الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماع للحكومة الفلسطينية (أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماع للحكومة الفلسطينية (أرشيف)
الخميس 18 يناير 2018 / 20:40

إزالة آثار الإنقلاب

"مقاطعة" اجتماعات المجلس المركزي ليست خارج هذا السياق وليست خارج سياسة "تفكيك منظمة التحرير"، في حالة فشل مشروع الاستيلاء عليها، وهو الهدف شبه المعلن الذي تندرج في منظومته سياسات "الجماعة" منذ عقود

لم يشارك الإخوان المسلمون في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني الطارئ في رام الله، الأسباب التي جرى تمرير قرار المقاطعة تحتها لا تبدو مقنعة، ولكنها تنسجم بشكل مثالي مع أسلوب "الإخوان" الذي أصبح كلاسيكياً ومتوقعاً، التمسك البلاغي بالوحدة ورفع سقف الشعارات ووضع ألغام ومصائد كثيرة في التفاصيل، في حالة اجتماع المركزي يمكن إثارة مكان انعقاد الاجتماع أو صيغة الدعوة أو رفض "اقتراح" ما والانتقاد الشخصي للرئيس، وعندما يبدأ الناطقون باسم حماس بمناداة "أبو مازن" باسمه المجرد "محمود عباس" فإن هذا يعني أن حملة ما قد بدأت.

بالنسبة لحركة الجهاد الإسلامي، التي أعلنت مقاطعتها للاجتماع مبكراً، فقد حافظت دائماً على مسافة بينها وبين مؤسسات السلطة المنبثقة عن "اتفاقيات أوسلو"، رغم أن "المجلس المركزي" لا تنطبق عليه هذه الوصفة، فهي لم تشارك في انتخابات 2006 التي جاءت بحماس للسلطة، ولكنها كانت دائماً تتحرك في الظلال؛ انتخابات المؤسسات الأكاديمية، على سبيل المثال، والنقابات أو الدفع ب"مستقلين" نحو المجالس البلدية، تلك المسافة كانت أشبه بمظلة أمان، لا تخلو من حكمة، ومنحتها موقعها كملاذ للغاضبين من شبهات الفساد وسوء إدارة السلطة، والانتهازية السياسية الفجة التي تسم تحالفات "الإخوان المسلمين" وانعكاساتها على حكمهم لغزة.

موقع "الجهاد الإسلامي" ترسخ في السنوات الأخيرة في المحور الذي تقوده إيران مع حذر واضح من الانغماس في فوضى سوريا، وتعزز مع "انقلاب" الإخوان المسلمين على المحور، ولأن "فلسطين" هي الغطاء وكلمة الدخول لأي تحالفات في الإقليم، كان على الحركة الفلسطينية أن تشغل الفراغ الذي تركه انقلاب "الإخوان" وتمنح "محور الممانعة، تحت ضغط الحاجة، الغطاء الفلسطيني المطلوب، وهو ما لم يكن ممكناً دون أن تضحي بموقعها وأن تتصرف بصفتها "الممثل الشرعي والوحيد" لمحور الممانعة، هذا ما فعلته تقريباً، ما أفقدها مساحة المناورة التي كانت تتحرك فيها.

"حماس" التي شهدت تحولات واضحة في انتخابات مستوياتها القيادية مؤخراً ارتبطت بوصول "يحيى السنوار" إلى قمة هرم التنظيم في غزة، والذي قاد بدوره اتجاهاً وضع "المصالحة" في صلب مهماته، بما يعنيه ذلك من تحسين العلاقة مع مصر واستعادة الثقة التي تبددت تماماً في الفترة التي رافقت وصول "مرسي" الى قصر الاتحادية ثم رحلته الطويلة إلى السجن، ونشاط "داعش" و"القاعدة" في شمال سيناء على حدود مصر مع القطاع.

تلك الاندفاعة التي حظيت بالتفاف وطني واسع، وبدا أن ثمة ما يمكن الرهان عليه وطنياً في القيادة الجديدة، ما لبثت أن تراجعت وتيرتها بالتوازي مع انخفاض سقف التوقعات وانزواء الآمال التي بنيت عليها، ومن جديد، فيما يشبه دائرة مريرة من العبث السياسي عادت أفكار "الحرس القديم" وخطابه المتوتر الى واجهة المشهد.

"المصالحة"هي قبل كل شيء الشروع الجدي في "إزالة آثار الانقلاب" وأسبابه والبنية التحتية التي نشأ عليها وتغذّى منها، وليس الاكتفاء "برومانسية وطنية" لن تؤدي إلا إلى تحسين نتائجه، كما كان الأمر دائماً.

"النوايا الحسنة"، في حالة توفرها، لن تكون كافية ولن تشكل ضمانات وطنية بقدر ما ستتحول إلى باب خلفي لإنقاذ السياسي من نتائج أخطائه وتحميلها ل"الطرف الآخر" والناس.

ليس على "الشعب" أن يدفع ثمن "حماقة السياسي" وضيق أفقه، ثم أن يدفع ثمن إنقاذ "السياسي" من نتائج حماقاته وسوء إدارته، ورغم ذلك فإن هذا بالضبط ما يحدث للفلسطينيين.

"إزالة آثار الانقلاب"، يبدو تعريفاً مناسباً وأقرب للواقع من مصطلح "المصالحة" حمّال الأوجه.

لعل البذرة التي تحولت إلى "الانقلاب" تكمن، بالضبط، في نزعة "المقاطعة" ورفض "الشراكة" واقصاء "الآخرين بعد تصنيفهم "كخصوم" والتعامل معهم "كتهديد"، النزعة التي ورثتها "حماس" عن "جماعة الإخوان المسلمين" جينياً.

"مقاطعة" اجتماعات المجلس المركزي ليست خارج هذا السياق وليست خارج سياسة "تفكيك منظمة التحرير"، في حالة فشل مشروع الاستيلاء عليها، وهو الهدف شبه المعلن الذي تندرج في منظومته سياسات "الجماعة" منذ عقود.

بالمقابل تبدو "مقاطعة" حماس وغياب فصائل الإسلام السياسي عن اجتماعات المجلس المركزي أكثر السيناريوهات ملاءمة للرئيس محمود عباس في هذه المرحلة، الغياب الذي يمنحه فضاء للتحرك والتمتع بفرصة "التفرد" في مواجهة السياسة الأمريكية وقرارت إدارة ترامب و"صفقة العصر" التي وعد بها، بحيث تبدو "المواجهة" قراراً قادماً من داخل المؤسسة وبمبادره شخصية منه وليست نتيجة فشل رهاناته السياسية أو ضغوط الفصائل، فصائل الإسلام السياسي على وجه الخصوص.

وهو، ربما، ما يفسر التخبط الذي ظهرت فيه ردود أفعال "المقاطعين" على خطابه الطويل، أو نبرة السخرية التي تركت نقاطاً كثيرة في الخطاب مفتوحة على التأويل.

الصراخ خارج القاعة وتنبيش بيان اجتماع المركزي، وقراءة الوضع التاريخي لفلسطين على ضوء تحليل شخصية "أبو مازن" يبدو مثل مشهد يواصل تكرار نفسه، ولكنه في هذه المرة أكثر بؤساً من المعتاد.