متخرجون جدد.(أرشيف)
متخرجون جدد.(أرشيف)
الإثنين 16 أكتوبر 2017 / 20:09

الجامعات: فلسفتها وأساتذتها

الثالوث الذي ينبغي أن يحترم في التعلم هو المهارة والسلوك والمعرفة

ثمة سؤال أرى أنه لم يُطرح للملأ. ولم يصبح شأناً عاماً. إنه موضوع أساليب التدريس في الجامعات. وفي حين أن التعليم العام ومناهجه ومعلميه واستراتيجياته أصبح قضية رأي عام. فإن التعليم العالي ما زال الحديث عنه حديثاً خاصاً، أو بمعنى أدق: ما زال الصمت سيد الموقف.

تشخيص أزمة الأمة يحتم علينا النظر في التعليم الجامعي. وهذا ما سأفعله اليوم. نظرة لا تقف عند المشكلة ومظاهرها، وإنما تنطلق إلى فلسفة جديدة في التعليم الجامعي تقوم على ثمانية أركان:

أولها إشراك المتعلم في التخطيط للتعليم فالتدريس عملية مشتركة بين طرفيها، ولذلك يجب إشراك الطرف الأول ومساعدته في اكتساب الطرق التحليلية والمهارات الضرورية اللازمة لاستدامة عملية التعلم. أول ما تكون المشاركة في الاتفاق على نواتج التعلم المستهدفة والوسائل اللازمة وأدوات التقييم. الطالب الجامعي على درجة من الوعي تسمح له بأن يكون شريكا فاعلا.

وثانيها التعلم الذاتي من خلال القراءة لأنها تمثل نافذة أولى على المعارف والمهارات التي تستهدفها أي خطة دراسية. فالمحاضرة ليست إلا أسلوباً، ووقتها ليس إلا نموذجاً للتعلم. والوسيلة الأمثل للتعلم الذاتي هي بناء حب القراءة في نفوس الطلاب وتقييمهم على ما قرؤوا من قراءات حرة وعميقة.

وثالثها إتقان المهارة اللغوية. ثمة تساؤل هل اللغة جدار أم أنها جسر؟ إنه سؤال يقود إلى فلسفة مهمة في التدريس وهي أن المعرفة والفكر لا يمكن أن يتعمقا بدون اللغة. لقد كانت اللغة جداراً حاجزاً عن المعرفة في كثير من الممارسات التدريسية في الجامعات في مختلف التخصصات. آن الأوان أن ننطلق من المهارة اللغوية وتكون أساسًا في فلسفة التدريس.

ورابعها التعلم للحياة لأن ربط موضوعات المادة بالحياة العملية والقضايا المحلية والدولية هو أساس العملية التعليمية الحديثة. فالتعليم ليس لسنة دراسية. إنه للحياة. والمواد الأدبية والنظرية كاللغة العربية والدراسات الإسلامية والاجتماعية إن أحسن ربطها بالحياة ستحدث فارقاً في التعليم، فارقاً في مخرجاته، فارقاً في الجيل القادم.

وخامسها الانطلاق من المعايير في تصميم التعلم، فإذا وجدت المعايير، صحت التدابير، وضمن حسن المسير. ليست المعايير صيحة حديثة في عالم التعليم. إنها مجرد تنظيم وتأطير معرفي لفكرة طالما بنيت عليها الممارسات التعليمية الفضلى. سوف تفتح المعايير أجمل الأبواب في تصميم تعلم حديث إلا إذا وقفنا عندها في جمود، عندها ستكون هي الباب وهي المحطة النهائية.

وسادسها تلازم التقييم والتعليم. إن أدوات التقييم امتداد وترسيخ لعملية التعلم. وخاصة إذا اتصفت بالاستمرار. الأصل أن جميع الممارسات التعليمية هي في الواقع تقييم، وبالضرورة فإن جميع الممارسات التقييمية هي تعليم، لا انفصال بينهما. في التقييم جانب تفاعلي بين المعلم والطالب، إنه ليس سلطة يرهب به المعلم طلابه، أو يستجلب به انتباههم، إنه تعاون لتحقيق هدف تعليمي.

وسابعها تنمية المهارة والسلوك والمعرفة، إن الثالوث الذي ينبغي أن يحترم في التعلم هو المهارة والسلوك والمعرفة. وبهذا الثالوث التعليمي المقدس قامت الحضارات. لا ينبغي إغفال السلوك في خضم السعي المعرفي الحثيث، ولا غنى عن المهارة فهي التي تحدث الفارق في عملية التعلم، وتؤكد نجاحه أو تثبت إخفاقه.

وأخيراً فإن التعليم متعة. أعلم أن الطالب لا يأتي إلى الجامعة مجبراً. ولكنه لم يأت للمتعة أيضاً. لكن ليس ثمة ما يمنع أن تكون الممارسات في التعليم العام تتسم بالمتعة من خلال التركيز على العمل التعاوني الجماعي والمهام العلمية والمشاريع البحثية المرتبطة بالمثير والغريب من حياة المتعلم ومحيطه.