الثلاثاء 30 يناير 2018 / 20:08

طبول الحرب

تقول إحدى شخصيات رواية السعادة لسامر أبو هواش ناقلة الحديث بينها وبين المرأة التي يحبها "يجب أن أقول لك بصراحة تامة: أنا لا أستطيع منحك السعادة، ولا أعتقد أن السعادة شيء موجود أساسا اتفقنا…نظرت في عيني وقالت لي : ومن قال لك إنني أطلب أو أتوقع منك السعادة، ومن فتح سيرة السعادة أصلا… كل ما أمله هو ألا تكون سببا لتعاستي اتفقنا" ص9

إن السارد هنا يتفق مع محبوبته على الإقامة في منطقة وسطى بين السعادة والتعاسة، لا تضمن أي درجة من درجات السعادة المتخيلة، لكنها تستبعد التعاسة تماما.

في رواية امرأة الجزيرة السوداء، الأمر يتكرر مع فهم آخر للسعادة، فأليسا تذكر أن أمها " لم تعتقد أنها جديرة بأن تحيا حياة مأساوية، لكنها أيضا لم تكن سعيدة، أو بالأحرى كانت لديها فكرة مختلفة عن السعادة، فهي سعيدة إذا كنت أنا سعيدة" ص 185. هذه هي السعادة الناقصة، حين تقترن بشخص آخر، ولا تنبع من داخل الإنسان.

للأفكار قوة تؤثر في طعامك ونومك، وأسلوبك في الحياة، وفي اختياراتك واستمتاعك بها، وفي البيئة من حولك من خلال جذب الآخرين إليك، لأن الطيور على أشكالها تقع.

المرء هو من يقرر أن يكون متفائلاً أو متشائماً، هذا ما تفطن إليه الفتى، في رواية الكيميائي، حيث" لا تزال الشكوك تساوره في القرار الذي خلص إليه،، لكنه كان قادراً على استيعاب شيء يقول إن الوصول إلى قرار هو مجرد بداية الأشياء، وعندما يتخذ المرء قراراً فإنه يغوص في تيار جارف يحمله إلى أماكن، لم يحلم بها عند اتخاذ قراره" ص 71

ما ذكرته من أمثلة من الروايات ليست إلا وعيا ذاتيا لهذه الشخصيات بعواطفها وبأفكارها، ما يعني أنها تلاحظ تدفقها وتطورها، من أجل أن يحدد الإنسان في ضوء ذلك ما يريد، وأي قرار يتخذ.

الوعي الذاتي يستوجب ملاحظة الذات وتحولات الأفكار. ملاحظة مستمرة مع التعديل الدائم، لأن ما ترسخ على مدار السنين، حيث أن للأسرة والمدرسة والمجتمع دور في ذلك، هي أفكار عن الذات غذتها التفاصيل، أسبغ عليها الإنسان مشاعره وانفعالاته، لتزيدها قوة وفعالية، فتتحول إلى معتقد قد لا يُفكر فيه المرء ولا يناقشه، يتقبله حقيقةً، لكن يمكن للحوار مع الذات والآخرين أن يكشف هذه الجوانب.

 مثل تلك الفتاة التي آمنت بأنها قبيحة، بسبب تعليقات أختها رغم جمالها، وذلك الذي كان يرى نفسه غبياً بسبب تعليقات المعلم عليه، لكنه تجاوز ذلك فأصبح نابغةً في الرياضيات.

الأفكار قد تصعد بالإنسان إلى التفاؤل فينعم، أو تنزل به إلى الدرك الأسفل من التشاؤم والشقاء.

هذا الوعي يدفع لتصحيح مسار الأفكار، التي تتحول إلى سلوك، فمن الذي يشن الحرب العاطفية؟ من يقرع طبولها؟ ولماذا؟

هي حرب عاطفية قد يشنها الإنسان، ضد ذاته دون وعي منه، حين يتركها فريسةً للأفكار السلبية المتشائمة، يدق طبولها فيبث تشاؤمه وسلبيته في من حوله، إنه ينسج القصص عن زميل ترقى، لأن حظه قوي، معارفه كُثر، ليخفي حقيقة تميز هذا الزميل في عمله، في حين أنه متقاعس عن العمل، لا يبذل جهداً حقيقياً.

لو تفطن إلى ذاته ووعى جيداً، لاستطاع أن يحول ذلك إلى حب للذات، بتقديرها وبمعرفة مواضع ضعفها فيقويها، مواضع تميزه ليستثمرها.

وعي الذات بتبني الأفكار الإيجابية والمبادرة، فيصحو كل يوم مفعما بالأمل والعمل، وبأن هذه الحياة جديرة، بأن تعاش.

قرار الحب أو الحرب يبدأ كم الإنسان نفسه، هو الذي يلون الحياة بألوان تناسب أفكاره، حين يمرّ بالمرء ضغوط العمل أو ظروف الحياة، فإنه ينفجر إيجابياً بالصبر والتحمل والتكيف، وبتحويل المنحة إلى منحة، أو ينفجر غضباً على من حوله، فيخسر سلامه النفسي وهدوءه، وقد يجرح من يحبه، فأيّ قرار تريد أن تتخذ؟