الثلاثاء 22 أغسطس 2017 / 14:45

24 ينشر كتاب "إشكاليات السياسة القطرية".. أزمة العلاقات الإماراتية القطرية (الحلقة الثالثة)

يواصل موقع 24 نشر فصول كتاب" إشكاليات السياسة القطرية.. نهاية مرحلة من العبث القطري بأمن الخليج"، والصادر أخيراً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث، وشارك في تأليفه عدد من الباحثين والمحللين العرب.

 في هذه الحلقة ينشر موقع 24 إحدى الدراسات المهمة التي تضمنها الكتاب، والتي كتبها الباحث الدكتور محمد خالد الشاكر.

أزمة العلاقات الإماراتية القطرية:
الخيارات الآمنة للقوة الناعمة، في مواجهة الاندفاع الصلب العابر للإقليم

يمكن إرجاع أسباب الاختلاف البنيوي بين السياستين الإماراتية والقطرية، الذي أفرز أزمة العلاقات البينية بين البلدين سنة 2014، ثم في سنة 2017 إلى الاختلاف بين الرؤية القطرية في التعاطي مع الثورات العربية، والثوابت الإماراتية في التعاطي مع مفهوم الأمن القومي العربي، قبل أن يزداد الشرخ في علاقات البلدين، بسبب السلوك السياسي القطري، الذي اعتبرته الإمارات العربية المتحدة تهديداً حاصلاً لأمن الخليج العربي، أو بالأدق بسبب القفز القطري فوق فكرة الأمن القومي العربي والخليجي، ليتعداه إلى التنسيق مع الأدوار الإقليمية، في إطار لعبة من التشبيك العابر للإقليم ككل.

تعود أزمة العلاقات الإماراتية - القطرية في جذورها، إلى الدور القطري في مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي تمخض عنه مؤتمر الدوحة للتطبيع الاقتصادي، وافتتاح مكتب المصالح المشتركة القطرية - الإسرائيلية سنة 1996، إذ شكل هذا التاريخ بداية التحولات الحادة في السياسة القطرية، عقب انقلاب حمد بن خليفة آل ثاني على أبيه (1995).

بالمقابل، فالمتتبع لمحددات السياسة الخارجية الإماراتية، يلاحظ مدى اعتماد هذه السياسة على فكرة الخيارات الآمنة، التي انتهجتها في جميع علاقاتها الخارجية، بدءاً من التعامل مع إيران، وانتهاءً بالثورات العربية، التي وضعت السياسة الإماراتية، في صراع محموم داخل تركيبة النظام الدولي والإقليمي.

منذ ولادة الدولة الإماراتية المعاصرة، وضعت على عاتقها، سياسة البحث عن مصادر جديدة للقوة، وأخرى بديلة عن النفط، فلم تتوقف السياسة الإماراتية عند حدود التعامل مع القوى التقليدية، التي ميزت الخليج العربي، وذلك بترشيد مصادر هذه القوة، بالاعتماد على التنمية الاقتصادية المستدامة، التي أهلتها - في مراحل لاحقة من عمر الدولة الإماراتية - لنيل قصب السبق، في العديد من المجالات، على مستوى الوحدات الدولية المكونة للنظام الدولي والإقليمي، الذي تحسس في مراحل متأخرة أهمية القوة الناعمة، وإيلاء الأهمية للتنافس الاقتصادي وعمليات التنمية، قبل أن تصبح هذه العقيدة ديدناً للنظام الدولي في العقد الأخير من الزمن.

وضعت هذه الفكرة، دولة الإمارات العربية المتحدة في مقدمة الدول الآمنة سياسياً واقتصادياً، سواء على الصعيد الإقليمي أو العربي أو الخليجي، لاسيما مع تداعيات الثورات العربية، التي أظهرت الاختلاف والتباين بين سياسات الاندفاع القطري وتحولاته الحادة، وبين التركيز الإماراتي على الانطلاق من ثوابت تاريخية للسياسة الإماراتية، تقوم على الانطلاق من محددات تعود في جذورها إلى أفكار المؤسس الأول الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أسس لفكرة التنمية، بالتوازي مع مبدأي الواقعية السياسية والتوازن، والتركيز على مسألة الوحدة الوطنية فالخليجية فالعربية، كحامل أساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

أولاً- ثوابت السياسة الخارجية الإماراتية، والتغيرات الحادة في السياسة القطرية:
منذ التحول الأبرز في تاريخ العلاقات الإماراتية - القطرية، الذي بدأت ملامحه تلوح منذ انقلاب الشيخ حمد بن خليفة على أبيه عام 1995، واختيار الأخير دولة الإمارات العربية المتحدة، مكاناً لإقامته، وهو ما اعتبرته الإمارات تقليداً من تقاليد الضيافة العربية، لا تجد فيه أية دلالات سياسية، في الوقت الذي اعتبر الابن (حمد بن خليفة) ذلك، استقبالاً بدلالات سياسية، مؤداها دعم الإمارات العربية المتحدة لأبيه في العودة من جديد إلى سدة الإمارة.

لذلك، ظلت النخب السياسية القطرية التي قامت بالانقلاب تنظر بعين الريبة والتوجس إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، لاسيما بعد الموقف السعودي الذي اعتبر انقلاب حمد على أبيه، انقلاباً على التقاليد العربية، لم تعهدها سلوكيات البيت الخليجي.

ونرى أن هذا الملف الخلافي، شكل الأساس في تغيّر طبيعة العلاقات القطرية، ليس على الصعيد الإماراتي وحسب، إنما على صعيد الدول الخليجية ككل، التي اختارت في القمة الخليجية 1996، مرشح السعودية أميناً عاماً للمجلس بدلاً من مرشح قطر.

أفرز ذلك بعداً سيكولوجياً لدى النخب القطرية، التي كانت تدرك حجم قطر في البيت الخليجي، لاسيما عندما يتعلق الأمر بمواقف الدولتين الأقوى في الخليج العربي تجاهها (الإمارات والسعودية)، وهو ما حدا بها للتغريد خارج البيت الخليجي والعربي، والبحث عن أدوار جديدة، تؤهلها لإيجاد أي دور سياسي خارج محيطها.

لذلك، تبنت قطر وبجرأة الطرح الإسرائيلي في مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي يقوم على نوع من الشراكة والتطبيع الاقتصادي مع إسرائيل، كفكرة أسس لها رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز في كتابه "شرق أوسط جديد"، التي انتهت بافتتاح مكتب المصالح القطرية الإسرائيلية في الدوحة 1996.

بالمقابل، ظلت السياسة الخارجية الإماراتية، تنطلق من محددات وضعها الدستور الإماراتي، التي تقوم على فكرة لا ترى في أمن الخليج العربي إلا جزءاً من الأمن القومي العربي، كوحدة جيوبولتيكية لا تنفصل عن بعضها، بينما استمرت قطر في تصوراتها الخاصة، التي شكلت مدخلاً لنخبها السياسية، للعب أدوار أبعد من فكرة المفهوم التقليدي لمحددات الأمن القومي العربي والخليجي، منطلقة في ذلك من حالة الضعف العربي والخليجي في مواجهة القوى الإقليمية والدولية. ولعل ما يؤكد فرضيتنا هذه، التصريح الشهير الذي تبنته قطر منذ سنة 1997، في مؤتمر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي أعلنت فيه على الملأ "أن العرب ضعفاء، وينبغي عليهم أن يتوسلوا إسرائيل".

