لمصور الفوتوغرافي العراقي لطيف العاني (أرشيف)
لمصور الفوتوغرافي العراقي لطيف العاني (أرشيف)
الثلاثاء 17 أبريل 2018 / 18:35

الإمارات: تعرف على العراقي لطيف العاني.. رحلة استثنائية لرجل ووطنه

تمتد التجربة الفنية للمصور العراقي لطيف العاني لأكثر من ثلاثة عقود، وتشكّل خمسينيات القرن الماضي منطلقها وسبعينياته مستقرها، موثقاً بعدسته تفاصيل الحياة اليومية في العراق عبر مهامه العملية وتجاربه الحياتية وليمضي أيضاً في توثيق رحلاته إلى دول أخرى مكوناً بذلك أرشيفاً استثنائياً شكّل سردية بصرية للعراق واشراقاته وتجلياته في تلك الفترة، وعلى عدة أصعدة.

ويأتي معرضه الفوتوغرافي "عبر العدسة 1979 – 1953 " الذي تنظمه مؤسسة الشارقة للفنون، افتتح في 16 مارس (آذار) الماضي ويختتم في 16 يوليو(تموز) 2018، المكون من 70 صورة بمثابة عرض استثنائي استعادي لعراق الخمسينيات والستينيات والسبعينينات اجتماعياً وديموغرافياً وعرقياً، ورصداً لبيئات العراق المتعددة، ومناخاته وعوامله وأحوال الناس الاقتصادية والاجتماعية المتصلة بأبعاد تاريخية ومعرفية متعلقة بالفترة التي يوثقها.

وحول استضافة المعرض قالت رئيس مؤسسة الشارقة للفنون، حور بنت سلطان القاسمي: "تمثّل صور لطيف العاني حقبة فريدة من تاريخ العراق، تكشف عن التغيرات الدراماتيكية التي حدثت خلال هذه الفترة القصيرة الحافلة بالأحداث". وأضافت: "بفضل توثيق الفنان لما يحيط به، وتفانيه في أرشفة أعماله، أصبحنا اليوم قادرين على مشاركة هذا التاريخ البصري المهم".

لقطة على العملة
ولد العاني في كربلاء عام 1932، وتعلم التصوير في فترة مبكرة من حياته، إذ تدرب في استوديو لمصور محلي، ولم يكن العاني مشغولاً بالبعد الاستعماري لنفوذ بريطانيا في العراق، ولا باضمحلاله السريع بعد ثورة 1958، بل كان يكرس نفسه لمهنته، وعندما بلغ شبابه انضم لمجة "أهل النفط" التي كانت تصدر باللغة العربية عن شركة النفط العراقية، حيث عمل فيها بين 1954 و 1960، وركز العاني خلال عمله هناك على المواضيع المتعلقة بإنتاج النفط.

وعمل بعدئذٍ في‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬العراقية،‭ ‬حيث‭ ‬كلف‭ ‬بإنشاء‭ ‬أرشيف‭ ‬للتصوير‭ ‬الفوتوغرافي، الذي ‬دُمِّر عام 2003 ‬إبان الغزو الأمريكي للعراق، ‬وحينها‭ ‬تحولت‭ ‬موضوعات ‬صوره‭ ‬إلى‭ ‬العمال ‬والمزارعين. ‬وتعد‭ ‬صورته‭ ‬التي‭ ‬التقطها‭ ‬لامرأة‭ ‬تحمل‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬القمح‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬صور‭ ‬العاني‭ ‬نسخاً‭ ‬وانتشاراً‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬وتم‭ ‬لاحقاً‭ ‬نقشها‭ ‬على‭ ‬عملة‭ ‬عراقية‭ ‬بقيمة 25 ‬ألف‭ ‬دينار. وتعكس‭ ‬صور‭ ‬العاني،‭ ‬خلال‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬العراقية‭ ‬ووكالة‭ ‬الأنباء‭ ‬العراقية،‭ ‬الروح‭ ‬القومية‭ ‬الصاعد‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الستينيات،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصويره‭ ‬مشاهد‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬من‭ ‬تجمعات،‭ ‬واستعراضات‭ ‬عسكرية،‭ ‬وأحداث‭ ‬سياسية‭.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

العراق الذهبي.. الجمال.. الاستبداد
‬تنوّعت‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬لفتت‭ ‬انتباه‭ ‬العاني، ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والعائلة،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬المناظر‭ ‬الطبيعية،‭ ‬والطبيعة‭ ‬الصامتة والآثار القديمة والهندسة المعمارية، كما وثق انطباعاته عن الأماكن التي زارها خلال رحلاته إلى ألمانيا والولايات المتحدة، واتسم عمل العاني بالغزارة بقدر تنوع اتجاهات الحداثة الشغوفة بالجمال والفن، فضلاً عن الاقتصاد والمجتمع والسياسة.

إن حياة لطيف العاني المهنية كمصور، وبعد ذلك كمصور متقاعد، ورصيد أعماله الكبير، يسير بتوازٍ ثابت مع محنة العراق وشعبه. لقد بات يحظى هو وأرشيفه بمكانة استثنائية، فهو الموثق لفترة العراق الذهبية، وهو يخطو إلى الحداثة كما كانت عليه بلدان أخرى. عندما قرر التقاعد من مهنته، وهو قرار يقول إنه أجبر عليه بسبب سياسات العراق في تلك الفترة من نهاية السبعينيات، "حين بدأ الاستبداد يرسّخ سطوته، ومن ثم اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، فأمسى من الخطورة بمكان استخدام الكاميرا في الأماكن العامة"، وبالتالي أغلق الباب على عراق العاني بقوة.

وهو يفسر بشكل متكرر أن الخوف تسيّده، وهذا خلق لديه الإحساس بالحاجة الملحة للتوثيق بقدر ما فعله قبل أن يفقد كل شيء، وبكلماته "الخوف الذي عاصرته حينها هو ما نعيشه اليوم. بدأ مع ثورة 1958. جرى حذف هذا الماضي، وأحسست أن الاستقرار لن يطول... كان الخوف الدافع الرئيس لتوثيق كل شيء كما كان. لقد فعلت كل ما في مقدوري لأوثق، وأصون تلك الفترة".