الرئيس الإيراني حسن روحاني.(أرشيف)
الرئيس الإيراني حسن روحاني.(أرشيف)
الأربعاء 10 يناير 2018 / 20:05

حين صدق روحاني...

حتّى لو صحّ القول بأنّ الإيرانيّين أيّدوا، في 1979، الثورة الخمينيّة ونظامها، وهو قول يحتمل الكثير من النقاش، فإنّهم اليوم، وبعد 39 عاماً على تلك الثورة، باتت تحرّكهم أمزجة وخيارات بالغة الاختلاف

الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني نطق بعبارة واحدة صائبة، تعقيباً على الاحتجاجات التي انفجرت في المدن والأرياف الإيرانيّة. قال ما فحواه إنّ ما اختارته أجيال سابقة من الإيرانيّين لم يعد هو نفسه ما تختاره الأجيال الشابّة حاليّاً. وقد تكون العبارة هذه من نتائج التخبّط الذي يعانيه من يُسمّون بـ "إصلاحيّي" النظام الإيرانيّ و"معتدليه"، وعلى رأسهم روحاني نفسه، بعد حركة الاحتجاج. فهم فشلوا في وعودهم الاقتصاديّة مثلما فشلوا في وعودهم السياسيّة، فلا هم استطاعوا استيلاد الرفاه والبحبوحة، بنتيجة توقيع الاتّفاق النوويّ، ولا هم استطاعوا إنهاء الإقامة الجبريّة التي يخضع لها منذ سنوات موسوي وكرّوبي، قائدا "الثورة الخضراء" في 2009. كما أنّهم، أمام كلّ منعطف أساسيّ في السياستين الداخليّة والخارجيّة، كانوا يتكشّفون عن لاعبين ثانويّين قياساً بالولي الفقيه ومؤسّسة "الحرس الثوريّ".

إذاً يمكن أن تُقرأ عبارة روحاني بوصفها نقداً ذاتيّاً، كما يمكن أن تُقرأ كإقرار بالعجز، وربّما الإفلاس. بيد أنّها، ومهما كانت الخلفيّات، تضع اليد على حقيقة مهمّة: فحتّى لو صحّ القول بأنّ الإيرانيّين أيّدوا، في 1979، الثورة الخمينيّة ونظامها، وهو قول يحتمل الكثير من النقاش، فإنّهم اليوم، وبعد 39 عاماً على تلك الثورة، باتت تحرّكهم أمزجة وخيارات بالغة الاختلاف.

وحين نقول 39 سنة فهذا يعني الشيء الكثير. يكفي هنا التذكير ببضعة عناوين بارزة انطوت عليها تلك السنوات، كسقوط الاتّحاد السوفييتيّ و"المعسكر الاشتراكيّ"، وانتهاء الحرب الباردة بشكلها القديم، وسقوط النظام العنصريّ في جنوب أفريقيا، ونشوب "الحرب على الإرهاب" وما استجرّته من حربين في أفغانستان والعراق، واندلاع الثورات العربيّة بما أسفرت عنه من نتائج إيجابيّة وسلبيّة.

لكنّنا لا نكون مبالغين إذا قلنا إنّ أهمّ التحوّلات، في ما نعنيه هنا، تسارع التقدّم على الصعيد الاتّصالي والتواصليّ، مصحوباً بالتغيّرات الهائلة لهذا الزمن المعولم في ما خصّ التقنيّة والعلوم والطبّ بسائر فروعها. فأمام تسارع كهذا، لم يعد مفهوم "الجيل" يعني ما كان يعنيه قبلاً. ذاك أنّ المفهوم المذكور كان يمتدّ، تبعاً لتعريفه الكلاسيكيّ، على فسحة زمنيّة هي ما بين 30 و33 سنة. إلاّ أنّ حركة الإبداع التقنيّ وما يترتّب عليها من تغيّرات في الأفكار والعلاقات والسلوك قصّرت تلك الفسحة الزمنيّة كثيراً. هكذا غدت سنوات خمس أو ستّ كافية لكي تنتج من الفوارق ما يميّز "جيلاً" عن "جيل". يضاف إلى هذا ما كثر التطرّق إليه في العقدين الماضيين، من أنّ اقتصاد المعلومات يمنح للأفكار والمخيّلة، وبالتالي للحريّة، دوراً لم يمنحه أيّ نمط اقتصاديّ سابق.

وغنيّ عن القول إنّ نظاماً كالنظام الإيرانيّ، منشدّاً إلى "شرعيّة" الثورة الخمينيّة في 1979 وإلى "ولاية الفقيه" بوصفها أساسه الإيديولوجيّ، لا يملك القدرة على مسايرة أيٍّ من التحوّلين، ذاك الذي طرأ على مفهوم "الجيل" وحركة تغيّره المتسارعة، وذاك الذي طرأ على الاقتصاد.

وقد يقول قائل إنّ التطوّرات الضخمة الموصوفة أعلاه لم تحل دون ظاهرات سلبيّة لا تني تتصاعد، بعضها اجتماعيّ يتعلّق بالبؤس والفقر، وبعضها سياسيّ تجسّده الفوضى العارمة وتنامي الحركات الشعبويّة. بيد أنّ هذه الظاهرات نفسها هي، في وجه أساسيّ منها، مقاومة لتلك التطوّرات الإيجابيّة، وهي مقاومةٌ يجوز الجدل بهزيمتها عاجلاً أو آجلاً، من دون أن يجوز التخفيف من آثارها الضارّة والخطيرة. وفي الحالات كافّة، يبقى السؤال المطروح على الحكم الإيرانيّ: إلى أيّ الضفّتين تريد أن تنتمي؟