منذ استقلالها عام 1971، حافظت قطر على قدر كبير من الودية مع أشقائها الإماراتيين، فبالرغم من الخلافات البسيطة، التي لم ترقَ إلى مستوى تهديد أمن الخليج العربي، ظلت قطر تؤكد على عمق علاقاتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة، كما لم تألُ جهداً – بين الحين والآخر- في تحسين علاقتها مع جيرانها الخليجيين، محاولة في ذلك الاستفادة منها، بما يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية.

1- محددات السياسة الإماراتية في علاقاتها مع البيت الخليجي:
تنضوي محددات السياسة الخارجية الإماراتية، في علاقاتها مع غيرها من الدول، في إطار محددات الأمن القومي العربي، إذ تشكل الثقافة العربية الإسلامية، المحور الذي تدور في فلكه الثقافة المجتمعية لدولة الإمارات العربية المتحدة، فقد نصت المادة السادسة من الدستور أن "الاتحاد جزء من الوطن العربي الكبير، تربطه به روابط الدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك، وشعب الاتحاد شعب واحد، وهو جزء من الأمة العربية، كما نصت المادة السابعة من الدستور ذاته، أن "الإسلام هو الدين الرسمي للاتحاد، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيه، ولغة الاتحاد الرسمية هي اللغة العربية." (1)

يقوم النظام السياسي والاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة، على مكونين أساسيين هما العروبة والإسلام؛ إذ تشكل العروبة بعداً سياسياً وثقافياً يتصل اتصالاً بنيوياً وموضوعياً بالأمن القومي العربي، كما يشكل الدين الإسلامي ببعده الإنساني هدياً حضارياً، في بناء الدولة الحديثة وتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال سياسة الدولة التي تأخذ بأسباب المعاصرة، والنمو، والانفتاح، والتعاون، والاعتراف المتبادل بين مكونات المجتمع الإماراتي من جهة، والعلاقة مع الوحدات السياسية في المجتمع الدولي من جهة أخرى.

وعلى هذا الأساس، تتحدد العلاقات الإماراتية مع بيتها الخليجي، أو العربي، أو الدولي، بالدستور الإماراتي، الذي اعتبر دولة الإمارات "جزءا من الوطن العربي الكبير"، لذلك لا تنظر دولة الإمارات العربية المتحدة إلى أمن الخليج العربي، إلا بكونه نظاماً فرعياً من النظام الإقليمي العربي، وهو ما وضع السياسة الإماراتية أمام تحديات الالتزام بثوابتها، في مواجهة التحولات الإقليمية، التي لم تكن بمعزل عن تفاعلات النظام الدولي.

2- الثورات العربية، والعلاقات الإماراتية القطرية:
وضعت التحولات الحادة للسياسة القطرية، ودورها في الثورات العربية، الأمن القومي الإماراتي أمام تحديات جسام، حمّلها مهاماً إضافية، بدءاً من إيجاد نوع من الاعتدال الذي يحقق بقاء وتماسك أمنها الوطني، وانتهاء بدورها المحوري، في إعادة تشكيل النظام الإقليمي العربي، حيث ظهر الدور الإماراتي في الحالة المصرية حاسماً، لاسيما عندما تعلق الأمر بمصر، الدولة المركزية الأقوى عربياً.

لقد وضعت الأحداث الراهنة سياسة الإمارات العربية المتحدة أمام استحقاقات جديدة، لاسيما بعد اندلاع الثورات العربية، التي أفرزتها حكومات استبدادية، لم تستطع أنْ تلائم أو توفق بين سياساتها الداخلية وحاجات مواطنيها، وبين سياساتها الخارجية، فكان ما كان من التغيرات، التي تركت الباب مفتوحاً للقوى الإقليمية والدولية، التي وجدت في هذه الثورات، الفرصة المواتية لتنفيذ استراتيجياتها، بالتنسيق مع السياسيات القطرية الجموحة، التي تجاوزت الأدوار العربية والخليجية، بما في ذلك الدور المركزي للمملكة العربية السعودية في الخليج العربي.

ثانياً- التوازن والواقعية في السياسة الخارجية الإماراتية:
تعود فكرتا التوازن والواقعية في السياسية الخارجية الإماراتية في جذورهما، إلى أفكار المؤسس الأول للدولة الاتحادية الإماراتية المعاصرة، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أسس إلى جانب هاتين الفكرتين، لفكرة القوى البديلة عن النفط، من خلال التنمية التي تبدأ باستثمار الموارد البشرية، كدعامة للتنمية الاقتصادية المنشودة، التي تتجاوز الاختلافات والصراعات بين أبناء البيت الواحد عربياً وخليجياً، بالتوازي مع واقعية سياسية تأخذ بدور وأهمية المنظمات الدولية في عصر الأمم المتحدة.

1- فكرة التوازن في السياسة الإماراتية:
شكلت فكرة الشيخ زايد في سياسة التوازن، كشفاً مستقبلياً، حال دون الإبقاء على الدولة الإماراتية كدولة مستهلكة، أو مجرد دولة نفطية، ونعتقد أن الإرث الذي تركه في هذا المجال، شكّل أحد أهم عوامل الاستقرار الداخلي، الذي نأى بالإمارات العربية المتحدة، عن الكثير من المشاكل التي عصفت بدول الخليج، بالرغم من التنوع السكاني الذي يشمل المقيمين، الأمر الذي ميّز الدولة الإماراتية عن غيرها من دول الخليج العربي، أو الدول العربية، التي من المفترض أن يشكل فيها العامل السكاني الموحد والمشترك، ضابطاً لأمنها القومي، وهو ما لم يحصل، بسبب عدم قدرة غالبية تلك الدول، على التوفيق والموازنة بين ما هو أيديولوجي، وما هو تنموي.

وعليه، شكلت الأسرة والعادات والتقاليد والموروث الثقافي، العامل الأساس في اتساق عمليتي التنمية والنمو، كعمليتين متوازيتين، مارستها الدولة الإماراتية منذ مراحل التأسيس الأولى، مما جعل من مسألة الحفاظ على الهوية بمكوناتها المختلفة، العامل الأهم في تأكيد ثقافة الانتماء كرابط روحي للحفاظ على القيم التي تضمنها الدستور الاتحادي، الذي يشكل الضابط الموضوعي للأمن الوطني والقومي على حد سواء.

2- فكرة الواقعية السياسية في السياسة الإماراتية:
انطلقت أفكار الشيخ المؤسس زايد بن سلطان آل نهيان، من مبدأ هام في العلاقات الدولية، يستند في الكثير من جوانبه إلى المدرسة الواقعية في التعامل مع الوحدات الدولية المكونة للمجتمع الدولي، وبطريقة حدد من خلالها قدرات وإمكانيات الدولة الإماراتية على الصعيد السياسي، قبل الشروع بتمكين موقعها من خلال القدرات الذاتية للمجتمع الإماراتي، التي تنطلق من تحقيق الاستقرار الداخلي للدولة الإماراتية، وذلك بمد جسور العلاقات الطيبة مع دول الجوار، كضابط من ضوابط استقرار المجتمع الإماراتي، الذي وضع نصب عينيه إيلاء الأهمية لعملية التنمية، تحقيقاً لنمو فعلي قادر على إيجاد مكانة اقتصادية، تمهد لموقع سياسي لدولة الإمارات في محيطها والعالم.

