الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ ب أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ ب أ)
الإثنين 19 مارس 2018 / 14:14

بوتين.. من ضابط الاستخبارات إلى قيصر روسيا الجديد .. القوي!

بعد أكثر من 18 عاماً في الحكم، أصبح فلاديمير بوتين، رمزاً لعودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية، مقابل توتر غير مسبوق مع الغربيين، وتراجع واضح في وضع حقوق الإنسان في بلده.

وبحصوله على 76,67% من الأصوات، بعد فرز أكثر من 99% من بطاقات التصويت، سيبقى بوتين في الكرملين لولاية رئاسية رابعة، حتى 2024 السنة التي سيبلغ فيها عامه الثاني والسبعين.

رجل الاستقرار والرخاء
وصل هذا الضابط السابق في جهاز الاستخبارات السوفياتي "كي جي بي" إلى الرئاسة في العام 2000، في بلد لا سلطة مستقرة فيه واقتصاده منهار. ويرى فيه كثيرون رجل الاستقرار والرخاء الجديد بفض العائدات النفطية الوفيرة، بينما ينتقده معارضوه مشيرين إلى تراجع واضح في حقوق الإنسان والحريات.

وأمام مئات من أنصاره الذين تجمعوا في أجواء الصقيع في موسكو، رحب بوتين بنسبة فوزه التي رأى فيها دليلاً على "ثقة شعبنا وأمله".

على الساحة الدولية، عمل الرجل الذي وصف تفكك الاتحاد السوفياتي بـ "أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين"، على إعادة نفوذ روسيا في العالم، بعدما تدهور مع سقوط الاتحاد السوفياتي وسنوات الفوضى في عهد بوريس يلتسين.

ولتحقيق ذلك، يتبع الرئيس الذي يمارس رياضة الجودو، أسلوباً يعتمد على كفاح دؤوب وثابت بحثاً عن مؤشرات ضعف لدى خصمه، كما قال بنفسه في 2013 رداً على مواطن روسي طلب منه بذل كل ما بوسعه من أجل "اللحاق" بالولايات المتحدة و"تخطيها"، في شعار قديم من الحقبة السوفياتية.

توترات خارجية
هذا الأسلوب طبقه بنجاح في سوريا حيث أدى التدخل العسكري الروسي منذ 2015 لدعم نظام دمشق إلى تغيير مسار الحرب وسمح للرئيس بشار الأسد بالبقاء في السلطة، مثيراً غضب الغربيين الذين تخطتهم الأحداث إلى حد ما.

وفي السنة السابقة، قدم بوتين نفسه على أنه الزعيم الذي سيرمم "روسيا العظمى" بضمه شبه جزيرة القرم الأوكرانية بعد تدخل القوات الروسية. ونظم فيها استفتاء نددت به الأسرة الدولية وكييف، معتبرة أنه غير شرعي.

هذه العملية عززت نفوذه ومكانته في الداخل، لكنها أثارت أسوأ أزمة منذ نهاية الحرب الباردة بين روسيا والغرب الذي يتهم موسكو أيضاً بتقديم دعم عسكري لحركة التمرد الانفصالي في شرق أوكرانيا، وهو ما ينفيه الكرملين.

وإلى جانب التوتر المرتبط بسوريا وأوكرانيا، أضيفت منذ انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتهامات بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وأخيراً جاءت أزمة غير مسبوقة مع لندن بعد تسميم عميل مزدوج روسي سابق وابنته في بريطانيا.

وسعى الرئيس الروسي المولع بالرياضة، لفرض بلاده التي تستضيف هذه السنة نهائيات كأس العالم لكرة القدم، قوةً رياضية أيضاً.

وسبق لروسيا أن نظمت في 2014 دورة الألعاب الأولمبية الأكثر كلفة في التاريخ في منتجع سوتشي الساحلي.

غير أن أحلام الكرملين في هذا المجال تصطدم باتهامات بالاستخدام الممنهج للمنشطات منذ صدور تقرير ماكلارن عن ذلك منذ 2016.

لم تكن خلفيات بوتين تمهد لوصوله إلى الكرملين.

ولد فلادمير بوتين في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 1952 في عائلة عمالية تعيش في غرفة واحدة بأحد المساكن المشتركة في لينينغراد "سان بطرسبورغ" سابقاً.

