المخرج اللبناني زياد الدويري.(أرشيف)
المخرج اللبناني زياد الدويري.(أرشيف)
الثلاثاء 17 أكتوبر 2017 / 20:07

زياد الدويري: الإشكال العربي

ما يعدّ خيانة في بلد يعدّ في غيره سفراً عاديّاً. أمر في مستوى الخيانة ينبغي أن يكون محلّ إجماع. المسألة إذن مشكلة وتحتاج بطبيعة الحال إلى إتفّاق عربي، إتفّاق ثقافيّ بالدرجة الأولى

نقترب من نهاية النقاش الّذي ثار حول زياد الدّويري المخرج اللبنانيّ من دون أن نصل حقّاً إلى نهاية. فالأرجح أنّ النقاش يفاجئنا وكأنّه لا يزال في بدايته ولم تنقض عليه ثلاثة أرباع القرن. لقد ذهب الدّويري إلى إسرائيل وأمضى فيها أشهراً وصوّر فيها وعنها فيلماً أشرك فيه إسرائيليّين. فيلم "الصدمة" هذا أنجز وصار الفيلم نفسه موضع سجال.

لم يكن الفيلم الّذي صوّر في إسرائيل منحازاً لها لكنّه لم يكن بالتأكيد ضدّها. لقد كان فيلماً همّه التسلية، ولم يكن بياناً سياسيّاً مناضلاً. لذا وقف في الوسط كالرّواية الّتي بنى عليها، لم ينحز للفلسطينيّين ولم يدعم إسرائيل. الرّواية الّتي كتبها بالفرنسيّة كاتب جزائري هو ياسمينة خضرا، تنتمي إلى اللّغة الّتي كتبت بها وإلى الرّواية كفنّ أدبيّ ولا تنتمي إلى طرف في الصراع. إنّها قصّة الطبيب الفلسطينيّ الّذي يعيش في إسرائيل مرتاحاً ثم يُفاجأ بزوجته تقوم بعمليّة إنتحاريّة تودي بأشخاص بينهم أطفال. لنقل بلا تمحيص ولا تشدّد أنّ الرّواية والفيلم المأخوذ عنها لم يتخّذا أيّاً من الجهتين المتعاديتين، ولن نقف عند هويّتي صاحبيهما. وسنقبل أنّ هذه سينما تقاس على معايير السينما. لكن ماذا نفعل تجاه ذهاب الدّويري إلى إسرائيل، البلد الّذي لا يزال في حرب مع بلد المخرج. في بلد ديموقراطيّ يحاسب النّاس تبعاً للقانون، والديموقراطيّة تعني في جملة ما تعني، مساواة النّاس أمام القانون. وعليه فإنّ ذهاب الدّويري إلى إسرائيل مدان مهما يكن فيلمه وبغضّ النّظر عن الفيلم، والدّولة الّتي يشترك في وزارتها محاربون لإسرائيل مسؤولة عن هذا القانون.

الى الآن، نحن في القانون. رغم ذلك لم تجسر الدّولة على تنفيذ قانون بهذا الوضوح وأخلت سبيل الدّويري. لم تفعل ذلك تقديراً للفنّ، كما قد يخطر ولكن لأنّ الحرب الأهليّة الّتي لا تزال قائمة بالألفاظ والكلمات، قلبت القوانين رغم إصرار البعض على التشدّد فيها ورفضهم أيّ تهوين لها. وكان من ملابسات الحرب الأهليّة أنّ طرفاً من اثنين توسّل الدعم الإسرائيليّ الّذي أتاه وناصره. النتيجة أنّ قسماً من اللبنانيين يمثّل نصف لبنان حارب بسلاح إسرائيليّ، ومن نافل القول أنّ هذا اقتضى زيارات لإسرئيل ومباحثات مع "العدوّ"، وشارك في هذه المباحثات رئيس جمهوريّة منتخب اغتيل قبل أن يتسلّم الرئاسة هو بشير الجميّل الّذي هو في نظر كثيرين من اللبنانيّين، مثال اللبنانيّ ونموذجه.

 ليس بشير الجميّل وحده في هذه الحالة، فكثير من زعماء لبنان اليوم، أحياء كانوا أم أمواتاً، زاروا إسرائيل. والأرجح أنّ الّذين زاروا إسرائيل الّتي احتلّت لبنان سنوات بمقاصد شتّى: العلاج أو التّجارة وقد تكون السياحة. الأرجح أنّ هؤلاء من حيث العدد أكثر من أن يحصوا. هناك إذن قانون والديموقراطيّة تعني أوّلاً المساواة أمام القانون، وهذه المساواة اتخّذت في حالة زياد الدّويري وجهاً سلبيّاً هو المساواة في الخروج على القانون.

ثمّ إنّ إسرائيل، لاننسى، هي فلسطين وهناك عدد غفير من الفلسطينيّين ما زالوا هناك. هذا بحدّ ذاته إشكال صعب، فهل نترك هؤلاء الفلسطينيين وحدهم، أوَ نترك إسرائيل تتكرّم عليهم بأن تسمح لهم بزيارة البلدان العربيّة مظهرة بذلك للعالم كرمها وتسامحها وديموقراطيتها، بينما تمنعنا قوانيننا من استقبالهم إلاّ بتجاوز للقانون وهذا ما نضطّرّ إليه إذا كان الزائر شخصيّة معروفة، كأن يكون محمود درويش أو محمّد البكري الّذي التقيناه في بيروت أخيراً.

ثمّ إنّ الدول العربيّة التي تسمح لمواطنيها بزيارة إسرائيل ومن بينها السلطة الفلسطينيّة نفسها، فضلاً عن الدول المتصالحة مع إسرائيل أو المتساهلة في هذه البادرة، كثيرة بحيث أنّ ليست هناك سويّة في الأمر. ما يعدّ خيانة في بلد يعدّ في غيره سفراً عاديّاً. أمر في مستوى الخيانة ينبغي أن يكون محلّ إجماع. المسألة إذن مشكلة وتحتاج بطبيعة الحال إلى إتفّاق عربي، إتفّاق ثقافيّ بالدرجة الأولى. وعلينا منذ الآن التعامل معها على هذا الأساس وأن نخوض النّقاش فيها كما لو أنّ ثلاثة أرباع القرن لم تمض عليها ولا نزال في بدايتها.