علمان فلسطيني وإسرائيلي.(أرشيف)
علمان فلسطيني وإسرائيلي.(أرشيف)
الإثنين 19 مارس 2018 / 17:40

دولة واحدة... لم لا؟

الذهاب نحو حل الدولة الواحدة يبدد الرهان الفاشل على حل الدولتين، ويواجه مؤامرة صفقة القرن ويضرب في مقتل مشروع الدولة اليهودية الذي يتبناه اليمين الإسرائيلي الحاكم واليمين المسيحي المتهود في البيت الأبيض

حماس تدعو إلى المصالحة وفتح تؤكد على ضرورتها والجبهة الشعبية تعتبر الانقسام مؤامرة، والمحللون العباقرة الذين يجترون البديهيات على شاشات التلفزة يؤكدون أن المصالحة مطلب وطني، وأن استمرار الانقسام كارثة وطنية.

الجميع يدعو إلى المصالحة، الحمساويون والفتحاويون، اليمين واليسار والمستقلون، السياسيون والمهنيون والعمال والفلاحون والعاطلون عن العمل في غزة والضفة، وفلسطينيو المهجر على امتداد خريطة شتاتهم من أقرب التراب إلى أقاصي الدنيا يريدون المصالحة، فلماذا لا تتحقق ولماذا تبدو هدفاً مستحيلاً؟!
الحقيقة التي صارت واضحة تماماً أن المصالحة ليست قراراً فلسطينياً محضاً، مثلما أن الانقسام لم يكن بقرار فلسطيني.

هناك أطراف مستفيدة من الانقسام الفلسطيني وقد ساهمت في صناعته بل ومولت المشروع الانقسامي في البدايات، وهناك اختراقات إسرائيلية وإقليمية ساهمت في إيصال الفلسطينيين إلى هذه اللحظة السوداء التي ترسخها قرارات وتصريحات حمقاء.

ويبدو صعباً إن لم يكن مستحيلاً فك الارتباط مع هذه الأطراف التي تعيث في الأرض الفلسطينية فساداً على حساب حاضر ومستقبل شعب يراد له أن يظل حجراً على رقعة الشطرنج السياسي، ويتم العبث الخطير في الساحة الفلسطينية بكلف تافهة لا تثقل كاهل قطر أو تركيا أو غيرهما من رعاة الانقسام، بينما يتم التجاوب مع رعاة المصالحة والساعين إليها بالمجاملات السياسية والدعوات الصالحة، ويتم تقديم التنازلات الكبيرة والخطيرة لإسرائيل وتركيا وقطر، والرد على الرعاية المصرية لجهود المصالحة بحركات صبيانية صغيرة مثل تفجير موكب رئيس الوزراء رامي الحمدالله على أبواب غزة.

هي لعبة صغيرة تنشغل فيها فتح وحماس والمكونات الفصائلية الأخرى في الساحة الفلسطينية، بينما يتم الاستعداد لإطلاق أخطر مبادرة أو مؤامرة للحل على حساب الفلسطينيين تحت اسم "صفقة القرن".

وهي لعبة خطيرة تهدد حياة أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في غزة تطالبهم الدول الراعية للانقسام بالعيش على الوعود الكاذبة والشعارات الجوفاء، وتستهدفهم سلطة رام الله بالحصار والتجويع.

كيف يمكن الخروج من هذه الحالة البائسة والتحلل من الارتباط بأجندات فصائلية منقطعة الصلة بالواقع؟
هناك مزاج شعبي يعبر عن نفسه بقوة في الضفة وغزة في هذه المرحلة، يتجاوز الخطاب الفصائلي ويذهب إلى ما هو أبعد كثيراً من صيغ الحلول المطروحة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بل ويسخر من المبادرات الهزيلة القائمة على تنازلات كبيرة لم تقنع إسرائيل وأمريكا لأنها تدعو إلى شبه دولة في الضفة والقطاع، بينما المعروض إسرائيلياً وأمريكياً (في عهد دونالد ترامب) هو حكم ذاتي محدود.

هذا المزاج يتحول يوماً بعد آخر إلى موقف شعبي سيجد من يؤطره ويتبناه كمشروع بديل لكل الغث السياسي الراهن، وهو مشروع الدولة الواحدة ثنائية القومية، وهو مطلب إنساني وسياسي لا تستطيع القوى الديمقراطية الكبرى في العالم إنكاره على الفلسطينيين الذين يقدمون العقلانية السياسية على الخطاب التاريخي والسياسي المأزوم. وربما تبدو أوروبا والاتحاد الروسي الكتلتين السياسيتين القادرتين على حمل هذا المشروع ودعمه في مواجهة الرفض الإسرائيلي والصد الأمريكي.

الذهاب نحو حل الدولة الواحدة يبدد الرهان الفاشل على حل الدولتين، ويواجه مؤامرة صفقة القرن ويضرب في مقتل مشروع الدولة اليهودية الذي يتبناه اليمين الإسرائيلي الحاكم واليمين المسيحي المتهود في البيت الأبيض.

ستكون رحلة شاقة وطويلة، لكنها رحلة ضرورية في هذا الطريق الذي يبدو السير فيه ممكناً بينما كل الطرق الأخرى مغلقة بالوعود والأكاذيب والمؤامرات.
المرحلة لا تحتمل الانتظار، ولا تقبل الخوف من التشكيك والاتهامات التي يطلقها أصحاب مشروع تسووي فاشل وخطاب ثوري غير متحقق، وعلى النخب التي تتحمل مسؤولية فتح ثغرة في جدار الصد أن تتحمل مسؤوليتها وأن تجاهر ببرنامج نضالي يتبنى حل الدولة الواحدة.