علما تركيا وحلف شمال الأطلسي.(أرشيف)
علما تركيا وحلف شمال الأطلسي.(أرشيف)
الجمعة 25 مايو 2018 / 09:45

هل حان وقت طرد تركيا من الناتو؟

رأى الكاتب دوغ باندو أن تركيا لم تعد نموذجاً للدولة المسلمة الديمقراطية، كما كان حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يروج لدى الغرب؛ وذلك نتيجة حكمه الاستبدادي والمصالح المتعارضة مع الولايات المتحدة، ولذلك على واشنطن التخلي عن أوهامها بأن تركيا لا تزال دولة "حليفة" تستحق عضويتها في حلف الناتو.

على إدارة ترامب التصدي للتشويه المستمر في تركيا، ومن الناحية الأمنية عليها خفض اعتمادها على قاعدة إنجرليك ونقل أسلحتها النووية؛ إذ من الممكن أن تصبح رهينة في حال حدوث أي مواجهة جادة بين أنقرة وواشنطن

وينتقد باندو، زميل بارز لدى معهد "كاتو" ومساعد خاص للرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ريغان، في مقال تحليلي بمجلة "أمريكان كونسيرفاتيف"، الإجراءات الاستبدادية التي يتخذها أردوغان، الذي يأمل في تجديد سيطرته على السلطة في الانتخابات المزمع عقدها خلال الشهر المقبل، من أجل الهيمنة الكاملة على جميع السلطات في البلاد.

استبداد أردوغان
ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو (تموز) 2016، ألقت حكومة أردوغان القبض على قرابة 160 ألف شخص، وسجن حوالي 50 ألف شخص، وكذلك طرد 152 ألف موظف حكومي من وظائفهم، وقد انضم الكثير منهم إلى صفوف البطالة؛ وبخاصة لأن أصحاب العمل في القطاع الخاص يخشون من توظيفهم، وعلاوة على ذلك فقدت أعداد كبيرة من الأتراك وظائف في شركات خاصة نتيجة الضغوط الحكومية.

ويلفت الكاتب إلى حركة الاعتقالات الواسعة التي شنها أردوغان ضد الحقوقيين ومنهم تانر كيليتش الرئيس التركي لمنظمة العفو الدولية، والصحافيون الذين تم احتجاز 300 شخص منهم ومحاكمة 160 صحافياً حتى الآن، وإضافة إلى ذلك صادرت الحكومة التركية الأصول الشخصية لرجال الأعمال، وتم إغلاق أكثر من 1500 منظمة غير حكومية بسبب جرائم الإرهاب المزعومة.

انتهاكات حقوق الإنسان
وتدين تقارير المنظمات الدولية، ومنها منظمة العفو الدولية، انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا، بسبب قمع أردوغان للمعارضة والأكراد والصحافيين والنشطاء السياسيين المدافعين عن حقوق الإنسان، وأتباع رجل الدين فتح الله غولن الذي يتهمه أردوغان بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة من دون أدله تثبت تورطه في ذلك، فضلاً عن استمرار حالات التعذيب وحظر التظاهرات وانتشار الفساد وإفلات المسؤولين الحكوميين من العقاب، وتقييد حرية وسائل الإعلام والهيمنة على القضاء لدرجة تجريم الانتقادات لسياسات حكومة أردوغان.
    
ومن ثم فإن الممارسات الديكتاتورية لتركيا لا تجعلها، بحسب الكاتب، منسجمة مع حلفاء الولايات المتحدة، ولا تزال البيئة السياسية في تركيا بعيدة عن الحرية والديمقراطية. وتفتقر الانتخابات التركية إلى المصداقية الكافية، لاسيما أنها تتم في بيئة تقوم على قمع المعارضة وفرض الرقابة على وسائل الإعلام واعتقال الصحفيين والبرلمانيين الموالين للمعارضة.

