شعار مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي.(أرشيف)
شعار مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي.(أرشيف)
الثلاثاء 30 يناير 2018 / 20:15

رُقيم إيبلا في موسم الهجرة إلى سوتشي

لا تتوقع روسيا نفسها أي نتائج حاسمة للمؤتمر، مؤكدة على ذلك بقصف المدنيين في سراقب (16 كيلومتراً شرق مدينة إدلب)، وإخراج مستشفى الإحسان في المدينة عن الخدمة

هددت روسيا المعارضة السورية، عبر قاعدة حميميم، بتبعات عدم مشاركتها في سوتشي بإجراءات على الأرض، دون أن تتأخر عن التنفيذ، على اعتبار أن تفسير معنى "مناطق تخفيف التوتر" يعود للطائرات الروسية وحدها. هذا على الرغم من تقليل الجانب الروسي من أهمية غياب "بعض المعارضين" عن المشاركة في نتائج سوتشي المكتوبة سلفاً.

وبذلك سيعني "مؤتمر الحوار الوطني" وفق موسكو التصويت على ما اتفقت عليه الدول الثلاث "الضامنة"، روسيا وإيران وتركيا، بحضور هامشي لأكثر من 1500 سوري في المنتجع القوقازي.

على أرض سورية أخرى، أزالت الحملة التركية على عفرين إحدى أهم نقاط الخلاف بين أنقرة وموسكو، بإعلان "حزب الاتحاد الديموقراطي" الكردي مقاطعته لسوتشي احتجاجاً على التواطؤ الروسي التركي ضد الحزب الممثل لـ"قوات حماية الشعب"، بينما سيمثل تسعة من الائتلاف أنفسهم في الذهاب إلى سوتشي، موزعين على "حزب الإخوان المسلمين"/ الجبهة التركمانية، و"المجلس الوطني الكردي"، من بين 120 مشاركاً ستنطلق طائراتهم نحو سوتشي من أنقرة أو اسطنبول.

وحده، "تيار الغد" كان "ديمقراطياً بالإجماع" في تقرير الذهاب إلى سوتشي، على الرغم من ازدواجية تمثيل بعض أعضائه في التيار و"منصة القاهرة"، ليطرح رؤيته للحل في سوتشي، معارضاً للوثيقة المعدة سلفاً للتصويت أو التوقيع.

أما الوفد العملاق المنطلق من دمشق على "أجنحة الشام"، فغنى أعضاؤه في طائرة شركة رامي مخلوف لاسم البلاد المكتوب "ع الشمس الما بتغيب"، في بلاغة افتراضية منفصلة عن واقع الغوطة الشرقية، قبل سراقب وعفرين، التي تدكها طائرات نظامهم، وطائرات النظام الروسي، والطائرات التركية، بقذائف الموت.

في سوتشي، سيحظى رؤساء القوائم، أو من يمثلهم، بحق الكلام، وقد نستمع إلى كلمة من تيار الغد، وتيار قمح، وتيار رندة قسيس، وتيار ريم تركماني، وتيار المجلس الوطني الكردي، وتيار التركمان المدعوم تركياً، وربما تيار الإخوان المسلمين، وتيار بناء الدولة. وفي الحقيقة، بعضهم ليس تياراً، وليس حزباً، لكن فرصة التحدث أمام آلاف مؤلفة، بين مدعوين ومنظمين وصحفيين، ستحول حتى الشحنة الكهربائية السالبة إلى تيار قد يصعقنا نحن المتابعين المنتظرين الفضوليين، على الرغم من التصاقنا بالأرض مع شحنة هائلة في التشاؤم تترجمها بلاغة ".. وأنت الخصم والحكم".

أما ستيفان دي ميستورا، كرئيس للجنة صياغة الدستور السوري، والمتهم بعدم الحياد من المتخاصمين السوريين، فسيأخذ في اعتباره هدية بشار الجعفري، كـ"مانيفستو سلام" صاغه الأجداد السوريون عام 2350 قبل الميلاد، حسب كلمة الجعفري في حفل تسليم الهدية التي قبلها دي مستورا بشكر خجول.

وبغض النظر عما إذا كان الرقيم الإيبلائي (نسبة إلى "مملكة إيبلا" قرب معرة النعمان في إدلب، والمكتشف في موقع "تل مرديخ" في فترة عمل البعثة الآثارية الإيطالية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي) أصلياً، أو كان نسخة مقلدة، ودون السؤال عن مبررات وجود بقية الـ 17 ألف رقيم الأخرى في متاحف أوروبية، جاءت الحادثة في ظاهرها رشوة على الأقل صريحة للمبعوث الأممي الذي يبحث عن نجاح معنوي لمهمته "السامية" في تحقيق السلام في سوريا، ليفاخر به كنجاح وحيد في سيرته السياسية المتخمة بالفشل. بالطبع، يستحق "الرفيق ديمستورا" هدية مقدمة سلفاً من زميله في الأمم المتحدة، الجعفري، باعتبار ما سيكون من نجاحه.

وبناء على قائمة الحضور، لا يرى كلٌّ من روسيا، ودي مستورا، ووفد "شعب بشار الأسد" الغفير (1300 مواطن)، في غياب المعارضة (الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات) عاملاً مؤثراً في نجاح المؤتمر، أو فشله. معهم حق في ذلك، فالهيئة منزوعة الأسنان تماماً، وليس لديها خيل ولا مال لتهديها إلى موسكو، أو واشنطن، أو دي ميستورا. وليس لديها جيش يأتمر بأمرها، أو صواريخ تخيف الطائرات. والأهم، ليس لديها التفويض الشعبي المعنوي حتى في مجتمع فيسبوك السوري، أو في تويتر ترامب وماكرون اللذين أعلنا مقاطعة أمريكا وفرنسا لمؤتمر سوتشي.

قد تكون مقاطعة الهيئة للمؤتمر مستندة إلى الموقفين الأمريكي والفرنسي، إضافة إلى البلاغة السياسية للبريطانيين، والإدانات الخجولة للجان الأمم المتحدة التي تحقق في انتهاكات النظام لـ"قوانين الحرب"، واستخدامه السلاح الكيماوي في المعارك عشرات المرات، ما يعني أن التقدير السياسي لنصر الحريري وفريقه يقرأ فشل روسيا وحلفائها في فرض حل سياسي منفرد دون مشاركة أمريكا خاصة.

وفي الساعات الأخيرة قبل تأجيل عقد المؤتمر لأربع وعشرين ساعة، مرشحة لتأجيل يوم آخر، يأمل الروس في إقناع الهيئة بالحضور في ربع الساعة الأخيرة، لكي يكتمل "نصاب.. الشعوب السورية"، ويتم لروسيا تسويق منطق أن المعارضة وممثلي النظام اتفقوا في سوتشي على الحل، والدستور، والفترة الانتقالية، والانتخابات.

مع ذلك، لا تتوقع روسيا نفسها أي نتائج حاسمة للمؤتمر، مؤكدة على ذلك بقصف المدنيين في سراقب (16 كيلومتراً شرق مدينة إدلب)، وإخراج مستشفى الإحسان في المدينة عن الخدمة.

بموازاة ذلك، تبدو تركيا الأكثر ارتياحاً لهوامش سوتشي، فتوقيت الحملة على عفرين غيَّب عدوها التاريخي، "حزب الاتحاد الديمقراطي" عن المؤتمر، دون جهد سياسي مناقض للرغبة الروسية. بينما يرتاح النظام الأسدي، والجعفري، في دمشق، ما دام رُقيم معاهدة السلام الإيبلائية ينوب عنهم في الحضور.