(أرشيف)
(أرشيف)
الإثنين 23 أكتوبر 2017 / 11:24

قطر وثقافة الإرهاب

الأهرام - هشام النجار

مساران عنيت بهما قطر لتحصيل أطماعها المهووسة، الأول تفكيك مؤسسات الدول العربية، والثاني تدمير معالم الحضارة والثقافة.

الإمارة التي سعت لنيل إدارة اليونسكو تعاني عقدة نقص مزمنة، وتظن أنها لن ينظر لها كبؤرة إشعاع ثقافي إلا بعد تدمير مظاهر الحضارة ومراكز الريادة الحضارية العربية.

أسئلة الإرهاب ظل يطرحها العالم كله من أجل معرفة كيف يمكن التعامل مع الظاهرة لحماية الأفراد والمؤسسات والدول، بينما ظلت تطرحها قطر للتوصل لسبل توظيفه على مستويين، إغراق البلاد العربية في فوضى الفتن السياسية والمذهبية، والثاني تخريب مظاهر الحضارة والعمران، ليتسنى لها وقتئذ الظهور على خارطة العالم.

الصفقة بدت للطرفين مربحة، فالإخوان ومن لف لفهم كانوا في أمس الحاجة إلى حاضنة وبنك مفتوح لتمويل أنشطتهم الإجرامية، في حين وجد حكام قطر في أعضاء تلك الجماعات العنصر البشرى المجهز بعدة أيديولوجية ظلامية يعتقد معها أن هدم الدول ومظاهر الحضارة جهاداً مقدساً.

هكذا صارت للإرهاب دولة عظمي، وإلا فمن أين خرج لنا كل هذا الشر بهذا الجبروت، ومن جهز القتلة بالسلاح، ومن وفر لهادمي الآثار معاول الهدم؟.

وحينما يتزاوج رأس المال مع التشدد الأعمى يصير الجهل مقدساً لأنه مدفوع بمطامع ومصالح دول أعماها جشع المادة وأغواها الترف، مجنداً عتاة المتطرفين بغرض تجهيل مجتمعات بأسرها وحجب التنوير ومظاهر المدنية والحداثة وكل النظريات الأدبية والفلسفية والفنية عنها.

اختارت قطر جيشها الرجعي بعناية، فسلوك القتل والسعي لتدمير مؤسسات الدول ومظاهر الحضارة ليس جديداً على تلك الجماعات وهو من مكونات بنيتها المنهجية، وضمن مضبوطات السيارة الجيب التي دلت في السابق على نظام الإخوان الخاص الذي ظل قائماً إلى اليوم وجدت ورقة تعتبر القتل فرضاً واجباً ضد كل من يناوئ الجماعة.

والإرهابيون الذين نفذوا مذبحة الأقصر في نهاية التسعينيات وهم أيضاً من رحم الإخوان وانتهوا للتحالف المعلن معها ضد الدولة، ما كادوا ينتهون من مهمتهم "المقدسة" بعد قتل السياح والتمثيل بجثثهم، حتى أخذوا يطلقون النار على أعمدة معبد حتشبسوت بالبر الغربي لمدينة الأقصر بهدف تخريب النقوش المحفورة عليها.

ولذلك أعادوهم للواجهة بعد أن كانوا في حالة انحسار قبل اندلاع الثورات، لأن مشروعهم يتضمن تحطيم "الأوثان" من أهرامات الجيزة إلى معبد الكرنك.

كيف خيل لقطر في سياق فترة معايشتها لفاصل أحلامها المجنونة أنها بمقدورها استهداف القوة المركزية التي تصنع وتحافظ على ثقل مصر وهيبتها وهي الجيش، واستبدالها بفوضى الميليشيات المأجورة، وقد سعت للتخديم على ذلك إعلامياً بأفلام قناة الجزيرة لتشويه صورة الجيش المصري؟ .

وكيف توهمت أنها قد تحظى يوماً بالإمساك بلحظة هدم صروح مصر الثقافية والعلمية والحضارية، وكلا الهدفين مقدمة ضرورية في نظر الأعداء وعملائهم لإسقاط الدولة المصرية؟.

لأنها رأت إيران تحقق غاياتها في العراق منذ 2003 عبر تلك الاستراتيجية الخبيثة، فلم تستطع التمدد إلا في فراغ المؤسسات والجيش وفي الفراغ الحضاري، بعد أن قدم الأفاقون من التنظيمات الإرهابية لها خدمة العمر بهدم متاحف العراق وآثاره وكنوزه الثقافية، وجانب من المهمة القذرة قام به الغزاة.

من أحلام اليقظة القطرية أنها توهمت إمكان صعودها كمعادل إقليمي سني لإيران لاقتسام المنطقة العربية معها، وكما حققت إيران نفوذها بتدمير دول المنطقة والغزو الميليشياوي والتجريف الهوياتي والحضاري، لتخرج العراق من معادلة المواجهة معها وتحولها لدولة مهددة للعرب، سعت قطر لتكرار السيناريو مع مصر بهدف خيالي مثير للشفقة مؤداه ضم مصر لنفوذ قطر عبر خدمات جماعة الإخوان الإرهابية، وتحويلها لدولة مهددة لدول الخليج بعد أن ظلت على طول التاريخ حامية لها وعمقاً استراتيجياً لها.

غرام حكام قطر بالهيمنة وأن يصبحوا هم المشار إليهم بالبنان دفعهم للتخطيط الشيطاني لمجمل أحداث السنوات الماضية ولا شك أن هناك من المتغيرات في المحيط الدولي والإقليمي التي هيأت لهم المناخ، ولا شك أن مشروعها تقاطع مع مشاريع أخرى إقليمية ودولية استفادت من اللعبة المجنونة لتحقيق البعض من الأهداف التي استعصت عليها من قبل.

قطر أرادت عالماً عربياً مقسماً لأنها صغيرة ولن تبدو كبيرة يوماً وسط عمالقة, الدول العربية نهضت لإعادة بوصلة المنطقة إلى اتجاهها الصحيح، ومصر التي حرق لها المجمع العلمي ومتحف الفن الإسلامي ودار الكتب والوثائق القومية، وفجرت مديريات أمن ومبان ومؤسسات واستهدفت كمائن ورموز ورجال الفكر والسياسة والقضاء والأمن، لم ولن تسقط فهي أكبر من تلك المخططات ومن المخططين ومن وراءهم.

الفكرة هنا أن العالم يبدو وكأنه غير مدرك لتلك الحقائق ولا يزال البعض من الدول يتعاطى بأريحية مع أطراف اللعبة المدمرة، ويمد في أحلام قطر على حساب مصالح الدول والسلام الإنساني، وعلى حساب الحضارة والثقافة الحقيقية.