شاحنة مساعدات للأونروا لفائدة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا (أرشيف)
شاحنة مساعدات للأونروا لفائدة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا (أرشيف)
الثلاثاء 6 فبراير 2018 / 20:36

شياطين أزمة الأونروا

ثمة شياطين تكمن في تفاصيل نظرة الفلسطينيين الملتبسة لـ"الأونروا" منذ تأسيسها غداة نكبتهم الأولى حتى القرار الأمريكي الأخير بخفض المساهمة في موازنة الوكالة التي يتفاقم عجزها منذ سنوات.

لم تترك طريقة تعاطي اللاجئين الفلسطينيين وقياداتهم مع اجراءات وأساليب عمل الوكالة مجالاً لاستبعاد شكوكهم حول تورطها في مخططات ومشاريع لتوطينهم في أماكن وجودهم

توحي مذكرات القادة والنشطاء ووجهاء المخيمات الذين عايشوا "الأونروا" في بداياتها وخلال العقود اللاحقة لإنشائها ـ وساهموا مع غيرهم في احتجاجات ضدها والتشكيك في دورها ـ بنوع من التعايش بين الخيارات الضئيلة المتضاربة في معظم الأحيان والأسئلة الصعبة المرتبطة بالوكالة التي اكتسبت فرادتها من ارتباطها بواحدة من أكثر القضايا تعقيداً على وجه البسيطة.

لم تترك طريقة تعاطي اللاجئين الفلسطينيين وقياداتهم مع اجراءات وأساليب عمل الوكالة مجالاً لاستبعاد شكوكهم حول تورطها في مخططات ومشاريع لتوطينهم في أماكن وجودهم.

جاءت هذه الشكوك على الأغلب من التفسير المؤامراتي لمسار الاحداث الذي انتهى بالنكبة وما أفرزته من شعور بالظلم وإحساس بالخذلان أبقيا على نزعات التمرد بين سكان الخيم وعلب الصفيح التي تحولت إلى أحياء معزولة تتغير طبيعة علاقتها مع البلدان والمجتمعات المضيفة بتحولات القضية الفلسطينية ومتغيرات الأوضاع في هذا البلد أو ذاك وحاجته لاستخدام الفلسطينيين وقضيتهم في معادلاته الداخلية وسياساته الخارجية.

في المقابل تمسك الفلسطينيون منذ نكبتهم بالوكالة، التي اقترنت في مخيلتهم بامتهان الكرامة وناصبوها العداء المضمر والمعلن، باعتبارها ضمانة لعودتهم الى مدنهم وقراهم ووضعوا أي حديث حول تفكيكها في إطار محاولة تصفية قضيتهم.

علاوة على كونها ضمانة مفترضة لعودة اللاجئين إلى بلادهم لم تتوفر الجهة القادرة على سد الفراغ التشغيلي والخدماتي الذي يمكن أن ينجم عن الغياب المحتمل للأونروا.

لا يخلو الأمر من تقدم أحد عناصر معادلة النظرة الفلسطينية للوكالة ـ التي تراوح بين رفض الأونروا والتمسك بها، على الآخر مع زيادة وانحسار فرص التسوية السياسية التي تتصاحب عادة مع ميل القادة الفلسطينيين إلى التجاوب مع احتمالات تجنيس اللاجئين وتوطينهم في أماكن وجودهم أو إيجاد أوطان جديدة أو المساومة على مثل هذا الخيار لكن التغيرات الداخلية للمعادلة لم تنه حضورها في التفكير السياسي الفلسطيني مما ساهم في المحافظة عليها باعتبارها دلالة على المظلومية وأداة محتملة للتعامل مع استعصاء قضية اللاجئين في حال وصول عملية السلام إلى محطتها الأخيرة والشروع في الاستجابة مع إفرازات هذه العملية.

بعض الحدة التي يظهرها تعاطي القيادة الفلسطينية مع تزايد احتمالات انهيار الأونروا ناجم عن قصور رؤية المتغيرات التي تهدد نمطية التفكير والنظرة التقليدية للوكالة وتوظيفاتها والإحساس بوصول الرهانات الفائتة إلى طريق مسدود يملي إعادة نظر بمجمل الظروف المحيطة وتقليب الخيارات وصولاً الى التعامل مع الوكالة وغيرها من زاوية مختلفة بدلاً من محاولات إخضاع المتغيرات للمعادلة النمطية المرتبكة.