وروى بوتين على موقع إلكتروني مخصص لسيرته قائلاً: "جئت من عائلة متواضعة وعشت هذه الحياة فترةً طويلةً جداً".

وقال إنه تعلم درساً من شبابه في شوارع لينينغراد مفاده "إذا كانت المعركة حتمية، عليك تسديد الضربة الأولى".

عميل سوفياتي
درس الحقوق وانتسب إلى جهاز الاستخبارات السوفياتي السابق "كي جي بي" وأصبح عميلاً له، ثم اصبح بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، مستشاراً في العلاقات الخارجية لرئيس البلدية الليبرالي الجديد في سان بطرسبورغ.

وبعد ذلك واصل صعوده بسرعة.

في 1996 استدعي إلى موسكو للعمل في الكرملين، وفي 1998، عين على رأس جهاز الأمن الفدرالي "إف إس بي" وريث الكي جي بي، قبل أن يعينه الرئيس بوريس يلتسين الذي كان يبحث عن خلف قادر على ضمان أمنه بعد تقاعده، بعد عام واحد، رئيساً للوزراء.

أعجب يلتسين والمحيطون به بتكتم هذا الرجل وفاعليته.

واعتقد بعض المقربين من الرئيس أنه سيسهل عليهم التحكم فيه، غير أن فلاديمير بوتين باشر إعادة بناء سلطة الدولة بتنظيمه "خط سلطة عمودي" تابع له حصراً.

وفي 1 أكتوبر (تشرين الأول) 1999 بعد سلسلة اعتداءات، أطلق حرب الشيشان الثانية، النزاع الدامي الذي تخللته تجاوزات ارتكبها الجنود الروس وقصف عشوائي لغروزني.

وشكلت الحرب أساس شعبية الرجل في روسيا وبنت صورته رجلاً صارماً لا يخشى القرارات الصعبة.

وعند استقالة يلتسين في نهاية 1999 واختياره رئيس وزرائه ليشغل خلفاً له، كان بوتين قد فرض نفسه رجل البلاد القوي الجديد.

"هياكل القوى" في حكومته
فاز بوتين في 2000 وبسهولة في الانتخابات وسرّع وتيرة الإمساك بالسلطة مستنداً إلى "هياكل القوى" أي الأجهزة السرية والشرطة والجيش من جهة، وإلى المقربين منه من سان بطرسبورغ من جهة أخرى.

تحرك بوتين بسرعة لضبط رجال الأعمال الذين كانوا قريبين من السلطة وحققوا ثروات طائلة بعد خصخصة مشبوهة في التسعينيات.

واستبعدهم من اللعبة السياسية وسجن من قاوم منهم، مثل رئيس مجموعة "يوكوس" النفطية ميخائيل خودوركوفسكي الذي أطلق سراحه في 2013 بعد عشرة أعوام في السجن.

وعمل الكرملين على ضبط الشبكات التلفزيونية التي كانت تتمتع بحرية تعبير موروثة من التسعينيات لم تكن لترضي بوتين، حتى باتت الشاشة الصغيرة في خدمته.

وفي 2008، عهد بوتين بالكرملين إلى رئيس الحكومة دميتري ميدفيديف لأربع سنوات، عملاً بالدستور الذي لم يكن يسمح له سوى بولايتين رئاسيتين متتاليتين، وتولى بدوره رئاسة الحكومة.

ومع الإعلان في نهاية 2011 عن نيته في العودة إلى الرئاسة لولاية جديدة، مُدت في الأثناء إلى ستة أعوام، شهدت البلاد احتجاجات غير مسبوقة.

غير أن التعبئة تراجعت بعد فوزه السهل بالرئاسة في ربيع 2012، تلتها حملة قمع جديدة للمجتمع الروسي مع إقرار قوانين وصفتها المعارضة بأنها تقضي على الحريات، وتشديد القمع ضد أي شكل من الاحتجاجات.

حياته الخاصة
وبوتين الأب لابنتين والمطلق منذ 2013، متكتم جداً حول حياته الخاصة، ويحرص على صورة الرجل البسيط الذي يعيش "حياة عادية" ويهوى "الروايات التاريخية والموسيقى الكلاسيكية"، مثلما وصف نفسه في أحد لقاءاته مع شبان روس.

لكنه لا يتردد في الظهور في مناسبات عدة، ممارساً الجودو أو عاري الصدر على حصان في غابات التايغا الروسية، أو قائداً لطائرة إخماد حريق.