تقويض المصالح الأمريكية
ويوضح الكاتب أن أنقرة لم تعد حليفاً حقيقياً للولايات المتحدة؛ لاسيما أن أنشطة تركيا تؤدي إلى تقويض الأهداف الدولية الأمريكية المهمة ولا تتسق مع عضويتها في حلف الناتو. وكانت تركيا قد اكتسبت سمعتها باعتبارها حليفاً مهماً للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، تقوم على حراسة الجناح الجنوبي الشرقي لأوروبا، ولكن بعد إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية في عام 2015، عمد أردوغان إلى إصلاح العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. والأدهى من ذلك أن تركيا شكلت علاقة وثيقة مع موسكو في سوريا على الرغم من اختلافهما حول مصير بشار الأسد، ولكن موسكو وتركيا ترغبان في خروج الولايات المتحدة من شمال سوريا.
  
ويصف الكاتب التدخل العسكري التركي في سوريا بأنه يهدد السياسة الأمريكية بصورة مباشرة، وقد تسبب بخيبة أمل للقوات الكردية التي تحالفت معها الولايات المتحدة لمحاربة داعش في سوريا، ولذلك فإن الأكراد على الأرجح لن يدعموا الأهداف الأمريكية مرة أخرى. والأسوأ من ذلك أن الغزو التركي وضع الولايات المتحدة بين حليفيين متقاتلين، وتم تبادل التهديدات بين المسؤولين العسكريين الأمريكيين والأتراك لأن أنقرة هددت بمهاجمة القوات الأمريكية المتمركزة بالقرب من الميليشيات الكردية في سوريا.

تعاون أنقرة مع داعش
وقد تعاملت أنقرة مع مكافحة الميليشيات الكردية ومنع إنشاء دولة كردية مستقلة على طول حدودها باعتباره أولوية بدلاً من محاربة داعش، وخلال السنوات الأولى للحرب الأهلية السورية، تعاونت أنقرة بالفعل مع داعش، وتساهلت مع تدفق المقاتلين إلى داعش عبر أراضيها فضلاً عن بيع النفط الذي استولى عليه التنظيم الإرهابي.

ولا تزال قبرص مقسمة بسبب الغزو التركي عام 1974، ومن خلال الجمهورية التركية لشمال قبرص (التي لم يعترف بها سوى تركيا)، تدخلت أنقرة بقوة في محاولة قبرص لتطوير رواسب الغاز الطبيعي. وتهدد أنقرة اليونان (حليف أخر للناتو)؛ إذ لم تقبل تركيا أبداً بالسيادة اليونانية على الجزر القريبة.

وينوه الكاتب إلى تزايد التوغلات الجوية والبحرية التركية خلال الأشهر الأخيرة، وتصاعدت الأمور بين الدولتين بعد وفاة طيار يوناني في حادث تصادم بعد اعتراض طائرتين تركيتين في المجال الجوي اليوناني. وأعلنت اليونان مؤخراً عن خطط لإنفاق 1,45 مليار دولار لتطوير نظامها الاعتراضي من طراز "إف 16" ليتوافق بشكل أفضل مع نظيره التركي. ولذلك يشكل شراء أنقرة المزمع للصواريخ الروسية من طراز "اس 400" تحدياً آخر للتحالف عبر الأطلسي.

طرد تركيا من الناتو
ويقول الكاتب: "لا تستطيع الولايات المتحدة القيام بالكثير من أجل تحويل تركيا داخلياً من دون غزوها، ولكن الأتراك يعادون الولايات المتحدة بشدة، وسيحقق أردوغان على الأرجح مكاسب سياسية من أي هجمات علنية تشنها واشنطن، بيد أن على إدارة ترامب التصدي للتشويه المستمر في تركيا، ومن الناحية الأمنية عليها خفض اعتمادها على قاعدة إنجرليك الجوية ونقل أسلحتها النووية؛ إذ من الممكن أن تصبح رهينة في حال حدوث أي مواجهة جادة بين أنقرة وواشنطن".

وفي ختام مقاله، يحض الكاتب الولايات المتحدة على إنشاء آلية لإعادة تقييم عضوية تركيا في حلف الناتو، لأنه لا جدوى من استمرار عضويتها في ظل تقويض أنقرة للمصالح الأمريكية وانتهاكات حقوق الإنسان نتيجة سياسة أردوغان الاستبدادية.