخلاقيات" للأطفال
الثلاثاء 16 أغسطس 2016 / 17:57

قصة معلم.. كيف تجعل الأطفال يتخذون "قرارات أخلاقية"

24 - إعداد: الشيماء خالد

تحول المحامي الأمريكي، ميشيل سابيث، من ولاية كولورادو الأمريكية، لمعلم متخصص ، في تدريس مادة "الأخلاقيات"، لطلاب المرحلة الابتدائية منذ سنوات، بعد حادث ألم به وكاد يفقده حياته، فجعل هدفه في الحياة تسليح الجيل الجديد بأدوات يتخذون من خلالها قرارات أخلاقية في حياتهم، بثقة ووعي.

وبحسب مدونة "إديوكيشن وورلد" المتخصصة في تجارب ونظريات التعليم، تبدأ قصة سابيث إثر نجاته من عملية جراحية لزرع قلب صناعي، بعد وفاة شاب متبرع بالأعضاء، مما جعله يفكر في ما يواجه الشباب من مخاطر وفي إنجازات العلم والعقل، التي لن تكون خيراً إلا بقلب سليم وإنسانية كبيرة، فيقول: "أردت تكريم العلم والإنسانية معاً، ولا أفضل من مساعدة الجيل الجديد ليكون متقدماً أخلاقياً كما هو علمياً، لذا حولت اتجاهي وأخذت بإقناع مدير مدرسة، والتقيت بخبراء علم نفس وتربية، لأجل هدف واحد، التربية الأخلاقية للطلاب".

وكان سابيث يطلع على مواقف صعبة لا تعد ولا تحصى مما يتعرض له الطلاب، وكذلك الأفكار النمطية الخالية من الأخلاق غالباً والتي تسكن عقولهم.

ويقول: "أحد أول الأحداث التي اكتشفتها عن قرب، موقف مع طالبة مراهقة، تخبرها صديقتها في الصف أنها ستقدم على الانتحار، وبدا أنها لن تستطيع مساعدتها، إذ يحكي: "قالت لها أنا أثق بك فقط في هذا العالم، وأعرف أنك لن تخوني ثقتي وتخبري أي شخص كان ... هناك مواقف عديدة تعتبر معضلة للصغار، وتختلط عليهم فيها أمور المنطق وأوجه الأخلاقيات".

ويضيف سابيث: "أحاول دفع الطلاب لسرد تفاصيل أزمات وقصص يتعرضون لها، أريدهم أن يخوضوا النقاش معي، ويروا الأمور بزوايا مختلفة، وأكثر وضوحاً، حتى يتسنى لهم اتخاذ القرارات السليمة في حياتهم، فالصراع بين جانبنا المظلم والخير مرير في كثير من الأحيان".

استعد للإبحار
يعنون المعلم سابيث مادة الأخلاقيات التي يوجهها لطلابه بـ "أشرعة الإبحار"، ويعتمد فيها على 7 مهارات أساسية في اتخاذ القرارات الأخلاقية، وهي، الضمير الحي، أسلوب الشخصية، الكفاءة، العواقب، الخيارات، التعاطف والرحمة، والشجاعة.

ويقول سابيث: "بدأت بمحاولة جعل الطلاب مدركين لأهمية هذه المهارات، إلى جانب 4 مفاهيم أساسية لا يجب أن يتعارض العلم والمعرفة معها، وهي قدسية الحياة والعدل، والحرية والخير".

وكان موقع "إديوكيشن وورلد" المتخصص، قام بمقابلة طلاب علمهم سابيث للوقوف على انطباعاتهم، وتأثير دراستهم للأخلاقيات بتلك الطريقة.

وقالت الطالبة "كيلسي" (10 أعوام): "علمني الأستاذ سابيث كيف أصبح أكثر لطفاً نحو الآخرين، حتى لو لم يكونوا هم لطفاء، لذا أصبحت أتحمل إزعاج أخي الأصغر لي أكثر، واستطعت حمل نفسي على التعامل معه بشكل لطيف، رغم أنه لئيم في كثير من الأحيان".

"سيدة نجم البحر"

ويقول سابيث: "علينا تعليم الأخلاقيات للأطفال من البداية، حيث يتشكل مفهوم القيم الأخلاقية لديهم، ومع طلابي أناقش النظرية والموقف نفسه، وأطرح الأسئلة وأتلقى الأخرى، سعياً لتشكيل ما هو أشبه بالعمود الفقري للقيم، ومن ثم يستطيعون كسوه بما يتناسب معه والموقف أو الخيار المطروح".

ويقوم سابيث بتعليم الطلاب أساسيات تسمح لهم مستقبلاً بالنظر للأمور من زوايا مختلفة، وتتنوع المواقف التي تطرح عليه من الطلاب بشكل كبير، فيحكي قائلاً: "طلابي يحبون قصة (سيدة نجم البحر)، التي تروي أنه حين وجدت فتاة عدداً كبيراً من نجم البحر قذفتهم الأمواج للشاطئ على الرمل، وكانوا أحياء، فركضت تعيدهم للمياه، فتوقف رجل كان يمارس الرياضة وسألها لماذا تشغل نفسها بهذا الأمر! وأنها لن تستطيع إنقاذ الجميع، فأجابته بأنها لا تهتم إنما تعرف أنها ستحدث فرقاً في حياة من تستطيع مساعدتهم، كانت هذه الإجابة التي قدمتها طالبتي كاترينا (11 عاماً)".