تعود فكرة الواقعية السياسية من خلال تمكين الداخل اقتصادياً، وتحقيق علاقات طيبة مع دول الجوار، كمقدمة للدور الدولي، إلى أفكار الرئيس الأمريكي ديلانو روزفلت (1882- 1945)، الذي يعود إليه تسيّد الولايات المتحدة الأمريكية للعالم بعد الحرب العالمية الثانية، حيث نأى روزفلت ببلاده عن الصراعات الدولية في ولايته الأولى 1933 - 1936، بسبب الأزمة الاقتصادية والكساد، الذي كان يعاني منه الداخل الأمريكي، لذلك اشتغل روزفلت على تمكين الداخل، كبداية لإيجاد موقع لبلاده على الصعيد الخارجي، والتوفيق بين موقع الولايات المتحدة في المجتمع الدولي وموازين القوى، ودورها في منظمة الأمم المتحدة، فقام – روزفلت - بمنح مساعدات للعاطلين عن العمل، ووضع خطة لتنمية الموارد الماليَّة للدولة، واستحدثَ العديد من النُّظم الاقتصاديَّة، التي أسَّستْ للدولة الأمريكيَّة الحديثة، من خلال برنامجه الشهير العهد الجديد New Deal، الذي تضمن وضع حد للأزمة المصرفية، وذلك بتأسيس إدارة للإغاثة الفيدراليَّة، واستصدر قانون الإصلاح الزراعي، وقوانين أخرى لتحقيق الاستقرار في اقتصاديَّات الزراعة، وأنشأ مؤسسات رعاية اجتماعية للمدنيين، كما أنشأ في العام 1934 لجنة تبادل الأوراق الماليَّة.

ما نريد استبيانه في هذه المقاربة، إظهار عمق الرؤية التي تحلى بها مؤسس الدولة الاتحادية الإماراتية، منذ منتصف ستينيات القرن المنصرم، حيث أرسى الشيخ المؤسس علاقات طيبة بين الدول الشقيقة في الخليج العربي، تقوم على التعاون والاحترام المتبادل.

منذ أن كان حاكماً لإمارة أبوظبي، أدت سياسات الشيخ المؤسس زايد بن سلطان آل نهيان، إلى إنهاء التوتر في العلاقات بين قطر وإمارة أبوظبي، التي كانت متوترة لسنوات طويلة، بالإضافة لدوره في تنقية العلاقات مع سلطنة عمان، معتمداً في ذلك على أسلوبه الشخصي في حل القضايا العالقة بين جيرانه، من خلال الدعوات الرسمية، والزيارات، واللقاءات الشخصية، التي نجح من خلالها في توقيع اتفاق "السميح"، في 27 فبراير من العام 1968 بين إمارتي أبوظبي ودبي، كنواة للاتحاد الفيدرالي الذي توج في الثاني من ديسمبر من العام 1971.

ومنذ ذلك التاريخ وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة على عاتقها أهمية التنسيق المشترك مع أشقائها العرب والخليجيين، وتجاوز الخلافات بين أبناء البيت الواحد، التي أصبحت أحد أهم محددات السياسة الخارجية الإماراتية، التي رسخها المغفور له الشيخ زايد، من خلال طريقته في الزيارات الشخصية والدعوات الرسمية، كعادة إسلامية وعربية أساسية لتبديد الخلافات، ومد جسور الصداقة والسلام، وإنهاء كل ما يؤدي للصراع أو العداء بين الأخوة والأشقاء، وتعزيز ذلك على الصعيد الدولي، فقد تضمن الدستور الإماراتي ما نصه "تقوم السياسة الخارجية للدولة على نصرة القضايا والمصالح العربية والإسلامية، وتوثيق أواصر الصداقة والتعاون مع جميع الدول والشعوب، على أساس ميثاق الأمم المتحدة والأخلاق الدولية المثلى".

ثالثاً- الإسلام السياسي والدولة الإماراتية: في تأصيل الموقف الإماراتي:
ساهمت الأحداث السياسية التي عصفت بالمجتمع العربي، في دعم الحركات الإسلامية في الوطن العربي، لاسيما مع فشل الأنظمة العلمانية العربية، التي تبلورت منذ هزيمة النظام الرسمي العربي في حرب 1967، تزامناً مع المشروع الناصري في الوحدة العربية، مما فتح الباب على مصراعيه لردة فعل قوية لعودة الإسلام السياسي، كبديل عن الاشتراكية العربية الوحدوية.

إلا أن الحدث الأهم، الذي نقل توجهات الإسلام السياسي من الإصلاح في الإطار الوطني، إلى فكرة "المشروع النهضوي الشامل"، كان مع مجيء الثورة الإيرانية 1979، ونجاحها، الذي شكل حالة إغراء للكثير من الشباب العربي لدعم الخيار الديني، الذي تأسس على جملة من العوامل التاريخية والثقافية، التي تزامنت مع دينامية تعبوية للمجتمع العربي، أفرزتها المشاكل والآفات الاجتماعية، التي تلاشت معها الطبقة الوسطى كضابط مجتمعي موضوعي.

1- العوامل التاريخية والثقافية:
شكلت ثورة الخميني 1979، تحولاً مفصلياً زج الإسلام في السياسات الدولية، وساعد في انتقال الإسلام في المجتمعات العربية من حركة إصلاحية داخلية، إلى مشروع نهضوي دولي شامل، الحال الذي شكل فرصة ثمينة للأصولية على الصعيد الوطني، وظرفاً عالمياً جديداً للتعاطي مع الإسلام كظاهرة سياسية لا كدين سماوي.

مع نهاية الحرب الباردة، والقضاء على الخطر الشيوعي، الذي تزامن مع تداعيات حرب الخليج الثانية 1990، التي مهدت لاحتلال بغداد 2003، أصبحت الحركات الإسلامية، تتصدر مشهد المقاومة ضد ما سمي بـ "النظام العالمي الجديد"، الأمر الذي وضع هذه الحركات في مواجهة المشهد السياسي الدولي.

لقد أدت الممارسات التي أورثتها النظم الاستبدادية في الوطن العربي، إلى إفراز قطيعة بين الشارع العربي، والنخب الثقافية، حالت دون قدرة الأخيرة في أن تشكل مرجعية جماهيرية، لذلك وجد الشارع العربي، في رجل الدين – كيفما اتفق- المرجعية الأولى والأخيرة له، بالرغم من أن الدين الإسلامي ذاته، لم يعط رجل الدين الإسلامي أية مرجعية، عندما حصر علاقة العبد بالمعبود وحده.

لم تعد الحركات الإسلامية منذ أواخر الثمانينات وبداية التسعينات إفرازاً لممارسات النظم الاستبدادية، التي ولدت آفات من البطالة، والفقر، والجهل، والأزمات الاقتصادية، بقدر ما أصبحت رهاناً دولياً، في مواجهة "مشروع النهضة الإسلامية الكبرى". ولعل ما يؤكد هذه الفرضية، هو انتشار وتواجد هذه الحركات لدى بلدان الخليج العربي، الغنية بنفطها والأكثر دخلاً لأفرادها.

وعلى أساس ذلك، أعادت الحركات الدينية، باتكائها على فكرة شخصانية رجل الدين، ربط المجتمع العربي بحالة جديدة من الاستبداد، الذي ظهر في أحزاب وتنظيمات إسلامية، تتصارع هي الأخرى فيما بينها، لجهة المرجعية الدينية وتفسير مبادئ الدين.

