الإثنين 25 ديسمبر 2017 / 18:42

كيف تعرف إن كان طفلك موهوباً؟

24 - إعداد: الشيماء خالد

تضع العديد من المدارس برامج لتحديد الأطفال الموهوبين باستخدام طرق متعددة، منها اختبارات الذكاء ومراجعة العلامات والمراقبة، والحصول على ملاحظات المعلمين وأولياء الأمور، والتحدث مع الطلاب، وغير ذلك، لكن العديد من خبراء التربية ينصحون أولياء الأمور بعدم الركون إلى ما سبق لتقرير ما إذا كان الطفل موهوباً من عدمه، بل ينصحون بشدة للبحث في هذا الأمر عن كثب.

ويؤكد الخبراء على أهمية تحديد موهبة الطفل أو مواهبه، ويقول عالم النفس التربوي، المتخصص في تقييم الموهوبين، د. ديفيد بالمر، مؤلف كتاب "دليل الآباء لاختبارات الذكاء وتعليم الموهوبين" Parents’ Guide to IQ Testing and Gifted Education: "لا أهم من رؤية الأبوين للطفل، فهما الأقدر على الملاحظة الأولى ومعرفة الطفل الأعمق والأكثر رهافة، وكلما زادت معرفة الآباء بطرق تحديد مواهب أطفالهم مبكراً كلما كانوا أفضل، ففي كثير من الحالات لا تبدأ ملاحظة المواهب إلا في السنة الثانية أو الثالثة، رغم أنه في الواقع يمكن تحديدها قبل هذا".

وتعتبر مسألة تحديد المواهب في سن مبكرة مثار جدل بين العديد من المختصين في التربية وعلم النفس التربوي، لكن العديد من أبرز خبراء الموهوبين يدفعون بأهمية السعي لاكتشاف المواهب مبكراً، ورعاية احتياجاتهم الفريدة من البداية، ويعزو هؤلاء ذلك لفوائد أخرى للكشف المبكر، منها تباين الفروق السلوكية الاجتماعية، واختلاف القابلية للانتباه من طالب لآخر، وغير ذلك الكثير مما يساهم في تحسن العملية التعليمية، وعلاج الأزمات النفسية التي قد يتعرض لها الطفل.

ويقول بالمر: "تساعد فكرة الكشف المبكر عن المواهب بشكل مدهش حين يتعلق الأمر بطفل يعاني من التنمر أو صعوبة التأقلم، كما يمكن اكتشاف اضطراب طيف التوحد، مثل متلازمة أسبرجر، أو اضطراب فرط الحركة، كما أن معرفة معدل الذكاء والقدرات لكل طقل تساعد على تجنب أخطاء محتملة في التعامل معه مستقبلاً".

موهوبون في السر
ويشدد بالمر على أن الكثير من مواهب الأطفال تمر تحت أنوف المعلمين وأولياء الأمور دون أن ترى، حيث أن كثيراً منهم لم يحققوا أداءً متميزاً في الفصول الدراسية، وكثيرون منهم يعانون مشاكل في الانتباه، وهم غالباً غير منظمين، ولا يتوافقون كثيراً من الأنظمة السائدة، لذا غالباً ما يتم تجاهلهم حين البحث عن الموهوبين أو المتميزين.

ويحكي بالمر قصة صبي قام باختبارات عليه بعد طلب من والدته، فيقول: "أذكر ذلك الصبي مايك، في الصف الرابع، وكانت والدته قلقة جداً حيال علاماته المتردية، ونزاعاته مع أساتذته، وابتعاده شيئاً فشيئاً عن جو المدرسة متجهاً لعزلة من نوع ما، خاصة أنه لم يكن محبوباً لدى بقية الطلاب، واستغل البعض مبالغته في ردود فعله حيث أصبح مادة للتسلية، إذ لجأوا لإثارة حفيظته لمشاهدته يصرخ ويفرط في رد فعله، حتى أن والدته فكرت بسحبه من المدرسة إذ أصبح يعتبرها تعذيباً له".

ويستطرد بالمر: "لم تختبر المدرسة مايك إطلاقاً فيما يتعلق بالمواهب، إذا بدا وأنه بلا أي مميزات، عيوب فقط، وغالباً كونه لم يحقق علامات عالية، وهنا الخطأ، فمن قال أن الموهوبين يجب أن يحصلوا على علامات عالية!، وللمفارقة فحين قمت باختبار مايك اكتشفت أن بها أعلى معدل ذكاء، وله أكبر احتماليات تعدد المواهب، مقارنة بالجميع، إذ أن ما حققه من درجات في اختبارات خاصة للكشف عن المواهب ينم عن معدل ذكاء لا يحققه سوى أقل من 1 بين 1000 طفل!".

