الأديب الفرنسي باتريك موديانو (أرشيف)
الأديب الفرنسي باتريك موديانو (أرشيف)
الثلاثاء 29 مايو 2018 / 21:54

كيف تصبح أديباً كبيراً؟

أعلم أن السؤال في عنوان المقال يثير الكثير من السخرية. لأن الكتابة الأدبية في الأساس موهبة سماوية وصنعة إنسانية، وليست وصفة عمل قطعة كيك شهية. ولكن أرباب الكتابة يؤمنون أن الموهبة وحدها لا تكفي، شأنها في الكتابة والأدب، شأنها في كل فنون البشرية وعلومها.

الكاتب لابد أن يظل على هامش الحياة؛ حتى ينجح في وصفها. لأن من يغص في الحياة تتشوش رؤيته

موهبة الموسيقى لا تكفي دون صقلها بالإنصات الجيد لوقع الكون وإيقاعها، للتعلم من زقزقة العصافير ووشوشة الأغصان لحفيف أوراق الشجر، إلى نقيق الضفدع وهزيم الرياح وصرخات البراكين وفحيح الحيّات وهدير الماء.

وموهبة الرسم لا تكفي دون تدريب العين على التقاط إيقاع اللون وفكّ شفرات ألغازه وفض تعويذة الفرشاة والزيت والتوال. كذلك للكتابة أسرارها. لا يكون كاتباً مَن لا يعرف أسرار الحروف وألغاز التراكيب، والإنصات الحميم إلى وقع الحرف على الحرف وموسيقى الكلمة إلى جوار الكلمة وفك شفرات علامات الترقيم والحركات والسكنات والصمت والكلام.
***

ولكن كل ما سبق هو بعض "فنيات" الكتابة. فهل هناك طقوس "إنسانية" تُميز الأديب عن غيره من الناس، بعيداً عن الفنيات والتقنيات والحرفيات؟ هذا ما سيخبرنا به أحد كبار أدباء العالم صاحب جائزة نوبل للآداب عام 2014،  باتريك موديانو، الأديب الفرنسي الشهير، لخص فكرته عن الأديب، وعن القارئ أيضاً، في عشر نقاط. سأطرحها عليكم الآن، مع التأكيد أن تلك النقاط العشر هي محض رأي شخصي يخص هذا الكاتب، قد تزيد أو تنقص في معتقد كاتب آخر.

يقول موديانو:
• الروائي الجيد يميل أكثر إلى الصمت ويتقن الكتابة أكثر مما يجيد الكلام.

• الكاتب يستمع إلى أحاديث الآخرين دون أن يتورط في المشاركة فيها، ولو حدث أن شارك في بعضها، فهو يفعل لأجل أن يطرح أسئلة تمكنه من فهم الرجال والنساء الذين يحيطون به.

• الكاتب يتردد في الكلام، لأنه يعتاد على مراجعة ما يكتبه حتى يتأكد من وضوحه، لكنه حين يتكلم لا يجد سبيلاً لمحو آثار هذا الكلام.

• الكتابة تجبر من يقرأ لك على الاستماع لك دون مقاطعتك على عكس ما كان يحدث حين كنا أطفالاً، كانوا يقاطعوننا ولو تكلمنا لابد أن يمنحونا الإذن بالكلام أولاً.

• القارىء يعرف أكثر عن الكتاب الذي يقرأه أكثر مما يعرفه كاتبه.

• الكتابة نشاط يمارسه الفرد وهو في عزلة. وقد يصيبك الإحباط للحظات وأنت تكتب، خاصةً مع الصفحات الأولى من رواية جديدة. وكل يوم يمر تشعر أنك على المسار الخطأ، وتشعر أنك تريد الرجوع لتسير في الطريق الصحيح. لكن لا تلتفت لهذا الهاجس واستمر في مسيرتك.

• حين تكتب آخر كلمة في كتابك، يتحرر الكتاب منك، ويذهب إلى آخرين هم القراء الذين يبدأون في كشفه أمام نفسه. حينها تشعر أنت بالفراغ وبالهجر وتبدأ من جديد في علاقة أخرى مع كتاب جديد يجعلك تشعر بالتوازن المفقود لكن دون جدوى.

• الكاتب لابد أن يظل على هامش الحياة، حتى ينجح في وصفها. لأن من يغص في الحياة تتشوش رؤيته.

• دور الكاتب أو الشاعر هو كشف الخفايا التي تحيط بكل شخص في حياته اليومية.

• الكتابة تساعد في حل ألغاز وأسرار الحياة. وعبر الخيال نغوص في الواقع دون أن نشوهه لنكشف الحقيقة أمام أنفسنا.
***
ربما لدى القارئ والكاتب ما يطرحه من جديد لم يقله موديانو. والآن اطرحوا أفكاركم لنصنع حال عصف ذهني.
***