لذلك لم يقتصر الصراع في المجتمعات العربية بين الحركات الإسلامية والعلمانيين والليبراليين والماركسيين والقوميين وحسب، بل بين الحركات الإسلامية ذاتها، مما جعل من عقيدة الصراع، السمة الغالبة على الممارسات السياسية في الوطن العربي.

2- الدينامية التعبوية وحركات الإسلام السياسي: العوامل الذاتية والاقتصادية:
بدأت حركات الإسلام السياسي في الوطن العربي تأخذ صبغة الاحتجاج الديني، الذي تولّد بسبب غياب الطبقة المتوسطة في المجتمعات العربية، التي يتشكل منها غالبية المثقفين، الذين يشكلون الضامن الأساس لاستقرار المجتمع، حيث اقتصر وجود الطبقة الوسطى على عدد قليل من التجار الأقل ارتباطاً بالسلطة، الذين يعانون بدورهم من هيمنة كبار النخب الاقتصادية من أصحاب رؤوس الأموال، ومن وراءهم من الشخصيات السياسية النافذة، حيث يتبدى التزاوج الخبيث بين المال والسلطة، متمثلاً بالفساد، الذي انعكس على التجار متوسطي الثراء، وترك السواد الأعظم من الطبقات الفقيرة، ضحايا العديد من الآفات الاجتماعية، التي أسست في مراحل لاحقة لمجتمع المخاطر، الذي يهدد بالانفجار في أية لحظة.

لم تتورع هذه الطبقة من التجار أو الاقتصاديين متوسطي الثراء - كلما سنحت لها الفرصة – عن النيل من النخب السياسية والاقتصادية، وهذا ما يفسر بروز الدعم المالي من التجار والاقتصاديين الأقل ثراء، لأية حركة احتجاجية ضد الدولة، أو النشاطات التي تظهر في مواجهتها.

لذلك، شهدت المجتمعات العربية، تقارباً بمدلولات اقتصادية وسياسية بين الطبقات الفقيرة والحركات الإسلامية، التي كانت تخسر في كل مرة رهان الوصول إلى السلطة، وهو ما أدركته طبقة التجار والاقتصاديين الأقل ثراءً وارتباطاً مع السلطة، فانكفأت على نفسها، وغيّرت من مواقفها، تأميناً لمبدأ السلامة، تاركةً طبقة مهمشة لا يستهان بها داخل المجتمع العربي، لا تمتلك أي رصيد يربطها بالسلطة، بل على العكس فقد أصبحت طبقة منبوذة، وعلى مرأى من عين الرقيب الأمني الاستبدادي.

وعلى هذا الأساس، انقسم المجتمع العربي إلى ثلاث فئات، الأولى: وتتمثل في النخب الاقتصادية والسياسية الحاكمة، والثانية طبقة الاقتصاديين متوسطي الثراء، الذين ظلوا يمارسون نشاطاتهم الاقتصادية مبتعدين عن السياسة، والثالثة طبقة منبوذة تشكل الغالبية السكانية في المجتمعات العربية، وقد تهيأ للبعض من هذه الطبقة، فرصة الهجرة إلى بلدان عربية أخرى، لاسيما بلدان الخليج العربي، ومنها من بقي يواجه الاضطهاد والاستبداد والفقر والبطالة، التي أفرزت أجيالاً من المهمشين والمسحوقين، الذين يحلمون بلحظة الانقضاض على جميع مكونات المجتمع، الذي سلب منهم الكرامة والرغيف والحرية، في غياب واضح للدولة المؤسساتية، التي أفرزت طبقات لا يستهان بها من الجهل، والأمية، والمرض، والعزلة، والسكن العشوائي، كآفات تولدت منها طبقة "الرعاع"، المطرودين من النظام الاجتماعي والسياسي، والذين لا يتورعون في اقتناص اللحظة التي تمكنهم من استعمال العنف، كأداة وحيدة للتعبير عن مكنوناتهم.

وهو ما يفسر تسخير هؤلاء في الحركات الإسلامية المتطرفة، لاسيما في المراحل المتأخرة من عمر الثورات العربية، حيث شكلت تلك الحركات فرصة للتجاذبات السياسية وتقاسم النفوذ، بين الدول الإقليمية والدولية، التي وجدت سهولة في اختراق هذه الحركات وتوجيهها، من خلال تجنيد العديد من الرعاع، الذين عانوا من التهميش والإقصاء والبطالة، الأمر الذي حال دون استمرار هذه الثورات في سياقها القادر على التخلص من الاستبداد، وإحداث عملية التغيير الفعلي، الذي انقلب إلى دمارٍ وفوضى.

3- الخليج العربي والإسلام السياسي: فكرة المشروع الإسلامي الشامل:
إذا كانت العوامل الذاتية والاقتصادية والسياسية في الدول العلمانية العربية، وراء بروز حركات الإسلام السياسي المتطرف، فالحال يختلف في دول الخليج العربي، التي وإن تجاوزت مسألة العوامل الاقتصادية، إلا أنها تأثرت بشكل كبير بفكرة المشروع الإسلامي الشامل، منذ انتصار الثورة الإيرانية 1979، التي روجت لهذه الفكرة وتبنتها، من خلال نظرة أحادية الجانب تؤمن بنظرية الولي الفقيه، ونشر المذهب الشيعي الاثني عشري، بدءاً من دول الخليج العربي، التي شهدت العديد من الأحزاب السياسية الشيعية، التي انتقلت من الإصلاح إلى المطالبة بالحكم، واستعمال العنف، الذي أفرز ردة فعل داخل المجتمع الخليجي السني، تمثلت بالأصولية الدينية، التي أصبحت هي الأخرى تهديداً جديداً لبنية المجتمع الخليجي، الذي لم يكن بمنأى عن تداعيات الثورات العربية، التي أصبح فيها الإسلام السياسي بجميع أشكاله وتفريخاته، يتصدر واجهة هذه الثورات.

تنازعت منطقة الخليج العربي مقاربتان في التعامل مع دور حركات الإسلام السياسي في الثورات العربية. المقاربة الأولى تبنتها قطر، وتقوم على التعامل المفتوح والدعم اللامحدود مع جميع أشكال حركات الإسلام السياسي واحتضانها، واستثمار نفوذها، تحقيقاً لأجندات وتصفيات وصفقات سياسية، بالرغم من الشكل العلماني للنظام القطري.

أما المقاربة الثانية فتظهر في الموقف الخليجي الموحد، الذي تتبناه الإمارات العربية المتحدة، ومعها باقي دول الخليج العربي، التي اعتبرت حركات الإسلام السياسي، بشقيه السني والشيعي، خطراً مستطيراً على أمن واستقرار المنطقة العربية، الذي ظهر في الموقف الإماراتي من جميع حركات الإسلام السياسي، لاسيما بعد المستجدات الطارئة لنشاطاتها، وعلاقاتها ومصادر تغذيتها من قبل إيران.. التهديد الأكبر للأمن القومي الإماراتي، والدور الذي تلعبه قطر في دعم هذه الحركات، بالتوازي مع توجهات السياسية الأمريكية في المنطقة، القائمة على إشراك التيارات الإسلامية في الحكم، وفقاً للسيناريوهات التي تتيحها الثورات العربية اليوم في عدد من الدول العربية.

من هذه النقطة بالذات، يتبدى التخوف الإماراتي من تحويل الخليج العربي إلى أداة سياسية للتوجهات الجديدة للاستراتيجية الأمريكية، التي أخذت على عاتقها وفي بداية الثورات العربية، تشجيع ودعم حركات الإسلام السياسي، في إطار التفاهم والتنسيق الأمريكي مع إيران، في مجمل قضايا المنطقة العربية، وهو ما يتعارض مع مسلمات الأمن القومي الإماراتي والعربي.

