الروائي ألبيرتو مورافيا.(أرشيف)
الروائي ألبيرتو مورافيا.(أرشيف)
الإثنين 23 أكتوبر 2017 / 20:11

ألبيرتو مورافيا مجدّداً

مورافيا لا يخفي كما يقول في حديث صحافي، أنّ معلّميه في هذا الزمن هما: سيغموند فرويد وكارل ماركس، والأوّل هو المقدّم على الثاني

حينما رأيت "مجلّدات" ألبيرتو مورافيا وأعني ترجماته إلى العربيّة على الرفوف، انتبهت إلى أنّ الروائيّ الذي كان ذائع الصيت في زمنه بات اليوم شبه منسيّ، مع أنّه لم يغادر الحياة منذ زمن طويل، شأنه في ذلك شأن كتّاب العربيّة أنفسهم. إذ ما أن يمرّ الإحتفال بغياب كاتب أو فنّان، حتّى يختفي ذكره شيئاً فشيئاً ويبتعد أثره إلى أن يأتي يوم نبحث فيه عن أثر له فلا نجد. لا داعي لأن نذكر أسماء فالقائمة طويلة. يكفي أن نتساءل أين صار كتاّب وشعراء الجيل الماضي، وأين صارت مؤلّفاتهم لنصحو على قليلين استمرّوا بينما الأكثرون ضاعوا في النسيان. الأمر نفسه ينطبق على الترجمات الّتي هي أيضاً تعيش لربيع واحد. ومع أنّ ثمّة ترجمات قليلة غنيّة، مع أنّ ثمّة تحف ترجمة قليلة ونادرة ولنذكر في هذا السياق ترجمات جبرا إبراهيم جبرا لشكسبير وترجمة أدونيس لبيرس، فإنّنا نفتقد روايات فوكنر لاسيّما "الصخب والعنف" كما نفتقد بالطبع روايات مجايليه الأمريكيين وغير الأمريكيين. لقد عاينت منذ فترة مشقّة البحث عن مسرح ألبير كامو وبخاصّة "العادلون" و"كاليغولا"، ولا بدّ أنّ المشقّة نفسها تتكرّر لدى البحث عن أيّ من الترجمات الّتي هي أيضا نشرت لربيع واحد.

 لهذا أسعدني أن تعمد دار "الجمل" إلى إعادة نشر أربع من ترجمات مورافيا هي "الانتباه" و"السأم" و"الإحتقار" الّتي هي أيضاً رائعة غودار السينمائيّة، و"أنا وهو". هكذا نجد الآن على الرفوف مؤلّفات روائيّ كبير كان من بين الأكثر شهرة في زمنه. لعلّ بادرة "الجمل" لن تكون الأخيرة، لعلّها أيضا ستحفز دوراً أخرى إلى اقتدائها في هذا المجال إذ رغم قلّة ترجماتنا والنقص الشنيع الحاصل في هذا االسياق لانزال نفتقدها ونسعى بصعوبة للعثورعليها.

كان مورافيا من الأجرأ في زمنه. يكفينا أن نذكر في باب التجرؤ روايته "أنا وهو" الّتي هي في خمسمائة صفحة عبارة عن حوارات ومشاحنات وخلافات بين الرجل ورمزه الذكريّ. نفهم إذاً أن ّمورافيا هو بين الطليعيّين، فهذا الروائيّ الّذي ولد في أوائل القرن العشرين كان جزءاً من تمرّد هذا القرن. لذلك نفهم أن تكون العلاقات الجسديّة موضوعه الرئيسيّ. الروايات الأربع الّتي صدرت عن دار "الجمل" لا تخرج عن هذاالنطاق. رواية "الإنتباه" على سبيل المثل، هي عبارة عن قصّة زواج لم يدم زخمه بضعة أشهر. بعدها عاف الرجل امرأته وامتنع عن إتيانها وسعى إلى أن يقوده عمله إلى غياب يشمل نصف السنة.

 بعد ذلك تتكشّف الأمور عن أنّ المرأة امتهنت الدعارة من قبل وحملت إبنتها على امتهانها. الإبنة تلجأ إلى زوج والدتها ليكون أباها، الزوج يتنازع بين رغبته في الإبنة وبين إيثارها هي أن يكون أباً لها.هكذا تدور روايات مورافيا بلا أيّ محاكمة اخلاقيّة بين تعدّد العلاقات والدعارة المعلنة والخفيّة وبين انتهاك المحارم. ليس للجنس هنا أيّ دلالة أخلاقيّة ولكن هناك وجود للغيرة الّتي تعذّب أصحابها من دون أن يكون لها قيمة أخلاقيّة.

إذا لم يكن هناك دلالات أخلاقيّة للجنس فإنّه كما هو عند فرويد محور الشخصيّة وركيزة كلّ بنيانها النفسيّ .إنّ مورافيا لا يخفي كما يقول في حديث صحافي، أنّ معلّميه في هذا الزمن هما: سيغموند فرويد وكارل ماركس، والأوّل هو المقدّم على الثاني، فالصراع الطبقيّ لا يأخذ من روايات مورافيا الحيّز الّذي يأخذه الجنس. إنّ مورافيا في رواياته مفكّر، فهو يتناول العلاقات ويفصّلها ليستخرج منها مفهوماً يحمله في الغالب عنوان الرواية. حينما يتناول مورافيا في روايته "السأم" كما يحمل عنوانها، فإنّ السأم هو الّذي يتصدّر والجنس، في هذه الحال، أحد سياقاته وأحد مساراته. وحين تحمل الرّواية عنوان "الإحتقار" فإنّ الإحتقار هو الّذي يسم العلاقة الزوجيّة. أما في "أنا وهو" فإنّنا نعثر على كارل ماركس و "رأس المال" وسجال الثوريّ والإصلاحيّ، والمفكّر مورافيا قادر على أن يمتّع بأفكاره متعة السرد نفسه.