ويؤكد بالمر أن الخلاصة من هذا الموقف الذي عايشه، أنه في حال حددت مواهب الطفل وقدراته المميزة مبكراً، لاختلفت الصورة تماماً، لو وضع مثلاً طالب كمايك في برنامج بديل أو خاص، لتجنب العديد من المشاكل الأكاديمية والاجتماعية، ولأصبح لمعلميه وذويه فهم بل وإعجاب به، عوضاً عن اعتباره أزمة وصورة فشل يصعب تحسينها.

وبحسب العديد من خبراء التربية، فإن هذا النوع من السيناريوهات ليس نادراً، بل يذهب البعض للقول أن أغلب الموهوبين في المدارس حول العالم لا يلاحظهم أحد، لذا ينادي هؤلاء بأن تكون البداية من الوالدين.

كيف نعرف؟
بدون تقييم مناسب لن تكون الإجابة على سؤال "هل طفلي موهوب؟ وكيف؟"، سهلة على الإطلاق، ويشدد بالمر على أنه لا توجد سمات عالمية ما لشرح فكرة الطفل الموهوب، ويميل المتخصصون في الأوراق البحثية الحديثة للذهاب إلى فكرة التنوع الشديد في المواهب، ونبذ فكرة العلامات التي تجمع عبر أسئلة متنوعة لتحديد موهبة وقدرات الطفل.

ويقول بالمر: "لكن هناك بعض الصفات التي برأيي كثيراً ما يتشاركها الطلاب الموهوبين، ويمكن لتلك الصفات مساعدتنا في الإجابة".

وبحسب باحثين فإن هذه الصفات المشتركة لها علاقة بالخصائص الفيزيائية للدماغ، فالموهبة نتيجة عوامل بيئية وراثية، وكل هذه التأثيرات تؤدي لاختلافات في طريقة عمل الدماغ وتطوره، ويعتقد بعض الباحثين أن المهارات المعرفية المتقدمة لدى الأطفال تعزى في الواقع ولو بشكل جزئي إلة قدرة أدمغتهم على معالجة المعلومات بشكل أسرع وأكثر فعالية من غيرهم في نفس الفئة العمرية".

ويقول بالمر: "فيما يلي سنذكر أبرز الصفات سابقة الذكر، إلا أننا يجب أن نضع في اعتبارنا أن محاولة تحديد الأطفال الموهوبين من خلال مقارنة سلوكياتهم وسماتهم بما هو موجود في قائمة الصفات قد يكون خادعاً بعض الشيء، فالعديد أو حتى أغلب الأطفال سيظهرون بعض هذه الصفات، لذا فمن المهم أن نضع الطفل في سياق المقارنة مع نفس الفئة العمرية، إذا وجدت اختلافات ملحوظة تتسق بشكل ما مع قائمة الصفات، فهذا يعني أن قدرات متميزة موجودة، كما يمكن إضافة نقطة ما إذا لاحظ آخرون كالجيران أو الأقارب أو المعلمين إلخ، على الطفل نفس الصفات أو صفات أخرى ربما لم نلحظها، وأيضاً من المهم أن نضع في الاعتبار أن بعض أشد الموهوبين والأذكياء تميزاً لن يبدو عليهم قدرات أداء متفرد مثل أينشتاين مثلاً في بداياته بالمدرسة".

المهارات اللغوية
غالباً يستطيع معظم الأطفال تمييز العبارات وفهم النصوص المركبة للغة منذ عمر السنتين، فإن الطفل الموهوب يصل هذه المرحلة أبكر من غيره، وما إن يصلوا للمرحلة الدراسية تظهر قدرات لغوية أكثر تقدماً بل وتبدو رفيعة ومنمقة ومتحذلقة أحياناً.

وفيما يلي بعض أبرز سمات الموهبة في تطور لغة الطفل مقارنة بأقرانه:

- يملك مفردات متقدمة للغاية وله القدرة على تعلم كلمات جديدة بسهولة.
- الميل للتحدث بسرعة.
- الاستخدام المبكر لعبارات متطورة باستخدام القواعد اللغوية بشكل لائق.
- القراءة المبكرة، ففي حال منح الطفل الموهوب التوجيهات والفرصة، يظهر أغلبهم قدرة لتعلم القراءة حتى قبل المدرسة.
- الأسئلة الكثيرة حول ما يرى ويسمع، والرغبة في استقبال الشروحات والأجوبة الموسعة.
- القدرة على استيعاب وتطبيق الاتجاهات المتعددة (مثال: اذهب إلى غرفة الطعام، وأحضر العلبة الزرقاء على الطاولة، وضعها في غرفتك على الرف اليسار، وخذ ملابسك المتروكة على السرير وضعها في غرفة الغسيل).
- القدرة على فهم ومشاركة محادثات الكبار بشكل ما، فغالباً يستطيع الطفل الموهوب التقاط الفروق والمعاني المزدوجة للأحاديث في سن مبكر.
- القدرة على تغيير اللغة المستخدمة من قبله بحسب اختلاف الجمهور (مثال، الطفل الموهوب يستخدم لغة أكثر تطوراً حين يحدث الكبار أو الأطفال الأكبر منه عمراً، ويتكلم بشكل أبسط مع الأصغر منه سناً).