والأهم من ذلك، فقد تخوفت الإمارات العربية المتحدة، من أن تصبح الثورات العربية، تراجعاً لفكرة العمق العربي لأمن الخليج، الذي يشكل بعداً محورياً لأمنها القومي، لاسيما وأن الدعم القطري، ينطلق من عامل نفسي يتعلق بعقدة حجمها، في الخليج العربي والمنطقة. وهو ما يفسر الرد المباشر والحاسم للسياسة الخارجية الإماراتية في التعامل مع ملفي قطر، وحركات الإسلام السياسي، كملف واحد وبأهداف مشتركة.

من هذه النقطة، عملت السياسة الخارجية الإماراتية على تشكيل تحالف خليجي – عربي، لدعم الموقف المصري، ولم تكتف بموقفها المباشر الحاد والصريح في الداخل والخارج، لكنها دعت الدول الخليجية إلى تكوين اتحاد خليجي، لمواجهة خطر الإسلام السياسي، الذي اعتبرته تهديداً حاصلاً على أمنها القومي(8). لاسيما وأن هذه الحركات لا ترى في إيران وتركيا مصدراً يهدد الأمن القومي العربي، إذ لم يصدر منها، أي تصريح رسمي يفيد بذلك.

رابعاً- في تأصيل الموقف الإماراتي من قطر:
للسياسات الاقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة نتاجات عدة منها ظاهرة استقبال العمالة الوافدة، والتي سهلت وصول العديد من الفارين من حالات الصراع بين الحركات الإسلامية والأنظمة الاستبدادية في الوطن العربي، وقد استقبلت الإمارات العربية المتحدة الكثير من هؤلاء في فترة زمنية لم يكن قد تبلور فيها المشروع الإسلامي ببعده الأيديولوجي كمشروع شامل، وقد ساعدت طبيعة التركيبة المجتمعية في الإمارات العربية المتحدة، على تقليص الأبعاد السياسية لظاهرة الإسلام السياسي، بشقيه السني والشيعي، قياساً بغيرها من دول الخليج، بسبب سياسات الإدماج الوطني، التي انتهجتها الدولة الإماراتية، قبل أن تتحول مسألة الإسلام السياسي، إلى عملية ضغط سياسي دولي وإقليمي.

1- سياسة الإدماج الوطني الإماراتي، وتجلياته في العلاقة مع قطر:
نجحت الإمارات العربية المتحدة في عملية الإدماج الوطني لجميع مكونات التركيبة المجتمعية، وبسبب وجود حالة من الرضى، نتيجة سياسة العدالة الاجتماعية، التي استفاد منها المواطن والمجنس والوافد على حد سواء، في مجتمع يقوم على الحرية والانفتاح الاقتصادي، الذي يستلزم تقليص دور الدولة في مراقبة النشاطات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، مما أفسح المجال للبعض من حركات الإسلام السياسي التي ارتبطت بتنظيماتها الموجودة في الخارج، في أن تشكل قوة ضاغطة، رأت فيها الدولة الإماراتية تهديداً لسياساتها الخارجية، ومحددات أمنها الوطني.

شكلت عملية الإدماج الوطني عاملاً وطنياً إيجابياً في دولة الإمارات، إلا أن المتغيرات السياسية الطارئة في مراحل ما بعد الثورات العربية، التي أعادت حركات الإسلام السياسي إلى الواجهة، وبطريقة فرّخت معها أجيالاً جديدة من التطرف والتكفير وإقصاء الآخر، بالاتساق مع الاختراقات الإقليمية والدولية، التي جعلت من المنطقة العربية ساحة لتصفية حساباتها، ومسرحاً لها لتقاسم النفوذ والمصالح الذاتية.

وعلى أساس ذلك، أصبحت الكثير من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الحركات، واجهة للعديد من البؤر، التي تخفي وراءها ظواهر تتعارض والأسس الثقافية لدولة الإمارات، وتتعارض مع دستورها القائم على فكرة الثقافة العربية، والانتماء إلى الوطن العربي.

لذلك ظل الموقف الإماراتي ملتزماً في مرحلة من مراحل الثورات العربية، بفكرة الأمن القومي العربي والخليجي، الذي بدأت تهدده إفرازات هذه الثورات، لاسيما عندما نصبت قطر نفسها خارج البيت الخليجي لقيادة هذه الثورات، بالتنسيق مع قوى إقليمية، اتفقت فيها الرؤية القطرية مع الرؤية التركية والإيرانية، في دعم جميع أشكال حركات الإسلام السياسي، الذي دفع بها لتصدر المشهد في المنطقة العربية، التي أصبحت محكومة بمحورين، أحدهما سني تقوده تركيا، وثانيهما شيعي تقوده إيران، دون أن تتنازل القوتان الإقليميتان عن التنسيق والتعاون السياسي والاقتصادي، الذي شهد مرحلة ذهبية خلال ثورات الربيع العربي، في الوقت الذي ترزح فيه المنطقة العربية تحت وطأة الاقتتال والفوضى الداخلية، ومن هذه النقطة بالذات تبلور الاختلاف الإماراتي – القطري.

2- إشكالية التنسيق الإيراني القطري، والموقف الإماراتي:
يبقى الموقف الإماراتي أكثر خصوصية من غيره، في التعاطي مع الخطر الإيراني، فإيران تحتل أراضٍ عربية إماراتية، ما يجعلها في مقدمة تهديدات الأمن القومي الإماراتي، على الصعيد الخارجي.
وعلى الصعيد الداخلي، يبرز الدور الذي تلعبه إيران في التمدد بالخليج العربي من خلال التشيع، كنظرية سياسية اشتغلت عليها إيران في الخليج العربي، منذ وصول الخميني إلى السلطة سنة 1979، وهو ما تعتبره الإمارات تهديداً لأمنها الوطني، القائم على التلاحم الثقافي بين جميع مكونات المجتمع الإماراتي.

شكَّل الاندفاع القطري في قيادة الثورات العربية، نقطة تحول حادة في تعاطي السياسة القطرية مع محيطها، بدءاً من بيتها الخليجي، فهي – أي قطر- لم تتوقف عند خروجها عن مسألة التنسيق مع جيرانها الخليجيين، إنما تعدته إلى التنسيق مع إيران، التهديد الأبرز لدول الخليج العربي، ثقافياً وسياسياً.

بدأت إيران باللعب على وتر الاتجاه إلى قطر، كمدخل استراتيجي لها، في إحداث شرخ داخل البيت الخليجي، فتزايدت العلاقات الإيرانية - القطرية، التي بدأت منذ تنازل قطر لإيران في أوائل العام 2010 عن مساحات واسعة من حقل الغاز المشترك، بالإضافة إلى التبريرات التي يسوقها الإعلام القطري حول أحقية إيران في الجزر الإماراتية المحتلة، والدعم القطري اللامحدود لحلفاء إيران في لبنان واليمن، وانتهاءً بالزيارة التي قام بها وزير خارجية قطر إلى إيران في أواخر فبراير 2014، التي رأت فيها الأوساط الخليجية اتفاقاً على دعم حركات الإسلام السياسي المتطرف، بشقيه الشيعي والسني، في معادلة سياسية تترك الكثير من التساؤلات على صعيد سياسات البلدين (قطر وإيران).

