حجاج في مكة المكرمة. (أرشيف)
حجاج في مكة المكرمة. (أرشيف)
الأربعاء 6 سبتمبر 2017 / 19:00

الحج صيغة علاج باهرة "للكراهية"

حج صيغة علاج باهرة "للكراهية" بكل أنواعها وحالاتها المستعصية التي نعاني منها، ولهذا يعتبر الحج فرصة وأيما فرصة للمّ الشمل وتوحيد الصف، والاعتصام بحبل الله جميعًا

الحج محفل ديني ذو مغزى عالي الدلالة، يراد منه أن نتعلم مفهوم التقريب ونبذ الاختلاف بين أبناء الأمّة الإسلامية، وإعادة بناء الأمة بصفاء روحها، ولتوحيد كلمة المسلمين وجمع رايتهم. إنها لحظة مفصلية يواجه فيها المسلمون ذواتهم في وقت القلوب فيه شتى، وثقافة تحتفي بسيلان الدم، وتسليط الضوء على ما هو حرام، فالتدابير الهامة التي تخفف من غلواء هذا الواقع المدمر من خلال إعادة المفاهيم ومراجعة مشاهد الحج الكبرى التي تعيد بناء ثقافة قائمة على الوحدة والمساواة، ونبذ الفرقة والعصبية والكراهية للآخر، فهو ركن هام بين أتباع المذاهب والفرق والنحل والمشارب لإلغاء الفوارق والتفاضل بين الناس. فالحج صيغة علاج باهرة "للكراهية" بكل أنواعها وحالاتها المستعصية التي نعاني منها، ولهذا يعتبر الحج فرصة وأيما فرصة للمّ الشمل وتوحيد الصف، والاعتصام بحبل الله جميعًا.

فالحج اجتماع سنوي عام للمسلمين، لتحقيق الألفة والوحدة والتآخي. فالاستفادة من منافع الحج واجب شرعي، وهو ما نراه خصوصاً في موجة الإرهاب الفوضوي الذي دشنه. فهو صراع كراهية بامتياز، مرده غياب المرجعيات الأصيلة، لأن الارهابيين خصم نازعوا واختلفوا، ولم يسمعوا لولي الأمر، وكفّروا المسلمين، وأثاروا الاحتقانات الطائفية، وقتلوا النفس المعصومة، وتركوا الجُمَع والجماعة، وهؤلاء من يدعون الناس إلى الفرقة والتحزب، على اعتبار أنهم على الحق وغيرهم في ضلال مبين!

السبب الرئيس في انهيار الأمم عبر العصور الماضية "العصبية" و"الاختلاف". فهذه الافات بيئة خصبة للفرقة وللكراهية، وشعائر الدين الإسلامي جميعها تحض على تحقيق مفهوم الجماعة والوحدة والألفة. "فالحج" و"الجمعة" و"الجماعة في المساجد" و"صلاة العيد" أو " التراويح" أو "صلاة الاستسقاء" في المساجد وغيرها من العبادات التي ترسخ فينا قيمة "الوحدة" وعدم التنازع، فالحج جاء لتعميق الترابط بين المسلمين، وليوفر لهم لقاء التعارف السنوي، يتدارسون وتجتمع فيه كلمتهم، ويحنو فيه غنيهم على فقيرهم، وتظهر فيه الوحدة الكبرى بأفضل تجلياتها، لأننا في موقف تتعالى فيه قيم الكرامه "التقوى" ونشهد منافع الخير والفضل.

ما ذاقت الأمة من ويلات وحروب واستعمار وتخلف إلا بسبب تفرقها وتمزقها لتعلن "الكراهية" عن نفسها، آثار الحج في حياة أمة الإسلام تتجلى المساواة بأفضل صورها، رغم اختلاف أجناس الحجاج وألوانهم وتباين ألسنتهم وتباعد بلادهم، وتخلع الأقنعة الزائفة. فتذوب تلك الاختلافات، لتأصيل قيمة الجميع من آدم وآدم من تراب، ليتجلّى حينئذ معنى "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ".

ولهذا يعتبر الحج ميلاداً جديدًا لكل حاج، لأنه الفريضة الوحيدة القادرة على تغيير الكثير من المفاهيم - الخاطئة- المستحكمة في الإنسان- لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد- يتوحد فيه المسلمون بثوب من نوع واحد، ويتوجهون إلى الله بقبلة واحدة، في صعيد ومكان واحد لأداء فريضة واحدة.
من آثار الحج في حياة المسلم، حينما تصبح هذه الفريضة عامل تغيير وتأثير في مسار حياته، وقد تحسن حاله واستقام أمره وأقبل على طاعة ربه، ويستقيم سلوكه، وها هو يرى الجموع من الحجاج أتوا من كل فج عميق، لكي يوثق ويتعلم مبدأ التعارف والتآلف مع كل الأعراق والأجناس؟
علينا جميعًا أن نقف صفًّا واحدًا في اجتثاث الأفكار التي تضرب في عقيدتنا، وتضعف ديننا وتشوه مكانته، فالشريعة جاءت بحفظ الدماء والأعراض والأموال، ولن تستطيع الأمة أن تواجه هذه التحديات إلا بالاجتماع وترك الأختلاف والفرقة.

ومهما اختلف المسلمون في المذاهب والفرق والنحل، فإنه لا اختلاف على أصول الدين ومنها الحج والمسائل الفقهية والأخلاقية، والاعتراف بحقوق المسلم، والتعاون من أجل حل المشكلات الكبرى للمسلمين، لهذا أكد النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا المعنى في حجة الوداع خاصة، لما لها من مآثر تجعل المسلم ينفعل ويتفاعل معها، لأنه يوم التلاحم الإسلامي الكبير، فيقول عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا".