الثلاثاء 16 أغسطس 2016 / 18:19

القصص والحكايات.. البوابة السحرية لتدريس "التربية الأخلاقية" للأطفال

24 - الشيماء خالد

"القصص والحكايات، بوابة الخيال والحيوات والعوالم، ومنها تنبع الأفكار المتنوعة، مما قد يغير المصير في كثير من الأحيان، خاصة حين يتعلق الأمر بالأطفال، ولا شيء أفضل منها في تغذيتهم بتربية أخلاقية، تمزج المتعة بالتعليم، وتشكل وعيهم وتفتح عيونهم على ما وراء النظرة الأولى".

فبحسب الكاتب الروائي الإندونيسي، أندريا هيراتا، الذي حققت روايته لليافعين "جنود قوس قزح" نجاحاً عالمياً وترجمت للغات عديدة، فإن ما يجعله يدين بالولاء لمعلمته هو دورها في تعليمه قيم وفضائل سامية، كما علمته الكتابة والعلوم، منذ كان في المدرسة الابتدائية.

زرع القصص .. الأثر المدهش
ويقول هيراتا لـ 24: "بفضل القصص التي حكتها المعلمة لي استنبطت أخلاقيات سامية، هي السبب في نجاحي وحبي للحياة، وسعيي الدائم لبث الأمل والمحبة في قلوب الأطفال، فقد أنقذتني معلمتي من الجهل بإصرارها على إبقاء مدرستنا مفتوحة، والتي لم تحوي سوى 11 طالب وقتها، ولولا جهودها الجبارة لأُغلقت، حينها أدركت في تأثرها الكبير القيمة العظيمة للعلم، ولكن ما جاء فيما بعد هو ما جعلني أدرك القيمة العصية على الشرح للأخلاق النبيلة".

ويجوب هيراتا العالم ليلتقي بقراء من مختلف الثقافات ويروي قصصه الفريدة، محاولاً زرع الفضائل والخير بهذا الأسلوب، ويضيف: "إن الاستخدام الذكي للقصص في التربية الأخلاقية، يمكننا من امتلاك ناصية توجه الطفل وقناعاته المستقبلية، بل عن مستقبله يتحدد أحياناً كثيرة عبر الكتب التي يقرأ، والحكايات".

وأثبتت دراسات عديدة في الحقل التربوي، الأثر المدهش للحكايات في تحسين أداء الطلاب في المدرسة والتعامل مع المشكلات، وأثراً أكبر في الابتكار والإبداع.

العصر الذهبي
ويلعب المعلمون بشكل أساسي دوراً هاماً في استيعاب الأطفال للقصص واستخلاص الرسالة الأخلاقية الموجهة فيها، وتؤثر نظرة وفهم المعلم نفسه للأمر في النتائج، بحسب الخبير التربوي، طاهر بن عرفة، الذي يقول لـ 24: "الطفولة المبكرة هي مرحلة مصيرية لتكوين المرء جسدياً وفكرياً ونفسياً واجتماعياً، و القدرات العقلية والجسدية تتطور بسرعة مذهلة ونسبة عالية من التعلم تحدث منذ الولادة وحتى سن السادسة، وبناءً على بحوث في علم الأعصاب فإننا نعلم أن دماغ الإنسان يتطور بشكل أسرع خلال السنوات الأولى من عمره وبوصول الطفل إلى سن الرابعة، يكون ذكاؤه قد وصل إلى 50% من أقصى حد قد يصل إليه في المستقبل وبسن الثامنة يكون قد وصل إلى 80%، وبالتالي فإن الطفولة يطلق عليها مسمى "العصر الذهبي" بما أن أغلب أنسجة الدماغ التي تتحكم في النشاط البشري تكون قد تكونت خلال تلك المرحلة".

وينصح عرفة بتركيز القصص الأخلاقية للأطفال في الفترات سابقة الذكر، ويشرح الأوجه المختلفة بحسب الغايات المرجوة لاستغلال هذا المدخل لتشكيل وعي الطلاب.

ويقول: "إن كانت الغاية المرجوة التي نحتاج لها تتمثل في تعزيز قيم الوطن والانتماء، ونشر الاحترام والتهذيب والاجتهاد في نفوس الأطفال، فعلينا إمدادهم بقصص تحاكي هذه المفاهيم، لكن هنا نحتاج للانتباه إلى تجنب الأسلوب المباشر والممل، فهذا غالباً يعتبر طارداً لهم، ونعمد لاختيار قصص مبتكرة وغنية الألوان، ورشيقة المحتوى، للحصول على انتباههم".