لقد أظهرت العلاقات القطرية - الإيرانية مدى التناقض والتعاطي بازدواجية المعايير في إدارة الأزمات السياسية، بل وفي الأزمة الواحدة، ولعل ما يدلل على ذلك المواقف القطرية والإيرانية المتباينة من الثورات العربية، التي وصف بداياتها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية في خطبة الجمعة في 11 فبراير 2011 بأنها "تستلهم روح الثورة الإيرانية"، قبل أن تتحول إيران إلى مخفر أمامي ضد هذه الثورات، في البلدان التي تتحالف معها في سوريا والعراق.

وعليه، وقفت الإمارات العربية المتحدة إلى جانب البحرين والسعودية في الخامس من مارس 2014، وفي بيان مشترك، لوضع النقاط على الحروف في مواجهة طوفان السياسة القطرية، وأعلنت الدول الثلاث عن سحب سفرائها من الدوحة، كخطوة اعتبرتها الكاتبة إليزابيث ديكينسون، في مقالة نشرتها لها مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، بعنوان "كيف خسرت قطر الشرق الأوسط"، بداية لحدوث زلزال سياسي يعصف بقطر(10)، ويضع حداً للتداعيات التي بدأت تطال أمن الخليج العربي، من قبل دولة صغيرة لا تمتلك إلا غناها بالغاز.

تبلور الاختلاف الإماراتي القطري، مع بروز الدور القطري الإقليمي والدولي في الثورات العربية، فقد أدت السياسات القطرية الجموحة في التعاطي مع هذه الثورات، إلى تحويل هذه الثورات إلى صراع إقليمي ودولي، أصبح يهدد في تداعياته كامل المنطقة، وفي مقدمتها دول الخليج العربي، لاسيما مع تنامي الخلاف القطري – السعودي بشأن الحالة المصرية، التي دعمتها وساندتها دولة الإمارات العربية المتحدة، وتصدّر الإسلام السياسي الذي تدعمه قطر واجهة المشهد المصري، وهو الاختلاف الذي ظلّ مستمراً بسبب الدعم القطري أيضاً لحركات الإسلام السياسي المتطرف – دون غيرها- في الحالة السورية.

خامساً- الإمارات والسياسات القطرية: من التهديد الإيديولوجي إلى التهديد الاقتصادي:
بالإضافة لتجاهل قطر قضية الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى)، تجاوزت السياسة القطرية، في علاقتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة، محددات الأمن القومي العربي والخليجي، بالاتجاه نحو سياسات إقليمية مفتوحة على جميع الاحتمالات، تقوم تارة على التنسيق مع القوى الإقليمية خارج البيت الخليجي والعربي، وتارة أخرى على التشبيك العابر للإقليم ككل، من خلال سياسة جمع المتناقضات، التي وضعت السياسة الإماراتية أمام إشكالية الدور القطري، الذي لم يتوقف في علاقته مع القوى الإقليمية عند حدود التهديد الأيديولوجي وحسب، إنما تعداه إلى التهديد الاقتصادي كحامل أساس للأمن القومي الإماراتي.

1- التهديد الأيديولوجي: أزمة العلاقات البينية 2014:
جاءت ثورات الربيع العربي، فرصة مواتية للسياسة القطرية، لممارسة نفوذها السياسي على مستويات عربية وإقليمية جديدة، والدخول إلى الشأن العربي من أوسع أبوابه، لاسيما الدور الذي حاولت قطر أن تلعبه في مصر، بالاستفادة من حالة الفوضى والفراغ السياسي والقيادي، الذي لم تعهده مصر في تاريخها.

وعلى عكس التوجهات القطرية، كان الموقف الإماراتي، ينطلق من فكرة الخيار الآمن، لاسيما بعد أن كشفت الحالة السورية، خطورة التداعيات التي ساقتها الأحداث، في إدارة قطر للملف السوري.

لذلك حاولت الإمارات العربية المتحدة، دعم قوى الاعتدال، والحفاظ على الاستقرار، والإبقاء على ما يمكن الإبقاء عليه، في ظل هكذا ظروف صعبة واستثنائية تتطلب الحرص الشديد والتأني والحكمة، وليس الاندفاع غير مضمون العواقب.

وبالرغم من المد والجزر الإماراتي، في علاقتها مع قطر، إلا أن الأخيرة كانت تراهن بقوة على صعود حركات الإسلام السياسي، بكل تفريخاته وتجلياته، التي أفرزتها الثورات العربية، التي وجدت فيها قطر فرصة لا تتكرر للعب دور لها في المشهد العربي.

لذلك التقى موقف الإمارات العربية المتحدة، مع الموقف السعودي، الذي نظر إلى مجمل أحداث الثورات العربية، على أنها تحدٍ سياسي كبير، يشبه في تداعياته نسق التحديات التاريخية، التي جاءت بعد الثورة الإيرانية، التي واجهتها المملكة بالحيطة، والحذر، والتوجس، أدى ذلك إلى الدفع نحو خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الخليجية، عندما أقدمت الدول الخليجية الرئيسية – الإمارات والسعودية والبحرين- على سحب سفرائها من الدوحة، بسبب فشل قطر في الإيفاء بتعهداتها التي قطعتها على نفسها خلال اجتماع الرياض عام 2013، المتضمن تنفيذ الاتفاقية الأمنية الخليجية عام 2012، التي تنص على امتناع جميع الأعضاء عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الموقعة على الاتفاق، وعدم دعم الجماعات التي تهدد الاستقرار الإقليمي.

وبدا ذلك ممكناً، مع تنحي الشيخ حمد ووصول ابنه تميم إلى السلطة في 25 يونيو 2014، الذي زار المملكة العربية السعودية، وتعهد بالتركيز على الشؤون الداخلية، والابتعاد عن السياسات التي لا تتفق مع دول الجوار، إلا أن ذلك لم يحصل، وكأن شيئاً أقوى يدير دفة السياسة القطرية، التي واصلت – في الخفاء- دعم الجماعات الإسلامية المتشددة أينما حلت وارتحلت.

وعلى هذا الأساس، وفي خطوة لاستعادة زمام المبادرة في الخليج العربي، وبعد يومين فقط من قرار السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائهم من قطر، أعلنت المملكة العربية السعودية قراراً قضى بوضع حد لجميع الحركات الإسلامية، التي اعتبرتها المملكة منظمات إرهابية تهدد الأمن القومي للمملكة ونسيجها الثقافي والاجتماعي، إذ شمل القرار جماعة الإخوان والقاعدة وحزب الله السعودي، وتنظيم الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام، وجبهة النُصرة التي تعمل في سورية، وجماعة الحوثيين الشيعية في اليمن، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم القاعدة في اليمن، وتنظيم القاعدة في العراق. وشملت قائمة التنظيمات المحظورة "كل تنظيم مشابه لهذه التنظيمات فكراً أو قولاً أو فعلاً، وكافة الجماعات والتيارات الواردة بقوائم مجلس الأمن الدولي والهيئات الدولية، وعُرفت بالإرهاب وممارسة العنف."

ومما تضمنه البيان في قائمة المحظورات، "الاتصال أو التواصل مع أي من الجماعات أو التيارات أو الأفراد المعادين للمملكة، والولاء لدولة أجنبية أو الارتباط بها أو التواصل معها، بقصد الإساءة لوحدة واستقرار وأمن المملكة وشعبها، والسعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية."

