فلسطينيون يحتجون على اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل.(أرشيف)
فلسطينيون يحتجون على اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل.(أرشيف)
الإثنين 11 ديسمبر 2017 / 19:31

خطوات ما بعد الضارة النافعة

القيادة الفلسطينية مدعوة الآن لإعادة النظر في مواقفها والتوجه إلى إعلان إلغاء اتفاق أوسلو وإعلان الاعتراف الرسمي الفلسطيني بإسرائيل وتسليم ملف الصراع إلى الأمم المتحدة والدعوة إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأمريكية

لم يكن إعلان دونالد ترامب اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارته إليها مفاجئا للفلسطينيين والعرب، فقد توقعنا القرار قبل إعلانه بأيام، بل إن بعضنا توقعه لحظة إعلان فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة.

لكن واشنطن فوجئت برد الفعل الشعبي الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي، ووجدت نفسها فجأة أمام إجماع عالمي رافض لهذا القرار الأخرق، ولم يشذ عن هذا الإجماع الرسمي إلا حفنة من الدول الذيلية التي تعتبرها الولايات المتحدة حديقة خلفية لسياساتها، ولم يشذ عن الإجماع الشعبي إلا حفنة من المطبعين الناعقين بحب إسرائيل.

كان الانطباع السائد في واشنطن أن الشارع الفلسطيني مات وطنياً بفعل سياسة التدجين التي مارستها السلطة المتشبثة باتفاق أوسلو لسنوات طويلة وكئيبة، وكان الانطباع الأمريكي أيضاً أن الشوارع العربية منهكة ومنشغلة بملفات أخرى غير ملف الحق الفلسطيني، وأن العالم كله لن يجرؤ على مخالفة أمريكا في هذا القرار المتكئ على خرافة تاريخية لا يؤمن بها إلا اليهود واليمين المسيحي والدواعش ومرجعياتهم الظلامية. لكن ما حدث بدد هذا الانطباع الأحمق وقدم صورة الموقف في المنطقة والعالم على حقيقتها الواضحة في رفض الاحتلال ورفض رعاته.

ورغم كل ما تحمله الخطوة الأمريكية من ضرر فإنها كانت نافعة في هذا السياق، لأنها وضعت الفلسطينيين والعرب والإقليم والعالم أمام حقيقة فشل الرهان على عملية سياسية تتفرد فيها واشنطن لتسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وضرورة الاعتراف ببؤس الرهان على العلاقة مع واشنطن، وإعادة ملف الصراع إلى الشرعية الدولية التي تعترف بالحق الفلسطيني في قرارات أممية تجاوزتها أمريكا بطريقة مستفزة ومنحازة بالمطلق.

قبل هذا القرار الأحمق لم يكن أحد يتوقع أن يرفض رئيس السلطة محمود عباس لقاء نائب ترامب في رام الله، ولم يكن أحد يتوقع أن ترفض مرجعية المسلمين في الأزهر ومرجعية المسيحيين العرب في الكنيسة القبطية استقبال نائب الرئيس الأمريكي. لكن هذا الرفض تحقق وجاء منسجماً مع شارع عربي صار يرى في أمريكا عدواً ضالعاً في شراكة مقيتة وكريهة مع الاحتلال الإسرائيلي.

في ظل ما جرى في الأيام الأخيرة، كان لا بد من إجراءات تتجاوز البيانات والشعارات المرفوعة، وتستجيب، حتى لو بالحد الأدنى لمطالب الجماهير العربية التي تصدح برفض التبعية لأمريكا ورفض الخوف من إسرائيل، وكان لا بد من إجراءات فلسطينية تستجيب للحراك الشعبي والهبة التي ألهبت المدن المحتلة دفاعا عن فلسطينية وعروبة القدس. لكن الإجراءات الفلسطينية تبدو حتى الآن ناقصة ولا تستجيب لموقف الشارع الذي لا يفهم كيف يستقيم موقف القيادة في قطع العلاقة مع واشنطن والإبقاء، في الوقت نفسه، على التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي!

أيضا لا يفهم الشارع الفلسطيني سر تأجيل اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وإصرار الرئيس على عقد هذا الاجتماع بدون حضوره!
لا يقبل الفلسطينيون أيضاً هذا التعامل الرخو مع إبر التخدير والتسريبات التي اضطرت إليها واشنطن بعد رد الفعل القوي على حماقة إعلان رئيسها، وتلميحها إلى أن ترامب يستعد لتقديم خطة جديدة للتسوية ترضي الفلسطينيين! وكان ينبغي أن يصدر موقف رسمي واضح في رفض أي خطة أمريكية قادمة أو سابقة وأي دور أمريكي في الحل لأن الولايات المتحدة هي طرف في الصراع وليست راعية للحل.

هناك أيضاً تساؤل فلسطيني مشروع عن جدوى التمسك باتفاق أوسلو الذي تبرأت منه إسرائيل وتجاوزته واشنطن وقفز عنه ترامب مثلما قفز عن اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة أيضاً.

لن يخوض العرب والمسلمون وأحرار العالم معركة الفلسطينيين نيابة عنهم في الدفاع عن حقهم في تراب القدس وكل التراب الفلسطيني المحتل من رأس الناقورة إلى رفح، فهذه معركة فلسطينية، وينبغي أن يقودها الفلسطينيون كرأس حربة مدعومين من العرب ومن أحرار العالم.

لذا فإن القيادة الفلسطينية مدعوة الآن لإعادة النظر في مواقفها والتوجه إلى إعلان إلغاء اتفاق أوسلو وإعلان الاعتراف الرسمي الفلسطيني بإسرائيل وتسليم ملف الصراع إلى الأمم المتحدة والدعوة إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأمريكية أيضاً والعمل على تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتنسيق مع مصر والأردن في الجهد السياسي، والبحث عن بدائل للأفكار والخطط المطروحة للحل على أساس الدولتين.