الخميس 9 نوفمبر 2017 / 19:54

اللوفر يليق بأبوظبي

يليق اللوفر بأبوظبي وتليق به. لا مدينة تجسد القيم التي ينطوي متحف اللوفر العريق، بكل رمزيته وامتداده في الثقافة والتاريخ الفرنسي والإنساني أكثر من أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة. ففي هذه المدينة المزدهية بحضارتها الروحية والمادية، والباذخة أدباً وعلماً وفناً ومعماراً، تجد المعاني الكبرى مستقرها وموئلها، وتحتضن الشواطئ الهادئة أنبل وأجمل ما فاضت به قلوب البشر وعقولهم.

يليق اللوفر بأبوظبي وتليق به. عاصمة تعرف كيف تصنع التسامح في عالم يمور بالكراهية، وكيف تضيء ألف قنديل فيما الليل الحالك يلف الدنيا بمخاوفه وهواجسه، وكيف تفتح الباب لكل من يعيش على أرضها لحياة حرة آمنة كريمة، ليكون أقرب إلى فهم الجمال وتذوقه وصناعته والدفاع عنه. واللوفر تسامح ونور وجمال وحرية، ولذا كان لا بد له أن يصل في سفره الأول من العاصمة الأوروبية الملهمة إلى حيث يكون وجوده طبيعياً، بل حتمياً، في أبوظبي عاصمة المحبة والتسامح والسعادة، التي ليس للكره والبغض والفكر الظلامي مكان فيها.

يليق اللوفر بأبوظبي وتليق به، فهي تعرف كيف تعطي الأشياء قدرها. المدينة التي نسجت أيامها الأولى من الارتحال وراء اللؤلؤ في أعماق الخليج، تعرف كيف تجد اللآلئ والجواهر في كل زاوية من الأرض، وكيف تجمعها إلى نظيراتها في عقودٍ من البهاء والألق. ولم يكن أهل هذه الأرض ليُخطئوا، قطّ، اللؤلؤة الفريدة التي يخلدونها في حكايات الليالي المقمرة، ويترنمون بها على أنغام الحداء الشجية.

يليق اللوفر بأبوظبي، وتليق به. وكان لا بد للمبنى أن يلائم بالمعنى، فجاء تحفة تصادق الضوء والظل والشمس والماء والأفق الرحيب، وتمتد قبته الوادعة سماءً تظلل كونها الخاص، ويا له من كون.. في ممراته وصالاته العابقة بأرواح أعظم المبدعين والفنانين في تاريخ الإنسانية، المعروفين منهم والمجهولين، لتتجلى قيمة التنوع، إحدى أعظم القيم التي تحتاج إليها البشرية لتستعيد البشرية شيئاً من السلام المفقود.

في اللوفر أبوظبي، تتجاور حضارات الشرق والغرب، والقطع الفنية التي نحتتها أياد على شاطئ النيل زمن الفراعنة، والتي رسمتها أنامل فنان على شاطئ السين في باريس. وتتعانق لوحاتٌ الخط العربي التي كتبها فنان هندي قبل قرون، مع ألوان الخزف التي استخلصتها أيادي الصناع المهرة في أرجاء الإمبراطورية الصينية الشاسعة. وتأتلف قطع السجاد التي نسجتها أيادي القرويين في أواسط آسيا، مع المنحوتات العاجية من قلب إفريقيا. وهذه هي رسالة أبوظبي، وأحد أسرار تفردها، وهذه هي رسالة اللوفر التي وجدت المكان اللائق بها.

كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في افتتاح اللوفر تعد وثيقة إنسانية مكتوبة بحروف من المحبة والنور، وقد نطق بلسان أبناء الإمارات جميعاً، حين قال إن "هذا المشروع يمثل جزءاً من إرث مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في حب الإنسانية وخلق التقارب والتواصل بين البشر". وكانت ملامح البشر والبهجة على مُحيّا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تعكس الفرح بالحصاد، حيث كان صاحب السمو هو القوة الدافعة والملهمة وراء عمل مضنٍ استمر عشر سنوات، حيث تابعه لحظة بلحظة، وأشرف بنفسه على كل تفاصيله، وذلل بعزيمته الصادقة كل العقبات، لأن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان كان يرى ببصيرة القائد أن مثل هذا الإنجاز يستحق كل ما يُبذل في سبيله من جهد. إن دولة هؤلاء قادتها، ليس لها إلا أن تكون في صدارة الدول.

حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حفل الافتتاح يعكس إدراكه مكانة أبوظبي، ووعيه بأن فرنسا تكسب الكثير من مثل هذا الحدث، تماماً كما أن أبوظبي تكسب الكثير. إنها معادلة رابحة، يستفيد منها الشعبان الإماراتي والفرنسي، وتستفيد منها الإنسانية. والقادة العظام هم القادرون على إيجاد المعادلات التي يخرج منها الجميع رابحين، على النحو الذي جسدته القيادة الرشيدة في إيمانها بذلك المشروع، وجهودها من أجل إنجازه.

أخيراً، كان الفرح الذي عم الشارع الفرنسي بافتتاح اللوفر أبوظبي يعكس المكانة التي رسختها دولة الإمارات العربية المتحدة، والسمعة العالمية التي ارتبطت بكل القيم والمعاني الإيجابية، فهذا الشعب المعتز بتاريخه وتراثه قد اطمأن تمام الاطمئنان إلى أن واسطة عقد الثقافة الفرنسية، و"جوهرة التاج" التي يزهو بها، قد استقرت في مكان يضيف إليها، ويضفي المزيد من القيمة على اسم اللوفر العظيم.

تشيد تقارير التنمية البشرية كل عام بتجربة دولة الإمارات الرائدة في توفير سبل العيش الكريم لشعبها والمقيمين على أرضها ليكونوا من أسعد الناس في العالم، واليوم تضيف الإمارات صفحة جميلة أخرى إلى سجلها الحافل بالإنجازات، حين تنهض بكل اقتدار للإسهام في المحافظة على الموروث الحضاري والإنساني للبشرية، وحين تجمع تحت قبة اللوفر فيها تلك المجموعات النادرة من التحف والآثار واللوحات من مختلف الحضارات والأديان، مطلقة رسالة محبة وسلام للعالم أجمع، رسالة حفظها أبناء زايد عن الوالد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، الذي كان اهتمامه بالمتاحف لافتاً للأنظار منذ توجيهه بإنشاء متحف العين سنة 1970، وهو المتحف الذي أسهم في رسم الهوية التاريخية العريقة لدولة الإمارات العربية المتحدة.