وعلى هذا الأساس، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ أمن الخليج العربي، لا تميز بين تطرف سني وآخر شيعي، فأصبحت ظاهرتا التشيع والإسلام المتشدد، حالة سياسية واحدة، تهدد أمن الخليج العربي.

لقد وضعت الأحداث السياسية التي تعصف بالمنطقة العربية اليوم، السياسة الإماراتية أمام تداعيات هي الأولى من نوعها في تاريخ الخليج العربي، وهي المهمة التي احتاجت من دول الخليج إلى التنسيق مع مصر، الدولة الأكبر والأقوى عربياً، تأميناً لمعادل موضوعي قادر على إيجاد موطئ قدم بين قوى الصراع على الإقليم، لاسيما مع تصاعد دور إيران وتركيا، اللتين اشتغلتا على تأمين أمنهما القومي على حساب المنطقة العربية، وتحويلهما إلى منطقتي نفوذ، في حرب إقليمية باردة على شعوبهما، وساخنة حارقة لشعوب المنطقة العربية.

ظهر ذلك من خلال التنسيق بين الدولتين على الصعيدين السياسي والاقتصادي، منذ زيارة وزير الخارجية التركي لإيران بداية العام 2014، لتأكيد مسألة النأي بحالتي الاختلاف والتصادم في ملفات الثورات العربية، خارج حدودهما الإقليمية، في عالم أصبح محكوماً بالصراع الاقتصادي.

2- التهديد الاقتصادي والتنموي:
لم تر السياسة الإماراتية، في السلوك السياسي القطري، مجرد تهديد أيديولوجي أو سوسيو- ثقافي وحسب، بل وجدت فيه أيضاً تهديداً اقتصادياً، يطال أحد أهم مرتكزات أمنها القومي.

فعلى الرغم من الاتهامات الإيرانية لقطر بدعم الجماعات الإرهابية في دول الثورات العربية، إلا أن التنسيق الاقتصادي بين قطر وإيران، ظهر في أعلى مستوياته، إبان أزمة العلاقات بين قطر ومحيطها الخليجي.

وفي سياق من الرهانات الإيرانية على الخلافات القطرية مع بيتها الخليجي، ظهرت براغماتية السياسة الإيرانية، من خلال التنسيق والانفتاح السياسي والاقتصادي على قطر، منذ الزيارة التي قام بها وزير خارجية قطر إلى إيران في أواخر فبراير 2014، وانتهاءً بتوقيع الدوحة في 7 يوليو 2014، على اتفاقية إنشاء منطقة اقتصادية حرة مشتركة مع إيران، في حين اعتبرت الأخيرة أن تعزيز التعاون مع قطر، "سيلعب دوراً محورياً في تحقيق نمو مستدام بالسوق الإيرانية."

لقد جاءت اتفاقية إنشاء منطقة اقتصادية حرة مع إيران، في سياق العديد من الاستفزازات القطرية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بالتنسيق السياسي والاقتصادي مع دولة تحتل أراضيها، وفي سياق من الزيارات المسبقة والتنسيق السياسي الإيراني – القطري خلال العام ذاته، الذي شهد سحب الإمارات العربية المتحدة لسفيرها من قطر، لاسيما وأن اتفاقية التجارة الحرة بين قطر وإيران، جاءت تتويجاً للعديد من الفعاليات والنشاطات السياسية الاقتصادية المتبادلة، التي أوصلت التبادل التجاري بين إيران وقطر إلى أكثر من 114 مليون دولار، واستوردت الدوحة ما قيمته 6.96 مليون دولار من المنتجات غير النفطية من طهران.

شكلت العلاقات القطرية مع إيران، فرصة إيرانية لتحقيق معادلة مزدوجة المنافع على الصعيدين السياسي والاقتصادي، سواء لجهة تقليص الدور السياسي للتحالف الخليجي الثلاثي الإماراتي – السعودي- البحريني، في محيطهم الإقليمي، أو لجهة – وهو الأهم- الضغط على الدور المركزي الاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة في محيطها الإقليمي والخليجي أيضاً.

وعليه يأتي السلوك السياسي القطري، في إطار يخدم السياسة الإيرانية ومخططاتها لتفتيت المنظومة الخليجية، وبخاصة أن مؤشرات عديدة في هذا الاتجاه ظهرت على لسان العديد من المسؤولين والمفكرين الاستراتيجيين الإيرانيين، الذين افترضوا توقعات بناء على المسار المنتظم والمتصاعد للعلاقات الإيرانية القطرية، مما دفع خبراء إيرانيين منذ بداية العام 2014 إلى التكهن المسبق بـ "ميل قطر وتوجهها إلى إيران في المستقبل، وربما خروجها من مجلس التعاون لدول الخليج العربي."

من هذه النقطة بالذات، يبرز التحدي الأكبر للسياسة الخارجية الإماراتية، في مواجهة تداعيات هكذا فرضية على عموم الخليج العربي، لاسيما وأن ممارسات النخب السياسية القطرية، في هذا الخصوص، لا تتفق وثقافة الشعب القطري، الذي تربطه مع دولة الإمارات علاقات اقتصادية واجتماعية، لا يمكن للممارسات السياسية تطويعها.

لذلك، أولت إيران في علاقتها مع قطر، أهمية كبيرة للعلاقات الاقتصادية، التي باتت ناظماً فعلياً لسير العلاقات السياسية، بما يتناسب وبنية النظام الدولي، القائم على التنافس والتواطؤ الاقتصادي، في رسم خارطة التجاذبات السياسية، غير متناسين خطورة هذه العلاقات وتغلغلها في التركيبة المجتمعية القطرية.

بالمقابل، تعتقد قطر في توجهها نحو إيران، أنها ستوجه ضربة للدور الاقتصادي الإماراتي، والدور السياسي المركزي للمملكة العربية السعودية في إقليمها، لاسيما وأن البلدين (الإمارات والسعودية) نجحتا في سحب البساط من تحت قطر، في العديد من الملفات الإقليمية، وهو ما تأكد من خلال الرهانات الإماراتية السعودية على الحالة المصرية، التي انتهت لصالحهما.

لذلك وجدت قطر في اتفاقية إنشاء منطقة اقتصادية حرة مشتركة مع إيران، فرصة للتأثير على ماهية السياسة الإماراتية، التي تقوم على فكرة القوة الناعمة، من خلال الاقتصاد والتنمية، كقوة اقتصادية وتنموية في محيطها، لاسيما وأن الإمارات أثبتت قدرتها كشريك سياسي واقتصادي داعم في الحالة المصرية.

أما إيران، فإنها تعوّل على علاقاتها السياسية والاقتصادية مع قطر، لإخراج الأخيرة – ومن سيتبعها مستقبلاً – من البيت الخليجي، كمقدمة لاحتواء كامل الخليج العربي.

ففي دراسة نشرها المركز الإيراني لدراسات السلام (مركز بين المللي مطالعات صلح) في 28/2/ 2014، يقول الباحث الاستراتيجي الإيراني حسن هاني زاده: "يبدو أن قطر ستتجه نحو الجمهورية الإسلامية، ومن الممكن أن تخرج من مجلس تعاون الخليج (الفارسي)." وهو ما ترى فيه إيران مدخلاً لاحتواء كامل الخليج العربي، ولعل استخدام عبارة "مجلس تعاون الخليج الفارسي"، أمضى دليل على ذلك.

