(أرشيف)
(أرشيف)
السبت 16 ديسمبر 2017 / 10:03

القضية الفلسطينية حوار مستحق

الأهرام - محمد الرميحي

الجيل الذي انتمي اليه شهد الكثير من القضايا المتفجرة في قضية العرب الكبرى فلسطين، وكانت المشاعر تثور ثم تهدأ، يهب الفلسطينيون والعرب في وضع القضية على جميع المنصات في العالم، ثم يعودون من جديد إلى المربع الأول، هناك نقص يكاد يكون مزمناً في المقاربات السياسية والعلمية لهذه القضية، وهي مقاربات آن الوقت أن توضع على الطاولة للنقاش المسؤول.

نلاحظ هنا حزمة اقتصادية اجتماعية سياسية ثقافية، ساهمت في تطور مسار القضية، كما سارت حتى الآن، إذ استفاد الصهيوني المغتصب من علوم مختلفة تطورت في القرن التاسع عشر في أوروبا التي صدرت أولى الهجرات الصهيونية إلى فلسطين، استفاد من تلك العلوم الحديثة ومنها العلوم العسكرية والنفسية، قبيل وبعد انشاء الدولة اليهودية، كي يستخدمها في قضم الأرض الفلسطينية، والتوسع وشن الحروب، بعد هزيمة 1967 التي أحدث زلزالاً في المنطقة، خُففت الهزيمة إعلامياً باستخدام مفهوم غامض ومضلل وهو "النكسة" بعد أن سميت الخسارة الأولى (1948) أيضاً بمفهوم غامض "النكبة"، توجه كثير من النشطاء إلى البحث عن ساحات أخرى وأيدولوجيات تبحث عن مخرج، فكان نمو وتصاعد ما عرف لاحقاً بـ"الإسلام السياسي" على اختلاف قوس القزح الذي اشتمل عليه "اخوان، سلف، سلف جهادي، ولاية الفقيه" وغيرها من الجماعات النشطة، في صلب شعارات الكثير منها كانت فلسطين، من جديد تم تجاهل عناصر الرفع "العلم الحديث لمواجهة التحدي" واعتمد على "الخرافة".

لقد كان الإخوان في مصر وخارجها ينظرون إلى تجربة عبد الناصر، على أنها حكم "قامع لهم ومعاد للإسلام" لذلك عوقب نظامه وما يدعو إليه بـ "الهزيمة"! وذلك تخريج هزيل، وأشاعوا أن الخروج من ذلك المأزق بالعودة إلى "الإسلام السياسي وحمل راية الجهاد"! هكذا بشكل ضبابي، وتضافر عدد من الأحداث من أجل إنعاش مثل ذلك التصور، خاصة بعد احتلال الاتحاد السوفيتي وقتها أفغانستان المسلمة عام 1979، ووجد عدد من العرب والفلسطينيين أن العودة إلى فلسطين هي من خلال تحرير كابل!، وأخرون من خلال تحرير القاهرة أو أية عاصمة عربية، هو الطريق إلى فلسطين!.

وهكذا أصبحت القضية من خلال بعض ضحاياها "الفلسطينيين" يحملون شعار الإسلام السياسي، كمدخل لحل القضية، فكان عبد الرحمن عزام والزرقاوي وسلسلة طويلة من الذين قادوا "الجهاد" في أراض بعيدة يرون أن ذلك هو الطريق الصحيح لعودة فلسطين، دخل على الخط آخرون، منهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فاستغلت ذلك الشعار القريب عاطفياً إلى قلب كل عربي "تحرير فلسطين"، لتنشئ مشروعاً من الجيوب التابعة لمشروعها التوسعي مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وتقديم مساعدات لفصيل من الفلسطينيين "حماس" من أجل كسب عواطف بعض العرب، ومن ثم التحكم في مقدرات المنطقة، وانطلى ذلك الأمر على كثيرين، وربما بعضهم إلى اليوم.

ما أن يحدث ما حدث في فلسطين إلا وتظهر القضية من جديد، وقد حدث ذلك أول العام الحالي في الصراع الذي انفجر حول الصلاة في الحرم القدسي في يوليو (تموز) 2017، أو نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في ديسمبر (كانون الأول) 2017، القضية هي شاغل الساحة السياسية العربية، تزداد توهجاً عند اندلاع أزمة ثم تختفي، إلا أن كثيرين يرون أن أصل الشرور في الشرق الأوسط في المائة سنة الأخيرة هو اغتصاب فلسطين القضية الأم التي كنا نتحدث عنها في السابق كقضية مركزية، إنها قضية تختفي من شاشة الرادار السياسي العربي، لتعود تظهر من جديد بصور مختلفة، أما بقوة أو من خلف الستار، ولكنها موجودة هناك في خلفية أي صورة سياسية في شرقنا المبتلى، ولكن الاقتراب منها حتى الآن لم يكن اقتراباً علمياً أكثر منه عاطفي!!.

أحد الأخطاء الكبيرة المرتكبة في مسيرة القضية هي التي، مع الأسف، ارتكبت من أبناء القضية، وأنا اقولها بأسف شديد، فالتشرذم الذي أصاب الحركات السياسية الفلسطينية، فيواجه الفلسطيني اليوم خلافاً حاداً بين السلطة الفلسطينية فتح من جهة، وبين حماس في بعض من أوقاته يكون التناقض بينهم أكبر وأوسع حتى من التناقض بين أحدهم وإسرائيل هكذا يبدو للمراقب! في الوقت الذي يعاني الفلسطيني المواطن صلف الاحتلال وتبعاته الكارثية, نرى أن كثيراً من القيادات في واد آخر تماماً، وغير معنية إلا بالشعارات، وكل ما مر يوم بدا أن هذا الشقاق يكبر، وتتدخل في مساره قوى إقليمية ودولية من أجل توسعة الشقة، وإبعاد الوفاق.

وقامت دول عربية عديدة بمحاولات مضنية لجلب الفريقين إلى مكان من التوافق، كما فعلت مصر مراراً والمملكة العربية السعودية، إلى درجة قيام الفريقين بحلف أغلظ الأيمان أمام الكعبة المشرفة، في 8 فبراير (شباط) 2007، ومع ذلك فشلت تلك الجهود، كما فشلت غيرها، ودون توحيد الجهد الفلسطيني، سوف تظل القضية عائمة في وسط صراع ثقيل، وسيبقى الشعب الفلسطيني، مع الأسف الشديد، يعاني أكثر انواع الاضطهاد في القرن الحادي والعشرين، ويؤسف المطلع أن يقول أن قرناً جديداً من الآلام أمام شعب عربي هو الشعب الفلسطيني، جزئياً بسبب الجهل العميق في فهم الظروف الدولية والنضالية المتسارعة حولنا، من قبل قيادات الجماعات الفلسطينية، وجهل لتاريخ حركات التحرير الوطني في العالم، فلم تستطع أي حركة تحرير وطني في العالم الحديث الحصول على نتائج إيجابية، وهي تدخل في الصراع مع مناوئتيها "برأسين" أو أكثر!!.