جزء من "منبر" السفير القطري في مدريد (الباييس)
جزء من "منبر" السفير القطري في مدريد (الباييس)
الأحد 2 يوليو 2017 / 20:06

قطر: "دفتر الشيكات" لتطويع الصُحف الدولية أيضاً

منذ بداية الأزمة الخليجية عمدت الدوحة من خلال إعلامها إلى التحرك على محورين إثنين كبيرين يتمثلان في محاولة "تدويل الأزمة" بالعمل على تأليب الرأي العام الدولي، والحكومات الأجنبية ضد العواصم العربية المقاطعة، ثم تمرير صورة الدولة المظلومة من قبل جيرانها، بسبب سياستها الخارجية "التقدمية" في منطقة الخليج المحافظة، وذلك "بشهادة" الصحافة والإعلام الدوليين.

وإذا فشلت الدبلوماسية القطرية في هدفها الأول، فإن الفشل الإعلامي والاتصالي، لم يكن أقل دوياً أو إثارةً للاهتمام من قبل المتابعين للصحافة الدولية، التي اعتبرت في أفضل الأحيان قطر بمثابة "الطفل المشاغب الذي ضبطه كبار عائلته بالجرم المشهود، والذي سيتلقى العقاب المناسب على ذلك في أقرب وقت".

الباييس نموذجاً
ولكن الإعلام القطري بشقيه التقليدي، أي الرسمي والحكومي، والالكتروني الذي تلفه غيوم كثيفة تكفلت بنفي أي شفافية عنه، تغاضى عمداً عن هذه الحقائق، مانحاً نفسه هامشاً واسعاً من الحرية والتحايل، وفي أحيان كثيرة التحيل، وتدوير الزوايا الحادة، لتطويع الصحافة الدولية، وترويضها لخدمة المواقف القطرية الرسمية من الأزمة.

وفي الأيام الأخيرة كان لافتاً تركيز إعلام الدوحة عند تعامله مع الصحافة الأوروبية، على الصحف ووسائل الإعلام الإسبانية بشكل خاص، مثل صحيفة الباييس أكبر صحف شبه الجزيرة الإيبيرية، وإحدى أعرق الصحف فيها.

وفي الأسبوع الماضي وحده عمدت مواقع وصحف قطرية عدة، على تزوير واستغلال بعض المقالات الصادرة في الباييس، في محاولة لإظهارها كما أكدت هذه المواقع الموالية لقطر والإخوانية الأخرى الصفراء الكثيرة، في مظهر الضحية المفترى عليها، بسبب سياستها الخارجية "المستقلة" والأقرب إلى السياسة الحمراء، أو اليسارية منها إلى الواقع السياسي العام في المنطقة المتميز بمحافظته، ويمينيته الاقتصادية بشكل عام.

وعلى امتداد الفترة الماضية، لم يترك الإعلام القطري الفرصة تمر، وفي كل مرة كان ينقض على ما كتبت الصحافة العالمية والأوروبية، وما تعرضت له من تحاليل قليلة مقارنةً بأهمية الحدث في المنطقة، ما يعني انصرافاً ضمنياً من الرأي العام الغربي، عن القضية لإيمانه بأنها قضية خاصة بدول الخليج أولاً، ولتأكده من التهم الكثيرة التي أعلنتها دول المقاطعة ووجهتها للدوحة، من دعم للإرهاب، واحتضان لرموزه وخطابه، وتمويله في أكثر من منطقة ودولة من دول العالم.

وبالعودة إلى إسبانيا، وإلى صحيفة الباييس تحديداً، اهتم الإعلام القطري والمواقع الموالية والدائرة في فلكه، بما كانت تنشر الصحيفة بشكل منتظم تقريباً لمراسلتها في دبي عن تطورات الأزمة، في محاولة لإظهارها في صورة الصحيفة "المنحازة للموقف القطري" والمؤيدة لحجج الدوحة، ومواقفها في هذه الأزمة.

وفي الأسبوع الماضي نشرت الصحيفة مقالين إثنين، شكلاً نموذجاً لتعاطي الإعلام القطري مع الإعلام الأجنبي، بترجمة مقالات الصحيفة، بعد تحريفها وتطويعها.