قدرات التعلم
كل الأطفال لديهم رغبة فطرية بالتعلم عن العالم حولهم، وعيش خبرات جديدة، واستكشاف علاقتهم بالمحيط، والرغبة بالمغامرة وملاحقة المجهول، وما يميز الطفل الموهوب عن الأخرين هو السلاسة والحبور الغامر وسعادتهم الواضحة حين يقومون بهذا.

وفيما يلي أبرز النقاط المحددة لقدرات التعلم:

- القدرة على التعلم السريع والفعال، وكثير من الموهوبين يستطيعون التقاط المهارات والأفكار بخفة.
- الميل للتركيز على مجال معين، (مثلاً، الحشرات، الحيوانات، الفضاء، الطائرات ..إلخ)، والبحث في هذه الموضوعات بشكل مستقل.
- طرح أسئلة تظهر فهماً أو تفكيراً عميقاً.
-عمق المعرفة، فهم يعلمون عما حولهم أكثر بكثير مما كنت تتوقع.
-ذاكرة مميزة وقدرة لاستعادة ما سمعوه أو شاهدوه أو تعلموه.
- ميل غالب للقراءة وحدهم دون تشجيع من طرف الكبار، وتفضيلهم للقراءة على النشاط البدني.
- حاجتهم لتوجيهات عند البدء بنشاط جديد اقل بكثير من غيرهم، ويفضلون القيام بالأمور بأنفسهم دون مساعدة وعلى طريقتهم.
- التطوير المبكر للمهارات الحركية، كالقدرة على التوازن وتنسيق الحركة، كما يتقدم عادة الأطفال الموهبين عن غيرهم في الأنشطة الدقيقة مثل تجميع - الأجسام الصغيرة كالليغو والبازل والمكعبات والهياكل المركبة إلخ، ومع ذلك قد لا تكون هذه المهارات متطورة عند موهوبين آخرين، فبعضهم لا - يتقنون الكتابة اليدوية أو استخدام أيديهم في الرسم والتشكيل ونحو ذلك، وهذا يرتبط بأن كثير من الأكفال الموهوبين يظهرون عدم اهتمام بالتفاصيل أو نفاذ صبر أمام المهام المحتاجة لوقت أو تركيز.
- السعادة بالحديث مع الأطفال الأكبر أو البالغين حول المواضيع التي تثير اهتمامهم.
- يظهر الموهوبين عادة تفهماً لطريق تفكيرهم الخاصة وتعلمهم، ويقاومون أساليب التعليم المختلفة عن أسلوبهم الخاص في التلقي.
- التفكير الابتكاري، إذ يظهر الأطفال الموهوبين متعة خاصة في إيجاد الحلول للمهام والمعضلات المطروحة عليهم، ويستطيعون الربط بين الأشياء التي لا تبدو متصلة.
- القدرة على التركيز على موضوع يروق لهم لفترة غير اعتيادية، ولكن في الوقت ذاته يجب الوضع في الاعتبار أن الأطفال الموهوبين كثيراً ما ينقلون اهتمامهم فجأة لأمر آخر، ناهيك عن كونهم ملولين في كثير من الأحيان.
- يميلون للتعلم بالمتعة، أو تحويل التعليم إلى مرح، إذ يدفهم الاستكشاف إلى شعور غامر بالسعادة حين استيعاب المفاهيم الجديدة أو المعلومات المثيرة للاهتمام.

السمات العاطفية والسلوكية
غالباً ما يكون الأطفال الموهوبين أكثر عاطفية من الآخرين، ويمكن أن يكونوا أكثر حساسية وتأثراً بظروف الآخرين، وكثيراً ما يظهرون تعاطفاً بقدر عميق مع أحداث ومواقف لا يتأثر بها أقرانهم عادة.

