من المؤتمر العام للحزب الشيوعي الصيني. (أب)
من المؤتمر العام للحزب الشيوعي الصيني. (أب)
الأربعاء 18 أكتوبر 2017 / 20:10

العصر الصينيّ

قياساً بالزعامة الوطيدة التي باتت مكتوبة لشي جينبينغ، لا يمكن النظر إلى العجز الذي نُسب إلى باراك أوباما، ثمّ التفكّك والتضارب اللذين يعبّر عنهما دونالد ترامب، إلاّ كإشارات تنمّ ضعف الولايات المتّحدة بقدر ما تعكسه

انعقاد المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعيّ الصينيّ في بكين، والمصحوب بصعود زعامة الرئيس شي جينبينغ، الذي بات يوصف بأنّه "أهمّ زعيم شيوعيّ صينيّ منذ ماو تسي تونغ"، يجدّدان طرح النقاش الدائر في الغرب منذ سنوات لم تعد قليلة: هل أفل حقّاً عصر الغرب وبدأنا نعيش في عصر الصين؟

طرفا المساجلة الدائرة لا يُعدمان الحجج، وهذه بعضها:

الذين يقولون "نعم، دخلنا العصر الصينيّ"، يقارنون بين الأوضاع الاقتصاديّة للصين ومثيلتها في القطبين الغربيّين الأمريكيّ والأوروبيّ. فالصين تنتقل سريعاً لكي تصبح صاحبة الاقتصاد الأوّل في العالم، وهي تطلق اليوم مشروعها الملحميّ لإعادة إحياء "طريق الحرير"، بعدما نجحت في نقل مئات ملايين البشر من الفقر إلى البحبوحة، والبعض منهم إلى الثراء.

في المقابل، تتخبّط الولايات المتّحدة بوضعها الاقتصاديّ الذي لم يكفّ، منذ أزمة 2008 الماليّة، عن دفع مزيد ومزيد من السكّان إلى الفقر. والحال أسوأ في بلدان أوروبا ذات الاقتصادات الضعيفة والمأزومة في عمومها.

والصين تتحوّل إلى نموذج لدول، صغرى وكبرى، ناقمة على الغرب، أو عاجزة عن تقليد تجربته واللحاق بها. وهذا ما نراه واضحاً في بلدان كروسيا – فلاديمير بوتين وتركيّا – رجب طيّب أردوغان.

يقابل ذلك تنامي ضعف الغرب وتراجع تأثيره على محيطه المباشر: فسطو روسيا على شبه جزيرة القرم كان أوّل عمل من هذا النوع يحصل داخل العالم الغربيّ بعد الحرب العالميّة الثانية. إلى ذلك، تبدو قدرة الولايات المتّحدة وأوروبا الغربيّة على التدخّل في أوضاع الشرق الأوسط، أو حتّى في أوضاع أوروبا الوسطى والشرقيّة، متواضعة جدّاً. ينسحب هذا على التعامل مع رقعة تمتدّ من الحرب السوريّة إلى الصعود الشعبويّ في بولندا وهنغاريا. وإذ يتفاقم الخلاف الأمريكيّ – الأوروبيّ حول قضايا حسّاسة كالبيئة والملفّ النوويّ الإيرانيّ، يعاني الاتّحاد الأوروبيّ علامات ضعف افتتحها الخروج البريطانيّ المدوّي منه.

وقياساً بالزعامة الوطيدة التي باتت مكتوبة لشي جينبينغ، لا يمكن النظر إلى العجز الذي نُسب إلى باراك أوباما، ثمّ التفكّك والتضارب اللذين يعبّر عنهما دونالد ترامب، إلاّ كإشارات تنمّ ضعف الولايات المتّحدة بقدر ما تعكسه.

إلاّ أنّ أصحاب الرأي الآخر يرون عكس ذلك تماماً. فالصين، في رأيهم، لم تصبح دولة قانون، كي لا نقول دولة ليبراليّة صديقة لحقوق الإنسان. وهذا ما يجعل إنجازاتها الاقتصاديّة مهدّدة بالتفكّك في أيّ ظرف غير ملائم. أضف إلى ذلك أنّها، في صناعاتها وتقنيّاتها، دولة تقليد لا دولة ابتكار، ويصعب الرهان المستدام على نهضة اقتصاديّة مصدرها التقليد.

كذلك تعاني الصين مشاكل أقلّيّات تعبّر عن نفسها بحدّة متفاوتة، يصحّ هذا في أوضاع المسلمين وسكّان هضبة التيبت وهونغ كونغ. وإذا كانت العلاقات في الدائرة الغربيّة قد تجاوزت مرحلة الحروب وحلّ النزاعات بالعنف، فهذا التقدير لا يصحّ في الدائرة الآسيويّة المحيطة بالصين. فالعلاقة ملبّدة ومتوتّرة على الدوام بين الأخيرة وكلّ من اليابان وفيتنام وكوريا الجنوبيّة، تتصدّرها خلافات حدوديّة يدور أهمّها حول بحر الصين الجنوبيّ. ولئن كانت القوّة العسكريّة لحلف "الناتو" مصدر طمأنة لعموم العالم الغربيّ، فإنّ القوّة العسكريّة الصينيّة مصدر خوف وتهديد لجيران الصين الآسيويّين. وهذا معطوف على قرب الصين من بؤرتين نوويّتين متوتّرتين، واحدة تتمثّل في كوريا الشماليّة، والأخرى في العلاقات الهنديّة – الباكستانيّة.

وإذ يمضي السجال، يبقى أمران مؤكّدين: أنّ العالم يتغيّر سريعاً، وأنّ مساهمتنا في هذا التغيّر، كما في النقاش حوله، تكاد تقارب الصفر.