الشاعر والناقد مازن أكثم سليمان (أرشيف)
الشاعر والناقد مازن أكثم سليمان (أرشيف)
الإثنين 21 أغسطس 2017 / 16:37

مبدعون سوريون.. أين هي الكتابة من فيض الدم في سوريا؟ (4)

كيف يمكن الكتابة عن حدث مأساوي بحجم الحرب؟ تبدو الإجابة عن سؤال كهذا أكثر تعقيداً في حالة الحرب السورية المستمرة منذ قرابة 7 سنوات، لما بلغته من درجة قبح، لم يسبق أن شهد العالم مثيلاً لها، كثير من المبدعين السوريين حاولوا مقاربة الواقع السوري المؤلم خلال سنوات الحرب؟ والإجابة عن تساؤلات كثيرة حول طبيعة ما يحدث، وكيف تفاعل الأدب شعراً ونثراً مع هذا المشهد المأسوي.

فهل استطاعت الأعمال الأدبية الجديدة تشخيص المأساة السورية؟ وما التغيرات التي طرأت على معالم الكتابة الإبداعية في سوريا في هذه المرحلة؟ وأخيراً: هل يمكن أن نطلق مسمى "أدب الحرب" على ما أنتجه الأدباء والكتاب السوريون حول الحرب في بلادهم خلال الست سنوات الماضية؟ وفي محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات، توجهنا إلى عدد من المبدعين السوريين:

مازن أكثم سليمان: موضة و"قناع شعري"
الشاعر والناقد مازن أكثم سليمان يجيب عن سؤال القصيدة الجديدة في سوريا بالقول: "يبدو أن موضوعة الثورة والحرب قد باتت عند جيل كامل من الشعراء تشبه الموضة الشعرية، وهذا أمرٌ طبيعي لا اعتراض عليه من حيث المبدأ، غير أن المسألة أكثر تعقيداً مما نظن، ذلك أن تحول هذه الموضوعة عند كثير من الشعراء إلى ما يشبه (القناع الشعري) قد غيب عدداً من القضايا المسكوت عنها، أو ربما غير المُفكر فيها على أقل تقدير، وليس من المبالغة القول إن عدداً من شعراء لحظتنا الراهنة قد وجدوا في موضوعة الحرب طوق نجاة يرأبون به -كما يعتقدون- صدوعَ ضعف ذخيرتهم المعرفية والنظرية، ويعوضون عن غياب مشاريعهم ذات الخصوصية والتفرد، ولا سيما أن بعضاً من هؤلاء لم يكونوا أصلاً قد خرجوا قبل الثورة من عباءات الآباء الشعريين".

إن "مفهوم (الالتزام الشعري) لا يعني بتاتاً تقديم خطاب (محاكاتي) مباشر في القصيدة"، يقول الشاعر سليمان ويضيف: "فهذا وعيٌ تبسيطي ينفي حتماً شعريتها، وقد قيل قديماً إن أعذب الشعر أكذبه، لذلك لابد من الإشارة إلى أن نسبة لا يستهان بها مما يُكتب الآن تحت عنوان شعر الثّورة والحرب يغلب عليه من حيث المبدأ الجانب التسجيلي الانطباعي، الذي يبقى إلى حد بعيد حبيس درجة الصفر في الكتابة، أو أسير خطاب التعبئة الخطابية القاصر فنياً، حيث يتحول المعجم الحربي عند شعراء كثيرين إلى عدة قصدية مُسَبَّقة، ومجموعة منتقاة من الآليات التقنية التكرارية التي يُحضر بها هؤلاء الشعراء الحرب وصفياً من الخارج، فضلاً عن عجز نسبة لا بأس بها من القصائد عن تحقيق الانتقال المجدي من التجرِبة الذاتية الخاصة إلى التجرِبة الإنسانية العامة. صحيحٌ أن الثَّورات والحروب تجارِب عالمية مشتركة، لكن ما الذي تضيفه قصيدة لا تخرج عن محاكاة السطح الخارجي للحدث، دونما أن تتمكن من تحويل مادة الحرب الأولية بوصفها إقامة في الحضور إلى فائض معنىً بوصفه اختراقاً للغياب؟!.
 
وهو الأمر الذي يتحقق بوصفه فهماً جديداً لمصطلح (الالتزام الشعري) بالتضافر الوجودي بين التجرِبة والتجريب عبر مكابدة عميقة بؤرتها جدلية الذات الشاعرة الوقائعية والذات الشعرية الافتراضية، وهدفها بلوغ الخصوصية الجمالية نصياً، إذ من المفترض نظرياً وفعلياً أن يتولد الحيز الفني وأن ينمو داخل النص، لا أن يكون سجيناً لما هو مُسبَّق في العالم الوقائعي، ذلك أن القاعدة النقدية الشهيرة تقول إنه ليس المهم موضوع القصيدة، إنما الكيفية الوجودية التخييلية التي ينبسط بها هذا الموضوع في عالم القصيدة التخارجي، والذي ينبغي له أن يفتتح أفقاً جديداً يدعوه غادامير الزيادة في الوجود، ويدعوه ريكور شيء النص غير المحدود".

وبرأي الشاعر سليمان، فإن "مسألةَ ولادة حساسية شعرية جديدة في شعر الثورة والحرب في سورية مسألة مفهومية مركبة كما أظن، فإذا كانت هذه الحقبة تشير إلى انبثاق واضح وملموس لظاهرة شعرية عريضة ذات تيارات ومرجعيات متعددة، وإذا كان لا مناص من الكلام بالمعنى التاريخي عن جيلٍ شعري يوصف بأنه جيل الثورة والحرب، فإن مسألة التحقيب الفني، وتعيين الإضافات النوعية التراكمية أو المؤسسة على قطيعة ما، ما تزال بحاجة إلى مزيد من الجهود النقدية النصية الأصيلة، ولا سيما في ظل الكم الهائل الذي يضخ من الشعر ويصعب حصره، ففي سوريا توجد فضلاً عن الجيوش المتصارعة جيوشٌ من الشعراء، والشاعر الواحد نفسه قد تصنف نصوصه ضمن أكثر من اتجاه أو تيار، ناهيكم عن أن القضية في أحد أبعادها هي قضية وثيقة الصلة بنظرية النقد والتلقي الأصيل".

ويختم الشاعر والناقد سليمان، بتأكيده أن "أي حديث عميق عن ولادة شعر مغاير ينبغي أن يلتفت إلى عاملين موضوعيين لا يمكن إغفالهما: أولهما عامل زماني يتعلق بحاجة الشعر إلى "مسافة زمنية" تبعده عن الانفعالية المباشرة بالحدث كي يستطيع تمثله فنياً، ولا تعني المسافة الزمنية هنا مرور وقت طويل بالضرورة، وإنما تعني أيضاً قدرة الشعراء الخلاقة على توليد مثل هذه المسافة تأويلياً وهم ضمن الحدث نفسه، وهذا ما يتطلب نمطاً من الدربة الاستثنائية النادرة التي تؤصل مفهوم الالتزام الشعري الجديد الذي اقترحته شخصياً في غير مادة منذ عام 2015. العامل الثاني يتعلق بالجانب المكاني، ذلك أن نسبة كبيرة من الشعراء السوريِين قد انتشروا خلال السنوات الأخيرة في أصقاع العالم، وباتوا يقاربون الحدث السوري من بعد، فضلاً عن اختراق تجرِبة الغربة والبيئات الجديدة لعوالم قصائدهم، وهذا ما يفتح الباب واسعاً أمام بحثٍ مطول عن التحولات الهُوياتية في أشعارهم".