ويضيف سابيث: "أحاول جعل الطلاب يفكرون في قيمة القرارات الأخلاقية وأهميتها، فمثلاً قرار مساعدة الآخرين حتى ولم يبدو مجدياً بشكل كبير، إلا أنه يستحق الإقدام عليه".

جريمة طعن .. الخوف

ومن الأمثلة التي يستخدمها سابيث لطلابه كذلك، جرائم من الواقع المعاش، مثل جريمة حدثت لشابة أمريكية تدعى كيتي غينوفيز، فيقول: "حدثت جريمة مروعة بحق تلك الشابة، فبينما كانت تمشي في الحي الذي تقطنه في كوينز نيويورك، هاجمها رجل في وضح النهار وطعنها بسكين، صرخت تستغيث بالمارة والجيران، الذين قدر عددهم حولها وقت الجريمة بنحو 40 شخصاً، لكن أحداً لم يتحرك، وعاد مهاجمها لطعنها مرتين بعد أن تمشى قليلاً للأمام، واستدار ببطء ليعود لحيث سقطت ويواصل طعنها".

ويواصل سابيث الحكاية: "كان الجميع من مختلف الأعمار يراقبون ما يحدث وكأنه فيلم، وحتى وصلت الشرطة، كانت الفتاة قد لفظت أنفاسها، كانت الكارثة الأكبر أن لا أحد تدخل إطلاقاً، وأوري أنا اليوم هذه القصة وأسأل الطلاب عن رأيهم والسبب الذي يمكن أن يفسر هذا الموقف المؤلم، وما الفارق الذي كان يكن حدوثه لو تصرف أحدهم بشكل ما".

وتقول الطالبة راشيل (11 عاماَ): "تأثرت حين سمعت عن الجريمة، أعتقد أن السبب أن الناس حولها كانوا خائفين، بعض من زملائي يرون أن السبب مجرد أعذار غير مقنعة بسبب جبنهم أو قلة اهتمامهم بمصير الآخر طالما هم في مأمن".

وكنتيجة للنقاش الذي دار بين المعلم سابيث وطلابه، تقول راشيل: "هذه المواقف القاسية تعلمنا أشياء مهمة، سأتدخل للمساعدة أو منع الضرر إن رأيت خطأ يحتاج أحدهم فيه لمساعدتي، هذا ما يجب أن نفعله جميعاً".

القرارات الصعبة
وبالعودة للموقف الأول الذي رواه سابيث عن إخبار مراهقة لصديقتها نيتها الانتحار، يقول: "في نهاية المطاف أخبرت الصديقة معلمها، وحين تدخل بالفعل مُنعت الأخرى من محاولتها وأُنقذت، لكنها اعتبرت الأخرى خائنة ولا تستحق ثقتها أو صداقتها، وحين رويت الحكاية قالت لي واحدة من الطالبات: في العمق هي تعرف أن صديقتها تحبها، ومع الوقت ستفهم أن ما فعلته كان لأجلها".

ويستطرد قائلاً: "بهذه الطريقة نفكر في الخيارات المطروحة معاً، ويقوم الطلاب بدور الحكم أحياناً، وأحياناً يقومون بإسقاط الموقف على ذواتهم، دون تدخل مني، ومن ثم نسعى سوياً للتحليل، فأحياناً يواجهون فقط خيارين، الصعب والخطأ، وليست الأمور دائماً واضحة كالأبيض والأسود، والخير والشر".

ويقول الطالب كيشا (10 أعام): "حين اكبر سأصبح محامياً، فقد أصبحت قادراً على الجدال والإقناع، مثل معلمي الذي كان محامياً، بفضله أستطيع مناقشة والدي وإثبات حجتي وشرح وجهة نظري".

الحقائق الأفضل
وتعتبر أساليب سابيث في تدريس الأخلاقيات مثار إعجاب في الوسط التربوي الأمريكي، كونها أظهرت نتائج مميزة في تعزيز قيم الاحترام بين الطلاب، وكذلك جعلت احترام اختلاف الثقافات أمراً يؤخذ على محمل الجدية بين طلابه، ناهيك عن تطور قدراتهم في كيفية التفكير واتخاذ القرارات.

ويقول سابيث: "أردت لهم أن يتعلموا كيفية اتخاذ قرارات أخلاقية على أساس الحقائق لا على أساس الآراء والأهواء، وأعتبر أن أهم إنجاز في حياتي كلها، هو في تأثيري فيهم واعتباري لهم أمانة مستقبل واعد، فأنا أرى نفسي في طلابي، وأتمنى أن نكون جميعاً أفضل".

ويضيف: "النجاح الحقيقي ليس فقط علمياً ومادياً، بل لا يستوي إلا أخلاقياً، ومنذ بدأت عملي مع الطلاب لاحظت زيادة التزامهم وانضباطهم، وروح الايجابية التي انعست على تحصيلهم العلمي وعلاقاتهم الاجتماعية".