الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقيادي في حماس خالد مشعل.(أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقيادي في حماس خالد مشعل.(أرشيف)
الإثنين 21 أغسطس 2017 / 20:12

بلا مبالغة.. هذا هو حالنا

واقع معيب يحشر الفلسطيني بين خيار قبول حكم الاحتلال أو حكم وكلاء الاحتلال في القيادتين الساقطتين شعبياً. وهو واقع لا يمكن أن يدوم في أرض لم تعرف السكون أو السكينة الزائفة عبر كل تاريخها

في مماحكاتهما المتواصلة تلجأ السلطتان الانقلابيتان الساقطتان شعبياً في الضفة وغزة إلى "الاستهبال" في تبرير استمرار الانقسام، حيث تعلن سلطة رام الله أن لا عودة إلى غزة إلا بعد حل اللجنة الإدارية التي عينتها حماس لإدارة شؤون القطاع بدلاً من الحكومة التي يفترض أنها حكومة توافق، ومن جهتها تعلن حماس وعلى لسان رئيسها في غزة أن حل اللجنة الإدارية هو أسهل قرار يمكن أن تأخذه حركته!

المسألة سهلة إذن، ولا عوائق أمام المصالحة وإنهاء الانقسام، لكن المصالحة لا تتحقق والانقسام لا ينتهي والاستهبال السلطوي الفتحاوي والحمساوي لا يتوقف، ويبدو أن الجميع مرتاح لما استقر عليه الوضع في شطري الدولة الموعودة.. سلطة فاسدة وقمعية في رام الله يستفيد رموزها مالياً من بقاء الاحتلال ويتضررون من محاولات مقاومة الوجود الاحتلالي ويرتبط مصيرهم بالتنسيق الأمني مع العدو الذي ينوبون عنه في حكم الشارع وضبط إيقاعه.

وسلطة فاسدة قمعية في غزة يستفيد شيوخها من استمرار حصار القطاع ومن تجارة الأنفاق والأتاوات وابتزاز المرضى والطلاب الغزيين في تصاريح السفر، ويواصلون بناء النموذج القندهاري لفلسطين المأمولة إخوانياً، ويسهرون على أمن حدود العدو تماماً كشركائهم في رام الله.

لا يحتاج هذا التشخيص إلى عبقرية في التحليل، ومن يحاجج لدحض هذا "الافتراء" يعجز عن تقديم دليل واحد على رغبة سلطتي عباس وحماس في إنهاء الانقسام ومقاومة العدو، لكن الواقع المعيب الذي نجحت سلطتا الانقلاب على الثورة في تخليقه في الضفة والقطاع يحول دون العمل الجمعي على إسقاط السلطتين، ويبقي هذه المهمة حكراً على الطلائع الشبابية المتمردة على اليمينين السياسي والديني في فلسطين، وذلك لأن السلطتين نجحتا في ربط المجتمع بآليات حياتية مضادة للحركة وللتقدم، ولأن السلطتين أشاعتا مناخاً قمعياً يجعل الفلسطيني العادي مشبوهاً ومهدداً بالتجويع وبالقمع والمطاردة والسجن والتعذيب في الأقبية السوداء لدى أجهزة الأمن الوقائي والأمن الداخلي التابعتين لسلطتي الانقلاب، بمباركة إسرائيلية ورضى أمريكي وارتياح إقليمي وعربي لهذا التردي الذي لم يعرفه الفلسطينيون في تاريخهم الحديث، والذي لم يكن ممكناً قبل السطو الأمني على قيادة فتح وقبل الانحراف التاريخي الذي سمح بإشراك الذراع الإخوانية في المشهد الوطني.

اعتقالات بالجملة لأصحاب الموقف المختلف في الضفة وغزة، ونشاط أمني محموم يصل حد تهديد الكتاب الذين يعيشون خارج حدود الوطن الفلسطيني، وقوانين قمعية "عصرية" تحاسب الفلسطيني على نواياه الخارجة عن النص "الرسمي" في الضفة والنص "الشرعي" في غزة، وعمل دؤوب على "حماية المجتمع من الجرائم الإلكترونية" ومن "اختراقات الخارجين عن الملة في وسائل التواصل الاجتماعي".. بينما العدو يواصل تهويد الأرض وتغيير ملامح القدس، ويستهدف قبلة المسلمين الأولى التي يحميها أبناؤها وحدهم رغم الادعاء الكاذب بأن القدس وقف عربي وإسلامي.

واقع معيب يحشر الفلسطيني بين خيار قبول حكم الاحتلال أو حكم وكلاء الاحتلال في القيادتين الساقطتين شعبياً. وهو واقع لا يمكن أن يدوم في أرض لم تعرف السكون أو السكينة الزائفة عبر كل تاريخها، وشعب لا يسلم مفاتيح جنته لأحد.

لكن هذا الواقع، على مرارته، يبشر بقرب سقوط التابوهات، وتحطيم أصنام الجاهلية السياسية والعقائدية التي مكثت في الأرض أكثر مما ينبغي.
ورغم صعوبة التغيير في الداخل، وصعوبة صمود الكف الفلسطينية العارية في مواجهة مخارز العدو ووكلائه، تظل حتمية التغيير قائمة حين تنفض الأطراف عن المركز، وحين ينتفض الفلسطيني لفلسطينيته على أرضه التي يعيش فيها أو يحملها في المهاجر.

يقترب الفلسطينيون من لحظة الحقيقة، وهي لحظة الانفجار التي لن تبقي شيئاً من كل هذا الزبد. وإذا لم تسقط الأصنام بفؤوس الثائرين ومعاولهم، فإنها آيلة للسقوط بفعل الضعف والتقادم، وسطوة التاريخ وحتميته الصحيحة.