الأربعاء 17 يناير 2018 / 08:58

قرصان الجو القطري

افتتاحية الخليج

مرة أخرى تقدم قطر دليلاً على انتهاجها سياسة طائشة لا تراعي الحدود الدنيا من روابط الدم والجوار والمصير، عندما أقدمت مقاتلاتها الحربية على ترويع طائرتين مدنيتين إماراتيتين كانتا في رحلتين اعتياديتين إلى البحرين بحجة أنهما اخترقتا مجالها الجوي، وهو ما نفته، على الفور، الهيئة العامة للطيران المدني في الإمارات، مؤكدة أن الرحلتين يعلم عنهما الجانب القطري وفق ما هو متعارف عليه في قانون الطيران المدني الذي يفرض على جميع الدول احترامه بقطع النظر عن الخلافات السياسية والصراعات.

الواضح أن هذا التصعيد القطري كان مقصوداً، وفي هذا التوقيت بالتحديد، بعدما أصبحت الأزمة المستمرة مع الدول الداعية إلى مكافحة الإرهاب على هامش الاهتمامات، وبعدما فشلت كل المساعي الدبلوماسية القطرية في كسب الاستعطاف الدولي للخروج من العزلة، رغم ما اقترفته وسائل إعلامها وخلاياها الالكترونية من تضليل وتشويه بحق الإمارات والسعودية ومصر والبحرين. ويبدو أن الإحباط قد فعل فعله في الدوحة، ودفعها إلى العمل على تحريك الركود والقيام بحركات استفزازية توحي للآخرين بأن منطقة الخليج باتت "على شفا حرب".

ومن يخطط لهذا الفعل، يتوهم أن العالم سيستنفر بكل وسائله وقواه لإنقاذ "الضحية قطر"، لا سيما وأن هذه الخطة جرى تجريبها في السابق عندما أوحى نظام الدوحة بوسائل مختلفة أنه مهدد بغزو خارجي لتغييره والإطاحة به، وقد وجد في ذلك الوهم ذريعة لاستقدام مزيد من القوات الأجنبية، وهو ما حصل مع افتتاح قاعدة تركية، تلاه توثيق العلاقات مع إيران والدخول معها في صفقات ومشاريع تضرب الأمن الخليجي في الصميم. لقد حصل كل ذلك واتسع، على الرغم من أن الدول الأربع كررت في مناسبات عدة أنها لا تفكر أبداً في اتخاذ أي إجراء عسكري ضد الدوحة، لأنه ليس في الحسبان أصلاً، ولأن الشعب القطري شقيق ولا يضمر له أحد شراً، بل المشكلة في النظام الذي استبد به وجعله رهينة في قبضته وأدخله في صراعات ومواقف ما كان لها أن تحدث لو تغلبت الحكمة والتعقل على الطيش والتهور.

طوال أشهر الأزمة خططت قطر لقلب الحقائق وافترت على الدول الأخرى وتهربت من الاستحقاقات والتعهدات التي التزمت بها أمام الأشهاد، ولكنها اكتشفت في الأخير أن كل محاولاتها يائسة ولم تغير شيئاً في المواقف المقابلة. وحين يطول التهميش بالمعزول قد يندفع لفعل أي شيء يلفت إليه الأنظار، من ذلك أنه لن يجد ضيرا في التحول إلى قرصان في الجو يعترض الطائرات المدنية ويروع المسارات الآمنة، وهو ما حدث مع الطائرتين الإماراتيتين. وكان الهدف إحداث بعض الضجيج والصخب.

وكجزء من الإثارة والحبكة الخبيثة زعمت الدوحة أن مقاتلاتها لم تعترض أي طائرة، وهي التي زعمت في وقت سابق أن طائرتين تابعتين لدولة الإمارات اخترقتا أجواءها في مناسبتين في أواخر ديسمبر(كانون الأول) وبداية الشهر الجاري، وهددت بأنها ستتخذ "الإجراءات المناسبة"، وعندما لم يسمعها أحد، سارعت إلى "الإجراءات" وقامت باستفزاز طائرتين مدنيتين من دون وجه حق وسعت إلى التهرب من فعلتها. وحين ينفي الكاذب لا يصدقه أحد، فالسجل القطري في هذا المجال يزخر بالأكاذيب والتناقضات والافتراء على الأشقاء، وربما تكون محاولة قرصنة الطائرتين نهاية لهذا النفق الطويل، فالحل لإنهاء هذه الأزمة لا يتم بالهروب من الواقع، بل بمواجهة الحقائق كما هي والاعتراف بحقوق الأخوة والجوار والحرص على أمنها واستقرارها بعيداً عن جنون السياسات المفلسة.