(تعبيرية)
(تعبيرية)
الثلاثاء 16 أغسطس 2016 / 18:03

"المخيلة الأخلاقية".. ما هي؟ ولماذا يجب وضعها في المناهج الدراسية؟

24 - إعداد: الشيماء خالد

يعتبر السؤال الأخلاقي العميق في الفلسفة كما الحياة "ماذا يجب أن أفعل؟ ولماذا؟" أساساً يفتقده الكثير من طلاب المدارس اليوم، وبالرغم من إن بعض الإجابات ربما سهلة أو بسيطة، إلا أن القيم المتضاربة وتغيرات مجريات الأحداث حول العالم، ربما جعلت الأمر مثاراً للجدل، وفي خضم أزمات يقع ضحيتها أطفال ومراهقون وشباب، لذا يؤكد خبراء تربويون على بناء مفهوم "المخيلة الأخلاقية"، عوضاً عن التلقين والأسلوب المباشر، وخاصة في المناهج الدراسية.

وتقول الفيلسوفة الأمريكية المعاصرة، مارثا نوسبام، في كتابها "ليس للربح: لماذا تحتاج الديموقراطيات للإنسانيات": "لحث الأجيال الجديدة على الإجابة على السؤال الأسلم، كيف أتصرف أو أسلك سلوكاً أخلاقياً؟ أنت بحاجة أولاً لإدراك نتائج وأرقام الدراسات المتخصصة حول العالم فيما يخص افتقاد الطلاب اليوم لقابلية تبني ممارسات أخلاقية سامية، وثانياً أنت بحاجة للخيال، لكن ببعده القيمي، في نفوس هؤلاء".

إبداع بلا قيد لكن بقيم
وتتضمن المخيلة الأخلاقية، القدرة العفوية والسلسة على الخروج بأفكار وممارسات إبداعية ومتميزة بشكل يحمل في جنباته قيم الأخلاق والمثل، بلا أي تقييد في الوقت نفسه لحرية التفكير والاستنباط، كما أن تشكلها في عقول ونفوس الصغار يولد جيلاً متميزاً في الجانب العلمي والمهني والإنساني في الوقت نفسه.

وتضيف نوسبام: "يفقد الطلاب القابلية للتفكير بأنفسهم والبحث في مسائل تتعلق بالأخلاق حيث يتم تلقينهم بشكل مباشر ماذا يتوجب فعله ويتم تقليص الكثير من الأفكار والواقف وعرضها بأسلوب ضيق يحدد فقط ما ذا كانت خطأ أم صواب من دون فهم أو نقد حقيقي للمسألة".

وتكمن المشكلة هنا في أنه في حال ما تغيرت الظروف - وهذا أمر دائم الحدوث - أو وجدت مواقف مختلفة عن تلك التي عرضت في ما سبق على الشخص، في هذه الحالة الطالب لن يكون قادراً على اتخاذ قرار أخلاقي، لأنه لم يعتد التفكير بنفسه بل اعتاد التلقين والحفظ من دون فهم أو معرفة للسبب بشكل مقنع ومرن، وهنا يأتي دور المخيلة الأخلاقية كمهارة يتوجب تطوريها لدى الطالب ليتمكن من اتخاذ قرارات أخلاقية مناسبة ومدروسة، بحسب نوسبام.

الحرية الفكرية.. توظيف المخيلة
وفي كتابها تشير نوسبام لأهمية الأدب والمواد الإنسانية في تكوين مواطن واع أخلاقياً، فتقول: "يملك الأدب والقصة بشكل خاص القدرة على تطوير الفكر الناقد، الخروج من المفهوم الضيق للوفاء تجعل الشخص يعتبر نفسه مواطناً في هذا العالم، بالإضافة إلى تعزيز التعاطف مع الآخر وفهمه، وتساهم النقاط السابقة كما نرى في تطوير المقدرة الفكرية الأخلاقية لدى المرء، ولكن يبقى السؤال كيف يؤدي الأدب هذا الدور؟".

وبحسب ما نشرته الباحثة في جامعة هارفرد، والكاتبة كاثرين إلجين، في ورقة بعنوان "الأدب كتجربة فكرية"، تناقش كيف يمكن اعتبار القصة أو الرواية تجربة فكرية، وتقول: "إن التجربة الفكرية هي أسلوب فلسفي وعلمي قديم يساعد على البحث واستيعاب فكرة ما حيث تجرد وتسرد خلال سيناريو يعزل العوامل مما يسمح للمرء البحث في فكرة معينة بشكل مجرد، وفي الأدب وبالتحديد القصص والروايات مكتوبة أو مرئية تستطيع أن توظف بنفس الشكل".

وتشرح: "الأشخاص الذين يقرأون كثيراً يملكون مخيلة خصبة يمكن توظيفها في التوسع في كثير من الأفكار والمواقف، والزوايا المختلفة للشخصية يتم فهمها أو على الأقل التفكير فيها باختلاف القصص والأحداث والشخصيات تختلف الأفكار".

التحليق والغوص
وتنصح إلجين بحثّ الطلاب على إطلاق العنان لتنمية مخيلتهم أولاً، ومن ثم تطعيمها بالأمثلة المبتكرة والذكية ببعد أخلاقي، وتقول: "يحتاج الأطفال والمراهقون اليوم إلى التأمل وإمعان التفكير في العديد من المواقف والأحداث، وبينما يقرأون ويشاهدون في حرية وانعتاق ذهني، يمكن المزج بين الشقين، الواقع المعاش والخيال، ببعد أساسه نفس المخيلة الأخلاقية المرجوة، وهذا ما نحتاج للتركيز عليه في المدارس، وهو أمر يجعل الإبداع والتفوق والنجاح، المتوازي مع الإنسانية وقيم الخير والإيجابية، حالة متكاملة".

وتضيف: "حين تتطور المخيلة الأخلاقية، ستسهم في نهاية الأمر في اكتساب مهارة التفكير التي يمكن تطبيقها في أي وقت ومع اختلاف المواقف جاعلة مهمة اتخاذ قرار أخلاقي أفضل من تلك التي قد تؤخذ بسبب التلقين".

ويؤكد خبراء من أهم المؤسسات التعليمية حول العالم، إلى حاجتنا المناهج الدراسية إلى تطوير مهارة التفكير والتمعن في المسائل الأخلاقية، بنفس الاهتمام بتطوير الجانب العلمي، من خلال "المخيلة الأخلاقية"، بفتح الباب للأدب والقصص والممارسات الإبداعية للطلاب مثل الرسم والموسيقى وغيرها من الفنون التي تستحث المخيلة، لتصبح أكثر قرباً وتواتراً في حياة الطلاب.

وتقول إلجين: "علينا السماح لهم ومساندتهم على التحليق في سماء الخيال، ولكن نعيدهم للغوص عميقاً في معاني وقيم ما يتخيلونه أو ما يقرأون أو يكتبون أو يشاهدون، كل هذا سيخرج لنا بتلاميذ حاملين لمخيلة أخلاقية، ومن هنا أشخاص أفضل، لمستقبل أجمل".