العقيد الأمريكي السابق أوليفر نورث بطل فضيحة"إيران غيت" (أرشيف)
العقيد الأمريكي السابق أوليفر نورث بطل فضيحة"إيران غيت" (أرشيف)
الأربعاء 9 مايو 2018 / 16:13

من يتذكّر أوليفر نورث؟

ثمة نظريّة قديمة نسبيّاً مفادها أنّ السياسيّين الذين يعتمدون سياسات سيئة في الداخل إنما يعتمدون سياسات سيّئة في الخارج، والعكس بالعكس.

لا يعود صدفة أن يتربّع أوليفر نورث على محطّة التقاطع العريض بين سياسة خارجيّة عنوانها إيران غيت، وسياسة داخليّة عنوانها "الحقّ" المطلق في امتلاك السلاح

هذه النظريّة وجدت، في الأيّام القليلة الماضية، برهاناً آخر عليها. والشخص الذي وفر هذا البرهان هو أوليفر نورث الذي انتخبته "رابطة البنادق الوطنيّة" في الولايات المتّحدة الأمريكية رئيساً لها. لكن هل بيننا من يتذكّر هذا الاسم: أوليفر نورث؟

الرجل عقيد سابق في القوّات البحريّة للجيش الأمريكي، وبصفته هذه تحول إلى عضوٍ في "مجلس الأمن القومي" الذي يشكل الفريق المباشر لرئيس الجمهورية، رونالد ريغان في ذلك الوقت.

في الثمانينات، ارتبط اسم نورث بأسوأ فضائح العهد الريغاني، والتي عُرفت بـ "إيران غيت"، تيمناً بـ "ووترغيت" - الفضيحة الشهيرة في أوائل السبعينات والتي أطاحت بالرئيس ريتشارد نيكسون.

وأشرف نورث إبان حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، ومن خلال علاقة مباشرة بهاشمي رفسنجاني، على شبكة تبيع السلاح سراً إلى إيران.

أما الهدف فكان تحويل العائدات المالية إلى مساعدات لقوات "الكونتراس" المناهضة للشيوعية في نيكاراغوا.

الأمر كان تحايلاً على قرار الكونغرس الذي يقضي بمنع تقديم المعونات العسكريّة لـ "الكونتراس".

لكن الفضيلة التي ترتبت على تلك الفضيحة هي انكشاف الاستعداد الإيراني للتعاون مع "الشيطان الأكبر" الأمريكي وللقبول بدور وسيط يلعبه "الشيطان" الآخر، الإسرائيليّ!

في 1989 حُكم على نورث بثلاث تهم تتفرع عن القضيّة المذكورة، لكنه ما لبث أن ظهر مجدداً محللاً في محطة "فوكس نيوز"، أهم منابر اليمين المتشدّد في الولايات المتّحدة.

كذلك بدأ العالم يتعرف عليه مؤرخاً ومؤلّفاً لكتب سياسية واستراتيجية واسعة الانتشار.

ضربة نورث الجديدة التي تمثلت برئاسة "الرابطة" أحيطت بجو احتفالي وقومي صاخب، ووصفه واين لوبيير، المدير التنفيذي لـ "الرابطة" مثلاً، بأنه "مقاتل أسطوري في سبيل الحرية الأمريكية".

غني عن القول إن "الرابطة" من أقوى اللوبيات الأمريكية ومن أكرمها في الدعم المالي للسياسيين الذين يدافعون عن حرية امتلاك الأسلحة ورفض تقييد هذه "الحرّيّة".

 وهو رأي لا يُعدم الحجة "القومية" التي تجعل من الامتلاك "خصوصيةً" و"أصالة" لـ "أمتنا". أما الأصل في ذلك، أن المجتمع في الولايات المتّحدة سبق نشأة الدولة، وكان لا بد من تسليح المهاجرين البيض وأبنائهم بما يخوّل لهم العدوان على سواهم والدفاع عن أنفسهم.

على أي حال، تؤول امتلاك السلاح و"حريته" إلى إحدى أكبر المشكلات الداخليّة لأمريكا، إن لم تكن المشكلة الأكبر.

ففي آذار (مارس) الماضي، وبعد أن تسبب السلاح بمقتل عدد من التلامذة، شهدت الولايات المتحدة تظاهرات صاخبة ضد هذه "الحرية"، أو لتقييدها، كانت الأكبر في تاريخ البلد ضد السلاح.

لقد تظاهر في العاصمة واشنطن وحدها 200 ألف شخص، وتضامنت مع المدن الأمريكيّة تظاهرات شهدتها لندن، وباريس، وموريشيوس، وطوكيو، وستوكهولم، وسيدني، وجنيف، وبرلين.

يكفي أن نذكر أنه في 2016 مثلاً، عانت الولايات المتّحدة  من أكثر من 38 ألف وفاة سببتها أسلحة المدنيين، وقد سجل هذا الرقم زيادة  بـ4 آلاف حالة عن 2015، ليرتفع رقم الضحايا أكثر فأكثر في 2017.

وتُعد الولايات المتحدة البلد الأوّل في العالم على مستوى ملكية السلاح من قبل المدنيين، أما نسبة الموت الناجم عنه فتتفوق فيها بفوارق ملحوظة على أي بلد ديمقراطي آخر.

هكذا لا يعود صدفة أن يتربع أوليفر نورث على محطة التقاطع العريض بين سياسة خارجية عنوانها إيران غيت، وسياسة داخلية عنوانها "الحق" المطلق في امتلاك السلاح.