من مسرحية "حكي نسوان" للينا أبيض.(أرشيف)
من مسرحية "حكي نسوان" للينا أبيض.(أرشيف)
الإثنين 19 مارس 2018 / 19:48

الذكاء والشعبوية

السوبرمان وهو المثال الرجولي يوجد في الأب بالنسبة للإبنة التي يرفعها أبوها المواطن الصالح المطيع للقانون كلما عاد من عمله ويتجول بها في المنزل قبل أن يلقيها على سرير النوم

"حكي رجال" للينا خوري تأتي بعد سنوات من عرض «حكي نسوان»، المسرحية التي لعبت وقتاً مديداً وحظيت بجمهور كثيف نسبياً، المسرحية الثانية ولو امتد الوقت بينها وبين المسرحية الأولى، تأتي مقابلها وتبدو كجزء ثانٍ لها. ومع أن العرض الأول هو للصحافيين والمهتمين والأصدقاء فإن الصالة غصت بالحضور الذين تابعوا المسرحية بانتباه وشغف نستشفه من قهقهاتهم وتفاعلهم المباشر مع العرض. «حكي رجال» مسرحية في المسرحية أو محاولة مسرحية لم تتم، ليس الحدث سوى» هذه المحاولة التي انطلقت اثر توافد رجال جاؤوا عقب اعلان يحمل سؤالاً «هل أنت رجل» وبطبيعة الحال جاؤواً مستفَزين وغاضبين بالأحرى. فالسؤال يشكك في رجوليتهم ولينا التي تستقبلهم ليست أقل استفزازاً منهم. إن سؤالاً ولو كان من أجل مسرحية، عابر بالشك، بل هو في الأصل نفي بصيغة السؤال.

الأمر الذي لم يغب عن القادمين. لا يعرف الرجال ماهية رجولتهم إلا من ناحية أخرى، الرجولة هي فقط في حضور النساء ومن أجلهن. الرجل رجل أمام النساء، الأمر الذي يجر إلى الجنسي وأخبار الجنس وتقنيات الجنس وأدواته، يستثير كل جواب رجالي ضحكاً كثيفاً فالجواب مهما حمل ما دام في الجنس وحوله معرّض لتوريات وألعاب لفظية ومواربات وإعلانات مفاجئة واعترافات ساذجة. لا ننسى أننا في الموضوع الحافل بالتابوات، لا ننسى أننا هكذا في قاع الكلام وفي جزئه المحرّم. كل عباءة فيه هي انتهاك وهي استفزاز وهي افتضاح، لذا لا نعجب إذا وجدنا الصالة تغص بالضحك، فالموضوع الجنسي على أي جهة دار هو افتضاح يشعر معه المرء أنه شريك فيه وأنه وسط تعرّ جماعي. كان الكلام جريئاً وهو في ذلك خارق للعادة. إنه الكلام الذي لا نسمع مثله إلا في لبنان، حيث لا تمنع الحرب الطائفية رغم أصولها الدينية من الذهاب بعيداً في الجرأة وفي الحرية.

يمكننا أن نشير الى درجة من الابتكار وصناعة النكتة بذكاء، لكن هذا المطرح في الكلام يستجر فوراً الناحية الشعبية فالمسرحية رغم الجهد التأليفي الذي اقتضى وجود أربعة مؤلفين، ورغم ذكائها، تبقى شعبية. لا يجري هذا على الجنس وحده بل يتجاوزه الى الموضوعات الأخرى، إذ إننا في شتى أقسام المسرحية في المسرح الشعبي. بعد حفلة الجنس التي هي من جانب منها، تعرية للرجولة وافتضاح لها، فإن المسرحية التي هي نقد لرجولة متورمة بنفسها، استعراضية في كلامها عن جنسانيتها، الأمر الذي لا يصمد كثيراً أمام الواقع، سرعان ما تنفذ من المحل ذاته الى السياسة، السياسة والعائلة والعوز المادي، هي المواضيع التي تفضح خواء الرجولة وفريقها وتناقضها، لو اجتزأنا من المسرحية المقطع الذي مثله ببراعة طارق تميم وهو ما نسميه «مقطع السوبرمان»، السوبرمان وهو المثال الرجولي يوجد في الأب بالنسبة للإبنة التي يرفعها أبوها المواطن الصالح المطيع للقانون كلما عاد من عمله ويتجول بها في المنزل قبل أن يلقيها على سرير النوم. حتى يأتي يوم يقف فيه الأب الصالح في طابور السيارات أمام الإشارات الحمراء ووراء سيارتي سياسي مع مرافقيه. ينزل أحد المرافقين ويتجه الى الأب الذي طالما علم ابنته ضرورة الإلتزام بقانون السير ويصفعه أمام ابنته صارخاً فيه: "تحرك يا حمار"...الحمار هو التدهور الذي تنحط إليه الرجولة بعد السوبر مانية المستعارة وبعد الفحولة المدعاة.

نحن الآن على صعيد المذلة، الحاجة والاستخذاء والقمع، كل هذا يطيح بالسوبرمانية والفحولة والرجولة باختصار، لكن التعريج على السياسة أعطى الوجه الآخر للفحولة المغدورة وللسوبرمانية المهمشة، السياسة هي ايضاً من لوازم المسرح الشعبي، كان الممثلون بما فيهم لينا مستفزين طوال الوقت وغاضبين. هذا في مسرحية بلا حدث وتبدو تحقيقاً أو ريبورتاجاً مبالغ فيه ويجعل التمثيل رتيباً فيما كان الإخراج حياً ومتحركاً.