صحافة صفراء في الإمارة الحمراء 

ففي المرة الأولى تداولت هذه المواقع مثل عربي 21، خبر "انتصار صحيفة الباييس وتأيدها رفض مطالب دول الجوار، وتأييدها المطلق للجزيرة" القطرية، وعند كشف المغالطة، عمد هذه المواقع إلى الدفع بمقال أقدم، نُشر قبل أيام قليلة على الصحيفة نفسها، وفيه تحدثت الصحيفة ومراسلتها عن رفض المطالب، وعن دعم الجزيرة، والاتهامات الموجهة إليها، وعن دعوة الدول الغربية للتدخل في الأزمة وحلها، وهي حقائق ثابتة في المقال الإسباني، ولكن الشيء الوحيد، ولعله الأهم في هذا المقال والذي تغاضت عنه مواقع الدوحة، وصُحفها، يتمثل في أن كل هذه التأكيدات لم تكن رأي الصحيفة، أو موقفها، بل نقلاً وبين هلالين للتصريحات التي أدلى بها المتحدث الرسمي باسم الحكومة القطرية الشيخ فيصل آل ثاني، بالتزامن مع الحُجج والردود الإماراتية الممثلة لمواقف دول المقاطعة، والتي ساقتها الصحافية الإسبانية في تغطيتها أيضاً كاملةً، ولكن الإعلام القطري تغاضى عن التعرض لها، أو ذكرها، في درس جديد عن المهنية والحرفية الصحافية العالية التي تتميز بها هذه الصحافة.

وعندما افتضح التزييف والتزوير الفج، لجأت قطر إلى الشيء الوحيد الذي تميزت به وبرعت فيه على مدى السنوات الماضية، الحل السحري في تقدير الدوحة وفي ذهن صاحب القرار فيها "دفتر الشيكات" العجيب، بمحاولة شراء حيز في الصحيفة الإسبانية، التي رفضت على ما يبدو المناورة ونشرت في عددها الصادر السبت، مقالاً جديداً عن الأزمة، وعن الموقف القطري، بإمضاء السفير القطري في مدريد محمد الكواري تحت عنوان "التزام بالحوار" قبل ساعات قليلة من إعلان وزير الخارجية القطري رسمياً رفض بلاده الشروط الخليجية والعربية، لحل الأزمة، ما يُعطي مجدداً فكرةً عن التنسيق بين الوزير وسفرائه في الخارج.

وفي مقاله الذي أصرت الباييس على إدراجه ضمن "المنبر" لتمييزه عن المواد الصحافية التي تنشرها وتلزمها أو تُلزم صحافييها، أعاد الدبلوماسي القطري، الذي اشترى هذا الحيز الإعلامي لتمرير نفس الأسطوانة عن "المؤامرة" و"عقاب قطر على مواقفها المبدئية" و"رفض الدوحة الإرهاب" ودعم حرية "الإعلام الذي تُمثله الجزيرة " إلى آخره من الموشح القطري المألوف.

وبالنظر إلى "منبر" السفير في إسبانيا، وإلى الصحف الأوروبية الأخرى، نجد أن مبادرة السفارة القطرية في مدريد سابقة من نوعها منذ اندلاع الأزمة، ولم تتكرر في أي عاصمة أخرى، ما يعني أحد الاحتمالين التاليين، إما أنها محاولة لتطويع الباييس لأهداف غير معلومة، حتى الساعة، أو مناورة لإضفاء بعض المصداقية على التقارير الصادرة في الدوحة "عن تأييد إحدى كبريات الصحف العالمية للدوحة ولقناة الجزيرة" كما جاء في تقارير كثيرة نشرتها المواقع القطرية والإخوانية، على امتداد الأسبوع الماضي، على أمل ألا يتجرأ هذا الإعلام بعد أيام على اعتبار ما جاء في المنبر المدفوع الثمن، شهادة أخرى "على تأييد الإعلام الدولي المحايد للمواقف القطرية الثابتة".