وبين هذا وذاك، مازالت السياسة القطرية تبحث عن أي دور يعيدها إلى واجهة المشهد السياسي، وذلك في أن تضع لنفسها موطئ قدم، في أي من الملفات العربية أو الإقليمية، لاستعادة ما خسرته في سياساتها في الثورات العربية، التي اندفعت إليها من خلال فكرة زعامة "البيت العربي"، وتهديد الدور المركزي للمملكة العربية السعودية، التي اشتغلت على كبح الرغبة الجموحة لقطر في إدارة الثورات العربية على طريقتها.

لقد استطاعت قطر، مع بداية اندلاع الثورات العربية أن توظف موجة هذه الثورات بما يتفق والتصورات الخاصة لنخبها السياسية، فأصبحت القائد، والرائد، والممول، والراعي الرسمي لها، فكانت مع الحدث أينما كان، متجاوزة في ذلك جميع الأدوار العربية، فتحولت الدوحة إلى عاصمة سياسية خليجية وإقليمية جديدة، قافزة في ذلك على مفهوم أمنها القومي العربي والخليجي القائم على التلاحم الجغرافي، ومواجهة التهديدات المشتركة.

وعلى هذا الأساس، يأتي الانفتاح القطري على إيران، محاولة جديدة للعب أي دور سياسي، يمكنها من تصفية حساباتها مع البيت الخليجي، الذي لم يعد – حسب تصورات النخب الحاكمة في قطر- بيتها الآمن، وهو ما دفعها للتنسيق مع إيران، الدولة التي تحتل جزراً عربية إماراتية، وتعد الخطر الداهم الأهم على أمن الخليج العربي.

لقد أدى الاندفاع القطري لاستغلال الثورات العربية خارج التنسيق السعودي، إلى الارتباك الملحوظ في السياسة القطرية، منذ إيغالها في دعم الثورات العربية بطريقة "ميكيافيلية"، حاولت من خلالها الاستئثار بما اعتقدت أنه مقدمة لزعامتها العربية والإقليمية.

تحولت الثورات العربية إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية بين قطر ومحيطها الخليجي والإقليمي، قبل أن تتلقفها القوى الفاعلة في إطار موازين القوى الإقليمية، التي أصبحت تراهن اليوم، على الصدع القطري داخل البيت الخليجي، في إطار ما أسمته إيران "بداية الحرب السياسية الواضحة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي".

لقد خسر الرهان القطري على الثورات العربية، التي وإن تمكنت خلالها من تسيّد المشهد إعلامياً وشكلياً لفترة من الزمن، إلا أنها استنفذت خلاله ما بوسعها من دعم مالي لا محدود، في تجاهل واضح لأهمية البعد الجيو – سياسي، المتمثل في محيطها الجغرافي، واتجاهها للقوتين الإقليميتين إيران وتركيا، إذ لا يمكن لأية سياسة خارجية، أن تحقق مبتغاها دون إعطاء الأولوية للبعدين الجغرافي والثقافي؛ وهو مالم تدركه السياسة القطرية بعد.

خاتمة
مما تقدم، يمكن استشراف مستقبل العلاقات القطرية الإماراتية، من خلال تتبع السلوك السياسي لكلا البلدين، وفي إطار من العلاقات الناظمة للوحدات الدولية المكونة للنظام الدولي والإقليمي، في تعاملها مع المنطقة العربية، كوحدة جيوبوليتكية. فبالرغم من التحولات الحادة للسلوك السياسي القطري، وباستثناء ما يسوقه الإعلام القطري – بين الحين والآخر- من اتهامات للدولة الإماراتية، ظلت قطر تبيت سياسة العودة إلى بيتها الآمن، لاسيما وأنها لم تبادر بعد، بمبدأ المعاملة بالمثل في قضية سحب السفراء، الأمر الذي يجعل النظر إلى العلاقة مع قطر من زاوية العمل على احتوائها والتواصل معها.

فقطر تيقن أنها (بنت) الخليج العربي، بيتها الآمن الأول والأخير، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالثقافة الجماهيرية، التي تعتبر في علم التحليل السياسي الحديث، أقوى على البقاء والاستمرار من أية سياسة خارجية. فالعلاقات القديمة ووشائج القربى، والعادات والتقاليد المشتركة بين البلدين، بالإضافة إلى التداخلات الاقتصادية بين رجال الأعمال القطريين وشركائهم في دولة الإمارات العربية المتحدة، وما يتركه ذلك من مصالح شعبية مشتركة بين البلدين، إذ تشير التقارير إلى أن المستثمرين القطريين في سوق العقارات الإماراتي، يتصدرون قائمة الاستثمار في ذلك القطاع.

وإذا كانت الإمارات العربية المتحدة، قد استطاعت في موقفها المشترك مع السعودية والبحرين، أن تأخذ قرارات حاسمة تجاه قطر، لاسيما ما تعلق بملف الإسلام السياسي، الذي تدعمه قطر، فهي – أي الإمارات- قادرة على احتواء قطر، والحيلولة دون تفاقم الظاهرة القطرية، التي أصبحت رهاناً إقليمياً، يحاول إخراج قطر من بيتها الخليجي، كمقدمة لتفتيت هذا البيت. وهو ما يضع الدبلوماسية الإماراتية أمام استحقاقات تتعلق بقواها الناعمة، في التعامل مع الموقف القطري واحتوائه، لاسيما وأن القول بتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون قد يولد اختلافات جديدة داخل البيت الخليجي، خصوصاً مع الرفض العماني والكويتي لهذا الخيار.

وعلى هذا الأساس، تصبح مسألة التمكين الإماراتي في محيطها الإقليمي والدولي، مقدمة للقفز فوق الإشكالية القطرية واحتوائها، كما حصل في الدور الإماراتي في الملف المصري، الذي بلور نظاماً إقليمياً جديداً، امتد من الخليج العربي إلى شمال أفريقيا، واستطاع أن يشكل معادلاً موضوعياً لمواجهة التقارب الأمريكي- الإيراني.

إن مسألة التحكم بالخيارات الأمريكية في المنطقة، تبدأ من قدرة دول المنطقة العربية، على تشكيل نظام إقليمي عربي، قادر على أن يكون فاعلاً وليس منفعلاً بالأحداث الدولية والإقليمية، فالولايات المتحدة الأمريكية، تبحث اليوم عن قوة إقليمية قادرة على ضبط جميع التداعيات الإقليمية، التي أدت إلى عدم الاستقرار في المنطقة، والذي يهدد المصالح الأمريكية، لاسيما بعد التحول الإقليمي في العراق، الذي هدد موقع إيران في أن تكون شرطياً أمريكياً قادراً على تأمين الاستقرار في المنطقة.

وعلى هذا الأساس، تراجع الخيار الأمريكي، الذي يقوم على التنازل عن التحالف التاريخي مع دول الخليج، واستبداله بقوى إقليمية جديدة كتركيا وإيران، بل وأصبح مجرد خيار من الخيارات التي ثبت فشلها في التعامل مع الشرق الأوسط، من خلال تفكيك البيت الخليجي، كآخر وحدة جيوبوليتكية عربية.

وبناء على ذلك، تصبح عملية ربط القوة الاقتصادية والجيوستراتيجية الخليجية، بالقوة السياسية لموقع مصر العربي والإقليمي، اصطفافاً حتمياً لقوى عربية تتوحد جماهيرياً في ثقافة موحدة، في مصر، والسعودية، وليبيا، والإمارات، والبحرين، في محاولة لرسم خارطة جديدة لنظام إقليمي عربي جديد، قادر على وضع الحدود للتدخلات الإقليمية في المنطقة العربية.