دون خوف
ويشجع عدد من الباحثين والمتخصصين في مجال التعليم على استخدام الأدب كوسيلة للوصول إلى أهداف التربية الأخلاقية، وتكمن أهميتها في كونها تعرض نماذج يحتذى بها وفرصاً لمناقشة المشاكل الأخلاقية، ويوجد خيارات واسعة في هذا الشأن، كون الكثير من الكتب تقوم بتسويق فكرة استخدام الأدب كأداة للتعليم الأخلاقي.

ويضيف عرفة: "عند قراءة القصص لا يتعلم الطالب فقط الخطأ والصواب بل كذلك الأسباب وراء اختيار أي منهما على الآخر، يتعلم عن الأنظمة والعقوبات، ومهارات حل المشكلات و أيضاً التقمص العاطفي والمقدرة على فهم الآخر".

ومن ناحيته يقول هيراتا: "القصص، متمثلة في الشخصيات والأحداث التي ترويها، تحمل للأطفال أفكار ومفاهيم جديدة، ويتعلمون منها من دون الشعور بالخوف، حيث يستطيعون استخراج درسهم الخاص من القصة كما أنها ممتعة للطلبة وللمدرسين".

"جميعاً سواء"

ويقول الكاتب والمصمم الأمريكي من مؤسسة هارموني للتعليم والابتكار ، كلينت بهاري لـ 24: "النموذج الذي تقدمه الخطة الدراسية للتربية الأخلاقية في الحضانات يهدف إلى تعليم الأطفال القيم الدينية والوطنية، وبالرغم من أهمية ذلك، إلا أنها كثيراً ما تفتقد القدرة على تمكين الطفل من التحليل والتعليل وفهم سبب اتباع سلوك ما من عدمه، وهو الدور الذي نقترح أن القصص سوف تلعبه في حال تقديمها في النماذج الدراسية".

ويضيف بهاري: "تمنحنا الكتب حين تراعي التربية الأخلاقية، إمكانية بث رسالة سلام وتعايش وعن طريق قصص الحيوانات، كأن تحكي علاقات التعايش والثقافات المختلفة ودفعهم لفهم أننا جميعاً سواء، وأن الوجود بلا خير لا قيمة له".

تجربة .. البوابة السحرية
وتعتبر الكتب الجيدة والمتميزة طوق نجاة الأجيال الجديدة من تضارب الأخلاقيات وافتقادها في غالب الأحيان، وهي الفكرة التي اعتمدها التربوي والباحث الإيطالي، ماركز زابارولي، ضمن مؤسسة ليتراتورا رينوفابلي، فيحكي لـ 24: "أقمنا مشروعاً مطلع العام في مدارس إيطاليا باسم "بوك ساوند"، قام فيه الخبراء لدينا بزيارة مئات المدارس واخترنا صفوفاً عانى فيها الصغار والكبار من مشاكل متنوعة أبرزها العنف والأداء الضعيف وأزمات اجتماعية، ودمجناهم كشخصيات في حكاية، حيث يقرأون بصوت عال كممثلين، مدفوعين بقناعتنا بأن لا طريقة أفضل لمواجهة كل تلك الكوارث والأخطار التي تحيط بالأطفال إلا بالكتب والقصص الجميلة، ومساعدتهم على تطبيقها".

ويضيف زابارولي: "الجزء الثاني من هذا المخطط كان الخروج بالقصص من المدارس والقراءة للآخرين كباراً وصغاراً في المستشفيات والمساكن والمكتبات، كل هذه التجربة شارك فيها نحو ألفي طالب".

وبالفعل أدت التجربة نتائج مدهشة، لفتت انتباه وسائل الإعلام الإيطالية، بعد أن أفصح الطلاب عن مشاعرهم وقناعاتهم وناقشوها عبر الإذاعة، وأدت لبداية تشكيل وعي جديد، وتراجع مذهل في العنف في المدارس المشاركة.

ويقول زابارولي: "كتب الأطفال هي البوابة السحرية لعالم أجمل، ولا بد منها في تدريس التربية الأخلاقية، كونها أحد أفضل الأدوات التي تنحت شخصية الطفل".