الفيلسوف الألماني هيغل (أرشيف)
الفيلسوف الألماني هيغل (أرشيف)
الأربعاء 7 فبراير 2018 / 20:14

أصول فلسفة الحق

الحق عند هيغل يعني الاستقامة، الصحيح، العادل، القانوني، والمعاني من الناحية الأخلاقية تعني الخير، وهناك تعبير اليد اليمنى التي يشعر مَنْ يستخدمها أنها اليد الصحيحة، وربما لهذا السبب يشعر اليساريون بالضغينة ناحية هيغل، فهم بشكل ما، يفكرون باليد اليسرى، وليس بفص الدماغ الأيسر، طالما أن فص الدماغ الأيسر، يتميز بوجود مراكز قدرات الحسابات العقلية، ومهارات الكتابة والقراءة، والتحليلات المنطقية.

في الزمن المعاصر، زمن الفوضى الخلاقة، زمن ميوعة الديموقراطية، وخفتها التي لا تُحْتَمَل، زمن عملة البيتكوين الافتراضية الاحتيالية، زمن التويتر والفيس بوك، زمن حقوق الإنسان، زمن الحريات الميكروسكوبية، المتناهية في الصغر، التي لا تُرى بالعين المجردة، فقدنا القانون، وتعريفاته الهيجلية، فقدنا فلسفة الحق وأوصولها

إذا كان الحق بهذا الشمول، فلا بد له من الاصطدام بشيء استثنائي، بتمزق في النسيج، بشيء يُعكِّر ماء الحق الصافي، إنه الخطأ. العلاقة بين الحق والخطأ، تُشبه العلاقة بين الماهية والظاهر، فالخطأ هو مظهر سطحي من هذا النوع، وهو حين يختفي، يكتسب الحق طابع الشيء الصحيح. ماهية الحق، العميقة، هي نفسها مبدأ الحق. هناك ثلاث درجات من الخطأ، أولاً الخطأ غير المُتَعَمَّدْ، أو الخطأ الذي لا يحمل سوء طوية، وهو موجود في الحياة اليومية، تنازع على ملكية أرض أو عقار. الأطراف المُتَنَازِعَة هنا، لا يُنكر أحد منها الحق بصفة عامة، لكنه يُنكر حق خصمه فقط. ثانياً خطأ النصب والاحتيال، والفرد هنا يوحي للآخرين، ويوهمهم، بأنه يعمل وفقاً لقانون الحق، إلا أنه يعلم تمام العلم، في سريرته، بأنه يعمل ضد قانون الحق، ولهذا فإن الحق في هذه الحالة، يكون في نظر النصَّاب أو المحتال، مظهراً سطحياً.

إحدى سمات هيغل العظيمة، هي إغراق نقطة الشمول بشمول أكبر، فيقول زيادةً وتفصيلاً، على النوع الثاني، وهو خطأ النصب والاحتيال، الخطأ هنا لا يكون مظهراً سطحياً من وجهة نظر الحق، بل هو ماهية عميقة تُجابه الحق، وتُنازِع وجوده، وكأنّ الخطأ ينتحل صفات الحق بمجرد حدوثه.

ثالثاً الخطأ كجريمة، إن الخطأ بالمعنى الكامل للكلمة، هو الجريمة، والجريمة لا تُظهر احتراماً لمبدأ الحق، ولا لما يبدو لأحدٍ حقاً، هنا فقط نجد انتهاكاً للجانبين معاً، الذاتي والموضوعي، فالخطأ في حالة الجريمة، خطأ في ذاته، ومن وجهة نظر الخاطئ أيضاً، الذي لا يهدف إلى أن يعتقد الشخص الذي تقع ضده الجريمة، أن الخطأ حق، كما في حالة النصب والاحتيال. وعلى ذلك فالفرق بين الجريمة وبين النصب أو الاحتيال، هو أن صورة الفعل في حالة النصب والاحتيال، لا تزال تتضمن معرفة الحق، وهذا ما تفتقر إليه الجريمة، فالمجرم لا يعترف بقانون الحق على الإطلاق، ولا يوهم الناس أنه يسير وفقاً له، لكنه يلغيه صراحةً، وما يلغيه ليس الحق الجزئي لفرد آخر، لكنه ينفي الحق الكلي بما هو كذلك.

الجريمة سلب للحق عن طريق فاعل عاقل، وهي بهذا الشكل، لون من ألوان التناقض، فهي واقعة موجودة، لكنها مع ذلك عدم، لأن المجرم بإنكاره للحق بما هو كذلك، فإنه يُنكر حقه الخاص، فهو ينفي الطابع الأساسي الذي لا يُمكن استلابه، وهو الطابع الذي يجعله موجوداً عاقلاً، ومن هنا فإن ماهية العقاب هي الجزاء.

يرى هيغل أنه في حالة الخطأ غير المُتعمد، وهو النوع الأول من الخطأ، فإنه لا توجد عقوبة، أما في حالة النصب والاحتيال، الخطأ الثاني، فتبدأ العقوبة في الظهور، لأنه هنا يوجد انتهاك للحق، وطالما هناك انتهاك وسلب للحق، فلا بد من أن يُسلب هذا السلب من جديد، أما السلب الكلي للحق في حالة الجريمة، الخطأ الثالث، فتكون فيه العقوبة أعلى ما يُمكن، حتى يسترد الحق مكانته، ويعود إلى نفسه من جديد، فالجريمة تُغَيِّب الحق مؤقتاً، وعودة الحق لا تكون إلا استعراضية، نيتشوية، محمولة على الأعناق.

في الزمن المعاصر، زمن الفوضى الخلاقة، زمن صراع الحضارات ونهاية التاريخ، زمن ميوعة الديموقراطية، وخفتها التي لا تُحْتَمَل، زمن الزومبي، زمن عملة البيتكوين الافتراضية الاحتيالية، زمن التويتر والفيس بوك، زمن العولمة، زمن ما بعد الحداثة، زمن حقوق الإنسان، زمن الحريات الميكروسكوبية، المتناهية في الصغر، التي لا تُرى بالعين المجردة، فقدنا القانون، وتعريفاته الهيجلية، فقدنا فلسفة الحق وأوصولها، وأصبحتْ جرائم الأفراد والدول، تُعامَل معاملة الخطأ الأول الهيغلي، ولكي يسترد الحق القانوني مكانته، عليه أن يُعامِل الخطأ الأول والثاني الهيغلي، مُعامَلَة الخطأ الثالث الهيغلي، وسيُتَّهَم الحق القانوني في البداية بالفاشية، وبالشظف الروماني، ومَنْ سيتهمه هم أصحاب الجرائم المُتَعَمَّدَة، وأصحاب الجرائم غير المُتَعَمَّدَة، وأصحاب عمليات النصب والاحتيال.