حوار منصور مع الغنوشي في مجلة عبد الله عزام في أفغانستان (أرشيف)
حوار منصور مع الغنوشي في مجلة عبد الله عزام في أفغانستان (أرشيف)
الأربعاء 12 يوليو 2017 / 20:08

أحمد منصور من "بوق" إعلامي للقاعدة إلى "مُذيع" الجزيرة

يُصر "الصحافي" الإخواني وأحد أبرز وجوه قناة الجزيرة، على رفض الاتهامات الكثيرة التي وجهت له على مدى سنوات، بالإرهاب، ودعمه، والترويج له، ولكنه مثل الجزيرة بشكل عام، والعاملين فيها على وجه التحديد، يعتمد خطاب النفي واللعب بالكلمات، من قبيل الاختلاف على تحديد الإرهاب، أو ماهيته، أو تعريفه في اجترار لأبجديات الخطاب التقليدي الإخواني القائم على ربط التنديد بالإرهاب بالإسلام، واختصار المسافات بتأكيد أن اتهام أي شخص بالإرهاب، يعني الاعتداء على الإسلام.

ولكن هذه المحاولات اليائسة، التي يبذلها الإعلام الإخواني، لا تصمد كثيراً في وجه الأحداث والتاريخ، وخاصة الأرشيف، المتناثر هنا أو هناك، ليُذكر من فقد الذاكرة أو تظاهر بذلك أن الشعوب لا تُصاب بداء الزهايمر أبداً، كما يعتقد كثيرون.

وفي الواقع لا ينطبق الإرهاب على من يُفجر نفسه في الناس فقط، أو يحمل سلاحاً حربياً لإراقة دم غيره تجنياً وحقداً، ولكن أيضاً وربما في المقام الأول ذلك النوع من التنظير، والتبرير الفكري أو النظري للجريمة، تحت ستار حرية الإعلام والدفاع عن الحرية، الذي تعكسه الفقرات الدائمة والقارة على قناة الجزيرة القطرية مثلاً لرموز الإرهاب، وقادته، الميدانيين منهم، أو المنظرين، والإعلاميين الذين يضعون على ذمتهم فضاءً إعلامياً مثل الجزيرة لنشر الخراب باسم الحرية.

وفي هذا السياق، نُذكر مثلاً بالحديث المطول الذي أجراه مذيع الجزيرة، مع زعيم جبهة النصرة الإرهابي في سوريا، أبو محمد الجولاني، والذي يُعد حسب خبراء وإعلاميين كبار نموذجاً ومثالاً "جزيريا" على قدرة "هذا الجنس من الإعلام الحر" على دس السم في العسل، وصناعة الإرهاب، وزعمائه، ومنظريه أيضاً.

والواقع أن أحمد منصور، ليس جديداً على هذا المشهد أو غريباً عنه، ولم يلعب دوره "إرهابياً إعلامياً" بامتياز صدفة، ولا حديثاً، بما أنه ارتبط منذ سنوات طويلة جداً بهذا "الإعلام الملتزم بالإرهاب" وبنشره والترويج له، وترسيخه، منذ أن كان أحمد منصور، "صحافياً " ناشئاً ومغموراً في خدمة مجلة الجهاد، المتحدثة باسم التنظيم الأول الذي انبثق منه تنظيم القاعدة، "مكتب خدمات المجاهدين" الذي أحدثه في الثمانينات كل من عبد الله عزام، وتلميذه في ذلك الزمن أسامة بن لادن.

ويكشف أرشيف مثل هذه الدوريات التي كانت رائجة في تلك الفترة الدور الذي لعبه منصور منذ الإرهاصات الأولى قبل تشكيل مسخ الإرهاب، وفروعه المختلفة: القاعدة، ثم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وفي اليمن، وداعش، ثم جبهة النصرة في سوريا، وبينهما أجيال من العرب الأفغان، والجزائريين الأفغان، قبل ظهور جماعات العائدين: من البوسنة، ثم من البلقان، وغيرها كثير من التجارب، والمدارس، والتيارات التي ملأت المشهد في عالمنا العربي بعلامات مختلفة كثيراً تراوحت بين الجماعات السلفية والمقاتلة في دول كثيرة، في مصر، والجزائر، والمغرب، وليبيا، وصولاً إلى حركة النهضة في تونس، وتنظيم الإخوان في مصر طبعاً، ومختلف التنويعات المتفرعة عنه في عدد من دول الخليج، أو تشكيلات ما عُرف في بعض الأوقات بـ"فقاعات اليسار الإسلامي" والتنويريين الإسلاميين.

فرغم التباينات المزعومة بين هذه التنظيمات والظواهر الإرهابية، إلا أن المتأمل يُدرك دون عناء، أنها من قماش الإخوان المصريين الأصلي، مهما تفاوت القرب النظري والميداني، بينها وبين التنظيم القُطري في مصر، ومن ورائه التنظيم الدولي، إلا أن بصمة الإخوان الوراثية تربط بينها جميعاً بفضل القاعدة الفكرية الأولى من جهة، وبفضل سباحة وجوه وشخصيات مثل مُذيع الجزيرة اليوم أحمد منصور، بمهارة بين تياراتها المختلفة، باعتبارها روافد من بحر واحد، و جزراً في محيط واحد، مرتبطة في الوجود وفي العدم.

ويكفي العودة إلى حوار قديم أجراه أحمد منصور في بداية التسعينيات من القرن الماضي وتحديداً في سبتمبر (أيلول) 1989، بعد ما يناهز السنة من الانسحاب الكامل للقوات السوفياتية الغازية لأفغانستان، مع زعيم التنظيم الإخواني التونسي راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، لندرك بسهولة وبيسر تأصل الأول في تربة الإرهاب، الإعلامي وليس بالضرورة العسكري أو المسلح، وخبرة الثاني الطويلة في هذا المجال ما سمح له بتطويع الخطاب الحقيقي للنهضة والإخوان، لمقتضيات "الزمن" وتوازن القوى، والتلون بالاعتدال والوسطية والمدنية متى يكون ذلك ضرورياً، بعد التكفير، والتجريم لكل صاحب فكر حر، أو مغاير لفكر الإخوان، والإرهاب.