يوسف القرضاوي متوسطاً الأمير الحالي تميم والسابق حمد بن خليفة (أرشيف)
يوسف القرضاوي متوسطاً الأمير الحالي تميم والسابق حمد بن خليفة (أرشيف)
الأربعاء 7 يونيو 2017 / 20:30

من الذي يحكم الدوحة تميم بن حمد أم يوسف القرضاوي؟

بالنظر إلى التطورات المتسارعة في المنطقة بعد تفجر الأزمة الخليجية، يُمكن القول بعد محاولة تقييم أولية للنتائج والمستجدات إن قطر خسرت منذ اندلاع الأزمة أي قدرة على قلب الوضع، أو تحقيق أي مكاسب سياسية تذكر، بعد اشتداد الوضع أكثر بانضمام دول إلى المقاطعة، وأخرى إلى دائرة الممتعضين من سياسة الدوحة.

ومنذ أكثر من أسبوعين، أي بعد الاختراق المزعوم لوكالة الأنباء، أثبتت الدوحة فشلها في إدارة الأزمة، والتعامل معها بما يقتضي الحال والوضع الإقليمي، والدولي بشكل عام، حتى قطع العلاقات الدبلوماسية، انتهاءً بالصفعات المدوية التي تتالت مساء الثلاثاء، والتي شكلت تغريدة ترامب عن نهاية الإرهاب، أكثرها إيلاماً وقوة.

وفي الوقت الذي يتخبط فيه بعض الإعلاميين القطريين، في محاولة لإقناع الرأي العام الداخلي المغلوب على أمره، وإيهام الخليج والعالم بأن قطر، تجاوزت محنتها بسهولة خرافية، بعد فشل الإجراءات المتخذة ضدها، والخسائر القاسية التي تكبدتها دول المقاطعة بعد خسارتها الأسواق القطرية، بما يوحي بأن الحديث عن الاقتصاد الصيني أو الهندي، أو حتى الأوروبي، وليس عن اقتصاد الدوحة.

وإلى جانب الخراب الإعلامي والاتصالي، فشلت الدبلوماسية القطرية في قراءة الأحداث، وفي تقدير حجم القوى الإقليمية والدولية المعنية بأزمة الدوحة الأخيرة.

وبالنظر إلى تصريحات وإعلانات وزير الخارجية القطري منذ بداية الأحداث، يُدرك المتابع أن الصلة أو الميزة الوحيدة لهذه التصريحات التخبط حد التناقض، فقطر في بعضها "ترفض أي تدخل في شؤونها" و"تنفي أي علاقة بالإرهاب" و"لا صلة لها بالإخوان" ولكنها في الوقت نفسه، "مُستعدة لأي تسوية" ومستعدة "للتراجع إذا أخطأت" كما جاء في الحديث مع بي بي سي البريطانية الثلاثاء.

ومنذ اندلاع الأزمة، اعتمدت قطر منطق المواجهة، والتصعيد، واختارت لغة التحدي والإصرار على الموقف، ما يكشف طبيعة العمل الدبلوماسي وافتقاره إلى الخبرة والمرونة من جهة، والقدرة على التشخيص الصحيح، واتخاذ القرار المناسب، وهو ما يعود ربما إلى قلة خبرة الوزير القطري المكلف بالشؤون الخارجية، مقارنةً بسابقيه في المنصب نفسه، وأشهرهم حمد بن جاسم آل ثاني الذي شكل الدبلوماسية القطرية على امتداد السنوات العشرين الماضية تقريباً.

ومن جهة أخرى كشفت الأزمة الخانقة التي تردت فيها الدوحة، أن الأمير تميم بن حمد لم يخسر ربما كل أسلحته في المعركة الدبلوماسية الدائرة والتي يستحيل عليها كسبها أو حتى الخروج منها بأخف الأضرار، بعد الصدمات التي طالت كل القطاعات القطرية من سياسية ودبلوماسية واقتصادية وحتى ثقافية وسياحية بعد العار الذي سيلطخ سمعة قطر على امتداد العقود القادمة، باعتبارها البلد الذي أيد الإرهاب وموله، وهي صورة سيصعب تغييرها وتلميعها قريباً.

ولكن تميم يملك ورقةً وحيدةً ربما تضمن له وقف الآلة الخليجية المتماسكة التي يُصر على مواجهتها، وتتمثل في التحلي بالواقعية والتخلي عن المكابرة والعناد، والقبول بالنظر في نقاط الخلاف مع دول الخليج، التي حصرت قائمةً بمآخذها وملفات بالتهم التي وجهتها للدوحة، موثقةً بالمعلومات والوثائق السرية منها والعلنية، والتي اكتفت الدبلوماسية القطرية بالنفي والتكذيب، دون إقناع أو حتى إثارة مشاعر التعاطف لدى المتابع للأحداث قبل الجهات المعنية بهذه الأحداث أصلاً.

ويُمكن لتميم إذا أراد تجاوز هذا المأزق الخطير، إعادة النظر في طواقم عمله الدبلوماسية والاستشارية في الداخل والخارج، والعودة إلى أبجديات العمل السياسي والدبلوماسي، فالتواضع، وقراءة الأحجام الصحيحة والمسافات، وطبيعة التحالفات والعلاقات الدولية، كانت وستظل أهم وأنجع من الصراخ، والعويل، والشتم، وقطع الطريق على الحرس القديم الذي صنع سياسات قطر منذ التسعينات من القرن الماضي، في عهد الشيخ حمد بن خليفة، ورئيس وزرائه وعرابه الحقيقي، الشيخ حمد بن جاسم الذي يبدو أنه لا يزال يحكم قطر ويسير آلتها الإعلامية، والدبلوماسية والسياسية من خلف الكواليس.

وإذا أعادت القيادة القطرية النظر في المسألة برمتها، ربما يُمكنها إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أما إذا تأخر الوقت وتأكد أن الإخوان تمكنوا من الإمساك فعلاً بتلابيب صناعة القرار القطري بشكل كامل، فإن ذلك سيكشف للقاصي والداني الكثير من التفاصيل التي ظلت خافية عن المتابعين والرأي العام القطري والإقليمي والدولي في السنوات الأخيرة التي تميزت بتماهي السياستين الداخلية والخارجية القطرية مع خيارات الإخوان، وزعيمهم الأشهر المقيم في الدوحة، يوسف القرضاوي، الذي سيكون إذا تأكد هذا السيناريو الأمير الحقيقي أو غير المتوج لقطر، وليس الشيخ تميم أو والده من قبله الشيخ حمد.