في باحة الجامعة الأمريكية في بيروت.(أرشيف)
في باحة الجامعة الأمريكية في بيروت.(أرشيف)
الإثنين 11 ديسمبر 2017 / 19:36

معرض الجامعة الأمريكيّة في بيروت

رسوم مصطفى فرّوخ مثلاً لا نستطيع نسبتها إلى الثورة فهي كاريكاتورات صحفيّة فيها روح الكاريكاتور الصحفيّ، ثمّ إنّنا نجد تحت مسمّى الثورة فنّاً هامشيّاً جانبيّاً

أن يقام معرض عن الشيوعيّة اليوم فأمر بسيط وعاديّ، فالشيوعيّة غدت منذ سقوط الإتّحاد السوفياتيّ وتداعي الشيوعيّات الأوروبيّة، تاريخاً أوذكرى. وعليه فإنّها تستحقّ معرضاً فهي لم تعد تخيف. فحتّى الدول الباقية على شيوعيّتها لم تعد شيوعيّتها معتبرة إلاّ في الحدّ الأدنى. قد تنسب هذه إلى رأسماليّات الدولة أكثر ممّا تنسب إلى الإشتراكيّة. أمّا ما يلفت هنا فهو أنّ المعرض أطلق عليه إسم "مئة عام أقرب إلى الشيوعيّة: الفنّ والثورة في الشرق الأوسط". الإسم كما نرى لافت، عبارة أقرب إلى الشيوعيّة في معر ض الكلام عن تاريخ الشيوعيّة في الشرق الأوسط، فيها تشكيك بانتسابها إلى الشيوعيّة العالميّة. التشكيك قد يشمل كلّ ما يحمل نسبة عالميّة، فإذا كانت شيوعيّة المنطقة "أقرب إلى الشيوعيّة"، فإنّ امتداد هذا الكلام إلى كلّ ما يحمل انتساباً عالميّاً يعني أنّ معاصرتنا هي شبه معاصرة وحداثتنا هي شبه حداثة. لافت أيضاً أنّ ذكرى مئة عام على قيام الشيوعيّة في الشرق الأوسط محلّها الجامعة الأميركيّة، وفوق ذلك فإنّ في المعرض احتفاء بهذا التاريخ. ففي تقديم المعرض يكتب أوكتفيان إيسانو عن "المعارض الفنيّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت" وخاصة عن "شقاء الطريق الّذي يوصل إلى عالم أفضل وأكثر عدلاً". لانرى في هذه العبارة نقداً للشيوعيّة أو اعتراضاً عليها بقدر ما نرى فيها إدراجاً لها بين الطوباويّات المندثرة. هكذا تدخل الشيوعيّة في متحف التاريخ، ولعلّ في تسمية "الشيوعيّة" لا الماركسيّة أو الإشتراكيّة هذا القصد، أي اعتبارها طوبى تاريخيّة.

لا يعتبر المنظمون المعرض احتفالاً، وهذا بطبيعة الحال واضح، فليس في الأمر ما يدعو للإحتفال. علاقة الفنّ بالثورة أي علاقة الفنّ الشيوعيّ بالسياسات الشيوعيّة، إشكاليّة كما يقول إيسانو. لا يوضح إيسانو كيف، لكنّ هذه الملاحظة تردّنا بالضرورة إلى تاريخ الفنّ والشيوعيّة الّذي لم يكن فقط إشكالياً، بل كان من ناحية ثانية عكسيّاً. لقد كانت الثورة محافظة في نظرتها للفنّ ولكن ليست محافظة فقط وقفت ضدّ كلّ تجديد فنيّ او أدبيّ، ودعت إلى التزام فنّ تقليديّ وجماهيريّ. بل وقفت الثورة ضدّ الحريّة والإستلهام الشخصيّ أي ما نسمّيه الصدق الفنيّ بعبارة أخرى. ودعت إلى فنّ مقيّد بإيديولوجيا الدولة وٌقرارات القيادة الحزبيّة. فنّ يزيّن الواقع ويجمّله، أي فنّ يزوّر الواقع والحقيقة ويلهي الناس عن حياتهم الحقيقيّة، ويبيعهم بدلاً منها سراباً وتمويهاً.هذه النّظرة للفنّ والثورة هي ذاتها في كلّ المجتمعات الإيديولوجيّة وفي كلّ الأنظمة العقائديّة. وليس غريباً أن نجدها هي ذاتها في الأنظمة الشيوعيّة والنّازيّة والعقائديّة من كلّ الأنواع.

معرض الجامعة الأمريكيّة مع ذلك، ليس إشكاليّاً فهو ليس بالمدى الّذي ادّعاه. لا نجد بسهولة القرن الّذي هو زمن المعرض. صحيح أنّنا نجد وثائق من بدايات الحركة الشيوعيّة وبخاصّة في لبنان وسوريا، لكنّها وثائق سياسيّة حزبيّة. لا نجد مقابلها ما يوازيها من الفنّ، ولا نستطيع أن نصنّفها أو نزمّنها بحيث نجد لها تاريخاً واضحاً، وبحيث نستخرج من داخلها تراكمات و تحولات وتفرّعات يمكننا معها أن نجد مساراً وتشعبّات لما يمكن أن نسميه "الفنّ الثوريّ" أو نعتبره سياقاً ثوريّاً للفنّ بموازاة التحوّلات الفكريّة والسياسيّة.

ثمّ إنّنا لا نجد هنا بسهولة ما يمكن تسميته "الفنّ الثوريّ" إن من ناحية الموضوع أو الأسلوب أو الدعوة. الأرجح أننّا لا نجد في معظم الرسوم إلاّ ما يمكن أن نسميّه الفنّ النقديّ أوالإصلاحيّ. رسوم مصطفى فرّوخ مثلاً لا نستطيع نسبتها إلى الثورة فهي كاريكاتورات صحفيّة فيها روح الكاريكاتور الصحفيّ، ثمّ إنّنا نجد تحت مسمّى الثورة فنّاً هامشيّاً جانبيّاً. لانستطيع أن نعتبر هذا الفنّ في صميم الإبداع الفنّي خلال مئة عام، في الشرق الأوسط وأين هي الشيوعيّة وأين هو الفنّ الثوريّ إذا استثنينا بلداً كالعراق واستثنينا فنّاناً كجواد سليم مثلاً ومحفورته الّتي توازي الغيرنيكا، وأين يكون الشرق الأوسط حين نهمل مصر ونمرّ عليها مرور الكرام؟ بل أين تكون المئة سنة من تاريخنا السياسيّ والفنيّ؟