وفيما يلي أبرز السمات العاطفية والسلوكية التي يجب البحث فيها لتحديد الموهوبين:

- في سنيهم المبكرة يظهر الأطفال الموهبين نشاطاً كبيراً، سواء بالاستيقاظ لساعات طويلة، أو بالحركة، وبالسؤال والاستكشاف.
- الميل للحديث الكثير السريع كأنهم يلاحقون أفكارهم، وكثيراً ما يطلب منهم الهدوء أو التوقف، وغالباً ما يثير هذا فيهم الإحباط.
- يميلون لإظهار صفات قيادية، وغالباً ما يصبحون المسيطرين على من حولهم، ويرغبون بتوجيههم، ويرفضون الخضوع، وإن لم كونوا قادة المجموعة ينزوون بعيداً غالباً مترفعين.
- القدرة على فهم الأكبر سناً، حيث قدراتهم ووعيهم المتقدم يمكنهم من استغلال هذا التقدم لصالحهم في التواصل مع الأكبر سناً.
- يستمتعون بالوحدة، ويحبون قضاء بعض الوقت بمفردهم، ولا يخافون عادة من البقاء هكذا لفترة، رغم أنهم كثيراً ما يبدون اجتماعيين محبين لقضاء الوقت مع الآخرين، إلا ان العزلة مريحة لهم، إذ يمارسون أحلام اليقظة والتفكير والمراقبة والكتابة والقراءة إلخ.
- يقدرون الطبيعة غالباً، ويميلون للفنون أو للإعجاب بها، فالأطفال الموهوبين غالباً يفتنهم البحر وأعماقه والغابات وحيواناتها وجمال الطبيعة، ويظهرون انتباهاً حين مشاهدة الرسامين أو الفنانين عموماً في الموسيقى والرقص والنحت وخلافه.

النوع الخفي
إلا أن خبراء علم النفس التربوي يفاجئونا بحقائق متضاربة، إذ يؤكد هؤلاء أن بعض الأطفال الموهوبين قد يظهرون علامات أقل بكثير من الصفات المذكورة سابقاً، أو قد يظهرون ما هو عكسها تماماً، وهو ما يطلق عليه "النوع الخفي" من الموهوبين، فثلاً بعضهم يبدأ الكلام متأخراً للغاية على العكس مما سبق ذكره، وآخرون سيكونون متحفظين عاطفياً بل وجافين، وآخرين يتحدثون ببطء.

ويقول بالمر: "علينا إبقاء هذه الحقيقة في عين الاعتبار حين البحث عن الأطفال الموهوبين أو تحديد المواهب عموماً، فبعض الأطفال يظهرون صفات متفردة فيما يتعلق باللغة، أو السمات العاطفية، إلا أنها لا تظهر استثنائية حين يتعلق الأمر بالتعلم الأكاديمي، بينما يظهر بعض الأطفال ضعفاً في قدرات تعلم محددة تعيق أداءهم في المدرسة".

ويحذر بالمر من تجاهل حقيقة النوع الذي يتعمد التخفي، فيقول: "هناك أطفال مدهشين حقاً، لكنهم تعلموا أن يخفوا اختلافهم ومواهبهم عن الآخرين حتى يكونوا مقبولين في محيطهم، او خوفاً من نقد الآخرين، أو تجنب التوقعات العريضة بشأنهم من الكبار".

وبشأن اختبارات معدلات الذكاء والمواهب، يقول بالمر: "لا أستطيع اعتبارها عادلة تماماً، فكثير من الطلاب لا يظهرون حقيقة قدراتهم في هذه القياسات نظراً لتوترهم من فكرة التقييم أو الاختبار، ناهيك عن اختلاف الأنواع في الأطفال الموهوبين الراغبين في الاتقان أو السريعين أو البطيئين الأكثر دقة أو تأملاً، ناهيك عن أن الجو المنظم والصارم لاختبارات الذكاء ليس ملائماً للنوع الأكثر فوضوية ومزاجية من الأطفال الموهوبين، وهكذا".

بالمقابل فإن الكثير من الأطفال الموهبين يظهرون ضعفاً في جوانب أخرى، مثلاً المتميزين في المهارات اللغوية، يكونون أقل من اقرانهم عادة في المهارات الإدراكية غير اللفظية مثل المهام المرتبطة بالرياضيات، ويقول بالمر: "الأطفال الذين حققوا علامات كاملة في اختبارات قياس الذكاء قد لا يقاسون في نطاق الموهوبين، لكنهم رغم ذلك يظهرون سمات مشتركة مع الموهوبين، فعلى سبيل المثل قد يكون الطفل الموهوب شفهياً، مع مهارات التفكير غير اللفظي المتوسطة، يبقى حساساَ وله ذاكرة ممتازة".

وخلص الباحثون في هذا المجال بحسب بالمر، إلى أن تحديد المواهب قد يكون أمراً مراوغاً، وأن اختبارات قياس الذكاء والموهبة ناقصة وتشكل جزءًا فقط من لغز كبير، يحتاج لتدقيق وصبر ومراقبة من كل من يتعامل معهم الطفل، خاصة ذويه ومعلميه، ولكن غالباً ما يكون الأب أو الأم القطعة الاساسية لحل لغز المواهب الفريدة للطفل.