الخميس 12 أبريل 2018 / 21:54

كيماوي الأسد..السحر ينقلب على الساحر

يبدو واضحاً أن تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإمكانية توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، متوعداً روسيا ونظام الأسد، ليس الهدف منه معاقبة النظام السوري على الهجمات الكيماوية التي شنها جيش الأسد على مدينة دوما في الغوطة الشرقية، وهو بطبيعة الحال، ليس اهتماماً بمصير الشعب السوري، وبالحرب التي يتعرض لها، وخاصةً أنها ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام السلاح الكيماوي.

إلى جانب أن توقيت هذه الضربة الأمريكية، وتزامنها مع الضغوطات السياسية التي يتعرض لها الرئيس الأمريكي داخلياً، يؤكد أن وراءها غايات أكثر أهمية بالنسبة للإدارة الأمريكية.

وكما أن الضربة الأمريكية السابقة على مطار الشعيرات العام الماضي كانت رمزية، وتحمل أبعاداً سياسية أكثر منها عسكرية، فإن الضربة الأمريكية المحتملة في الوقت الحالي، ليست أكثر من تصعيد إعلامي يدل على انزعاج الفريق المناوئ لروسيا في سوريا، بسبب الانتصارات التي تحققها القوات الروسية مع القوات السورية وحلفائهم في سوريا، وهذا يزعج أمريكا وإسرائيل،  في حين يرجح أن الوضع سيبقى في سوريا على ما هو عليه، فقوة روسيا اليوم في سوريا أنها موجودة على الأرض السورية، وفق محللين.

وتؤكد الهجمات الكيماوية السابقة والمتكررة لقوات النظام السوري، وكيفية تعاطي الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي معها، بدءاً باعترافه الصريح بملكيته للسلاح الكيماوي في 2012، مروراً بمجزرة خان شيخون في إدلب، والتي كانت السبب المعلن لتوجيه ضربة عسكرية أمريكية إلى مطار الشعيرات في سوريا العام الماضي، على تقاعس الولايات المتحدة والدول الغربية في معاقبة النظام على انتهاكاته الخطيرة، وتمييع قضية استخدامه للكيماوي بين إنكار وطلب تحقيق، دفع به لشن هجومه الكبير على بلدات الغوطة الشرقية، ومعضمية في ريف دمشق، في أغسطس(آب) 2013.

وبمرور المجزرة دون عقاب حصلت إيران على ما تريد، من تهديد مباشر للشعب السوري بأن لا محظورات قانونية أو إنسانية في حربها ضده، كما حصلت على ما يشبه الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية لاستخدام كل أنواع الأسلحة، بما فيها أسلحة الدمار الشامل، في حربها على سوريا، كما أن ردات فعل أوباما والغرب عموماً، على الهجمات الكيماوية الصغيرة التي سبقت هجوم آب الكبير 2013، وكثرة التهديدات أو الخطوط الملونة التي أدت إلى لا شيء، أطلقت جنون إيران والنظام، فبدلاً من كف يد النظام عن السوريين زاد معدل استهدافه للمدنيين واستخدامه لأسلحة جديدة.

وليست خطورة ما حصل بعد مجزرة الغوطة بعدم وجود رد دولي رادع فقط، ولكن لأن مستوى التهديدات الأمريكية وحالة التجييش الإعلامي والتصريحات الموجهة إلى السوريين، وصلت إلى مستويات عالية، حيث كان بامكان أمريكا والمجتمع الدولي، لو كانوا صادقين، ابتكار طرق أخرى بعيدة عن الخيار العسكري لردع النظام ومعاقبته على استخدامه للأسلحة الكيماوية.

وبالرغم من كون موقف الإدارة الأمريكية والدول الغربية من الثورة بسوريا اعتمد نظرية الاحتواء، إلا أن موقفهم المخزي من الضربة الكيماوية، وفي الوقت نفسه، استمرار منعهم الأسلحة النوعية عن فصائل المعارضة، أدى لنتائج كارثية على الشعب السوري، حيث أن إيران تعززت ثقتها بأنها والنظام السوري، خارج نطاق المحاسبة الدولية، فقامت بخرق كل المحرمات وأمام أنظار الجميع، وملأت أرض سوريا بالميليشيات، في حين ملأ الأسد سماءها بالبراميل والكلور.

