أعلام فلسطينية (أرشيف)
أعلام فلسطينية (أرشيف)
الثلاثاء 26 يونيو 2018 / 20:38

كذبة الوحدة الوطنية

يتقاسم الوهم والخيال وغياب الفهم الحقيقي والعميق للبنية وتاريخية الأزمة الأرضية التي ينطلق منها شعار الوحدة الوطنية الفلسطينية الذي تحول إلى لازمة لرغبات انتشال الواقع الفلسطيني من حالة الانهيار.

أي استعراض لتاريخ العلاقات البينية يقود إلى نتيجة واحدة مفادها أن الانسجام الداخلي الفلسطيني كان عابراً وهشاً يتبدد أمام المنعطفات التي تمر بها القضية الفلسطينية ويتحول إلى حروب إعلامية وربما اشتباكات

يغيب عن رافعي الشعار الذي يجري التعامل معه وكأنه العصا السحرية لتغيير الأوضاع الراهنة طبيعة الفرز والتحالفات بين القوى السياسية الفلسطينية خلال العقود الماضية والعلاقات الداخلية التي كانت تضبط ايقاع التنظيمات.

عامل الثقة بين الفصائل والقوى لم يكن موجوداً في الأساس حيث جرى التعامل مع حركة فتح عند انطلاقتها باعتبارها الحالة القادمة لمواجهة حركة القوميين العرب التي انبثقت عنها الجبهة الشعبية وبقيت العلاقة بين الطرفين محل صراع وتجاذبات أخذت اشكالاً عدة بينها تشكيل الفصيل الذي كان يقود اليسار الفلسطيني جبهة الرفض في بدايات السبعينات وانسحاباته من الهيئات القيادية لمنظمة التحرير بين الحين والآخر.

تفاصيل الحياة الداخلية في الفصائل والتنظيمات لم تكن أفضل حالاً حيث كانت هناك على الدوام حالة من اللانسجام عبرت عن نفسها بالتكتلات والتحالفات والتيارات والانشقاقات التي تحولت إلى علامات فارقة في التاريخ الفصائلي أبرزها خروج الجبهة الديمقراطية من الشعبية في ستينات القرن الماضي وانتفاضة قواعد حركة فتح على قيادتها بعد الخروج من بيروت.

أي استعراض لتاريخ العلاقات البينية يقود إلى نتيجة واحدة مفادها أن الانسجام الداخلي الفلسطيني كان عابراً وهشاً يتبدد أمام المنعطفات التي تمر بها القضية الفلسطينية ويتحول إلى حروب إعلامية، وربما اشتباكات مسلحة ما يترك قناعة بأن الصراع كان القاعدة والتوافق الاستثناء الذي يشبه إلى حد كبير زواج المصلحة والإكراه.

لم تخل حالة اللاستقرار التي سادت هذه العلاقات من سلبيات وإيجابيات فقد طغت ذهنية إدارة الصراع ومحاولة تعويم الانقسامات على الوحدة الشكلية لفصائل منظمة التحرير، وفي المقابل ضمنت انماط العلاقة حالة من التنوع والتعددية ميزت النظام السياسي الذي مثلته منظمة التحرير عن أنظمة عربية أخرى، ولم تحل دون خروج قوى فاعلة من أطر المنظمة وقيامها بمحاولات فاشلة لتشكيل بدائل.

واجتمعت عدة عوامل على تحديد الخط البياني المتعرج للعلاقات الداخلية المهلهلة فقد كان العامل الفكري والإيديولوجي حاضراً في الإبقاء على مساحات من الجليد بين مكونات المشهد الفلسطيني، وساهم الخلاف العربي والصراع الإقليمي والتجاذبات الدولية في تعميق معادلات التنافر.

الانقسام بطبعته "الحمساوية الفتحاوية" امتداد تاريخ من الانقسامات وهشاشة الاصطفافات وقلة التوافقات والصراعات الداخلية المكشوفة والمستترة وتشوه العلاقات في المشهد الفلسطيني وتكاد نقلة الصراع الداخلي أن تقتصر على انزياح دعوات الوحدة الوطنية إلى ما يشبه مربع "العنقاء" و"الخل الوفي" في المخيلة العربية حيث تحولت التشكيلات السياسية المتصارعة إلى سلطتين على الأرض يصعب التجسير بين مشروعيهما وتتضخم الفاتورة الناجمة عن صراعهما على حساب الحياة اليومية للمتضررين من وجودهما وقد يكون المظهر الأخير سبباً مباشراً في العجز عن التسليم بالواقع.