من افراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.(أرشيف)
من افراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.(أرشيف)
الخميس 16 نوفمبر 2017 / 20:11

الحق البسيط أن يحدث كل هذا

هكذا أنظر الى ما يحدث في تلك البلاد، في أولوية واضحة، وتحت مظلة سؤال شجاع: هل هذا جيد للشباب الذين يشكلون ثلثي البلاد السعودية؟

علينا أن نصدق أن المملكة السعودية تتغير، القيود الكثيرة التي أحاطت بهذا التكوين الخاص، الذي احتفظ بهيئته المبالغ في محافظتها وعبر بها عقوداً طويلة تتفكك، المشهد الساكن الذي واصلنا النظر نحوه كلما تلفتنا إلى الشرق بمكوناته النمطية المحفوظة عن ظهر قلب التي تتكدس في المخيلة مثل قدر لا فكاك منه؛ "المطوعون" الذي يلاحقون الناس في الأسواق والشوارع ليقودوهم الى أقرب مسجد، "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التي تطوف في الشوارع وتطارد المارة بحثاً عن إشارات "إيمانهم"، النساء في عتمتهن وراء الحجب وخلف الزجاج الداكن في المقاعد الخلفية للسيارات الفارهة، التاريخ الغامض للحضارة العربية الذي تم طيه كما لو أنه لم يحدث على هذه الأرض، أو كأنه حادث تحيط به الشبهات، الرواية التي تغطيها الرمال وتنحتها الرياح، حيث يطوي الإهمال الزمن والجغرافيا، الشباب المتبطلون الذين يتسابقون على الكثبان في سيارات الدفع الرباعي، الأثرياء الذين يظهرون في أفلام "هوليوود" بكوفيات بائدة في إشارة لثراء طارئ وكسول، الثروة المبددة على رفاهيات بائسة...، واختصار التاريخ وحمولاته العظيمة وشبه الجزيرة كاملاً بالنفط والصحراء، كل هذا الاستشراق الذي أعيد إنتاجه بإخلاص ودأب في أدبيات السياسة العربية، يفقد الكثير من مصادره، بحيث يبدو بعض اليسار العربي، أقصد اليسار الذي بقي يسارياً بحكم العادة، يتيماً ومجرداً من البضاعة التي تغذى عليها، ومذهولاً لأن ذلك يحدث فعلاً.

الشعارات التي رفعها القوميون واليساريون منذ مطالع خمسينيات القرن الماضي، وما أضيف عليها في النصف الثاني من عقد السبعينيات، متأخرة ربما، ولكنها تأخذ طريقها للتحقق، تلك مفارقة ينبغي الاعتراف بها.

المشهد الذي يقع إلى الشرق، الصورة الثابتة بالأبيض والأسود، تتغير كثيراً وثمة ما يتحرك هناك، كمن يكشف غطاء ثقيلاً لتظهر طرق الشعراء الذين أسسوا للشعر واللغة والمخيلة وأثاروا الأسئلة، الشعراء احتفظت بهم الكتب وعبروا الزمن حتى وصلوا حقائبنا المدرسية ورفوف مكتباتنا، وما زالوا يتجولون بيننا، طرق التجار الذين عبروا الى حواضر الشام وموانئ المتوسط والهند والصين، قصر "السموأل" و"مدائن صالح" ودروب "الشنفرى" وتمرده وفلسفته ورفقة البر، وحصان "مالك الريب" الأشقر العائد من "خراسان"، الحصان الأشقر الذي يدب في أحلامنا وقصائدنا وحيداً كمن يبحث عن ساقيه الميت، حتى تلك المبالغات التي حملت على بساطة "العامري" في هضبة نجد، ثمة ما يمسح الزجاج الغامق في المقاعد الخلفية للسيارات، ويقرأ قوائم لا تنتهي بأسماء عشرات آلاف الشباب/ات العائدين من دراستهم الى بلادهم....

هكذا أنظر الى ما يحدث في تلك البلاد، في أولوية واضحة، وتحت مظلة سؤال شجاع: هل هذا جيد للشباب الذين يشكلون ثلثي البلاد السعودية؟

هل هذا جيد للناس هناك؟

هل هذا ضروري للبلاد؟

لست على دراية بالمستقبل، وليس لدي "سيناريو" أو تحليل أو تكهن لأجلس خلفه، ولكنني أعزل للحظة الهاجس الشخصي، و"فتاوى" السياسة التي تتدفق على المنطقة، والمحاور والتحالفات، أحاول أن أعيد ترتيب الأولويات بالنسبة لفتى سعودي في "عسير" أو "أبها" أو "القنفذة"، أولويات الفتى هي الأهم هنا وليس هواجس السياسيين وتحليلاتهم وتكهنات مصادرهم، أفكر بالخريجين/ات الذين يبحثون عن فرصة عمل، بالمرأة التي تجلس في المقعد الخلفي للسيارة يحجبها زجاج غامق، باكتشاف الجغرافية المتعددة والمناخات المتنوعة، واستثمار جماليات المكان المترامي بين بحرين وخليج يبعثه المحيط، باستعادة التاريخ بشموليته وثرائه، بحق الناس البسيط في أن يحدث كل هذا.