حرب عالمية ثالثة
وفيما تتصاعد المخاوف من أن تؤدي هذه الضربة الأمريكية المحتملة، إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة بين الحلف المدافع عن النظام السوري (روسيا وإيران) وبين دول غربية في مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا، يستبعد خبراء عسكريون أن تكون الضربة الأمريكية كما يتحدث عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بهذه الخطورة، لأن الردع الروسي موجود في سوريا، وروسيا أعلنت أنها سترد على مصادر النيران، ولا يبدو أن ضربة مطار الشعيرات يمكن أن تتكرر.

ولهذا ليس وارداً أن تفتعل الأطراف الدولية المتنازعة حول سوريا حرباً عالمية ثالثة، يكون الجميع خاسراً فيها، فكل فريق عنده إمكانية الردع، وإذا حصل هذا الشيء سيتم تدمير الأهداف الأمريكية المتوجهة إلى سوريا مثل ما حصل في مطار التيفور، والدرع الصاروخي الروسي سيتمكن من إسقاط عدد من الصواريخ الأمريكية، كما أن احتمال إنزال أمريكا وحلفائها قوات برية على الأراضي غير وارد، لأنهم يعرفون أن كلفته عالية.

ولعل هذه الضربة الأمريكية المحتملة، لن تتم قبل أن يتأكد الرئيس الأمريكي أنه لن تكون هناك ردة فعل روسية مباشرة على مسار النيران، لأن ردة الفعل الروسية يمكن أن تشعل حرباً،وهؤلاء الذين يديرون اللعبة الإقليمية يدركون أبعادها، وما هي المساحة المسموحة لديهم، لأن تداعيات أي عدوان أمريكي إسرائيلي على المنطقة خطيرة. ولعل المخرج، سيكون من خلال مجلس الأمن الذي سيطرح بعض المشاريع التوفيقية ما بين الفرقاء.

أهداف غير معلنة
ويظهر من خلال تغريدات ترامب قبل أيام، والتي وصف فيها بشار الأسد "بالحيوان" وتطرق إلى تراجع سلفه أوباما عن ضرب النظام السوري صيف العام 2013، حرصه على التأكيد بأنه ليس باراك أوباما، وكان كلامه بمثابة الإشارة الأولى إلى أنه سيفعل شيئاً على الأرض السورية، ولكن الغريب في الأمر أنه أعلن قبل أسبوع أنه يريد الخروج من سوريا، ثم ما لبث أن تراجع عن هذا الأمر بعد يومين من تصريحاته.

ويبدو أن الكلام عن الانسحاب "السريع" كان من أجل تغطية مزيد من التورط في سوريا، في وقت بات معروفاً أن إيران تحاول تثبيت أقدامها فيها، إذ زاد الوجود الإيراني في سوريا عمقاً واتساعاً بعدما فشل الروسي في كبحه تلبية للوعود التي سبق له أن قطعها لكثيرين، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة وجهات عربية معنية مباشرة بسوريا، غير أن أمريكا تريد الاستمرار في سوريا، ولكنها تبحث عن مبرر للبقاء، حسب خبراء ومحللين.

ويرى البعض أن الرئيس الأمريكي يحاول أن يصرف الانتباه عن مشاكل داخلية في بلاده إلى القيام بعملية عسكرية خارجية في سوريا، حيث يواجه ترامب ضغوطاً كبيرة، لم يسبق لأي مقيم في البيت الأبيض أن تعرض لمثيل لها في النصف الأول من عهده، حيث يواجه تحقيقات في عدة قضايا ذات طابع خاص وأخرى عامة، وتشمل الاتهامات طريقة تعاطيه مع ممثلة إباحية أراد إسكاتها بالمال، وطبيعة العلاقة مع روسيا أو أوكرانيا في مرحلة معينة، والاتهامات بتمويل جهات خارجية لحملته الانتخابية في العام 2016.

ويؤكد محللون آخرون، أن الضربة ستكون موجعة للنظام السوري ورادعة، وقد تفضي إلى تعديل مسار المقاربة السياسية، وستكون الضربة رسالة لإيران لأن لها سبعة قواعد في سوريا قد يتم استهدافها، إضافةً إلى أنها ستكون رسالة لروسيا، لالتزام الهدوء وعدم محاولة العبث.

وربما الأهم، كما يرى كثيرون أن تندرج هذه الضربة في سياق رؤية استراتيجية متكاملة للشرق الأوسط والخليج في وقت تعاني فيه المنطقة كلها من السياسة الإيرانية القائمة على الاستثمار في إثارة الغرائز المذهبية، فضلاً عن دعم قيام ميليشيات طائفية تدمر مؤسسات الدولة أو ما بقي منها، كما الحال في العراق وسوريا ولبنان واليمن.