رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الثلاثاء 26 يونيو 2018 / 20:25

صفقة القرن... بين تسارع التطبيق وتباطؤ الاعلان

لأول مرة في تاريخ المبادرات السياسية التي كانت تطرح لحل القضية الفلسطينية، تظل المبادرة في أذهان صانعيها، ويُبدأ بتطبيقها على الأرض، ليكون الإعلان عنها في نهاية المطاف وليس في أوله. هذا هو حال صفقة القرن التي ما يزال السذج في السياسة ينتظرون إعلانها بينما تطبيقها يتسارع فعلاً دون إبطاء.

حين تضرب القدس هكذا، فلن يكون هنالك جدوى من الحديث عن عاصمة حقيقية للفلسطينيين، ولا عن اتصال جغرافي فوق الأرض بين أطرافها، كما لن يكون هنالك معنىً لدولة فلسطينية حقيقية

ضربت صفقة القرن الواقع السياسي في الشرق الأوسط كالإعصار، إذ لم يعد بمقدور أحد الوقوف في وجهه أو التعايش معه أو فعل أي شيء يتصل به.

الضربة الأولى جاءت في القلب، وكان هدفها ما يعتبره الفلسطينيون قلب قضيتهم ومجمع الأعصاب فيها، فمنحت الصفقة القدس لإسرائيل وكُرست هذه المنحة الأمريكية بنقل السفارة إليها، وقيل للفلسطينيين إن أحببتم فخذوا ما تبقى لكم منها، بعض قرى تحيط بها.

وحين تضرب القدس هكذا، فلن يكون هنالك جدوى من الحديث عن عاصمة حقيقية للفلسطينيين، ولا عن اتصال جغرافي فوق الأرض بين أطرافها، كما لن يكون هنالك معنىً لدولة فلسطينية حقيقية، بل ربما يحظى التلفيق اللاحق الفائض عن حاجات إسرائيل بتسمية دولة بينما هو أي شيء إلا الدولة.

وإذا ما انتقلنا من موضوع القدس إلى الموضوع الأكثر أهمية في تحديد شكل ومضمون الكيان الفلسطيني أي الحدود، فلن يبقى هنالك مجال للبحث في هذا الأمر، بعد اقتطاع إسرائيل لأهم منطقة حدودية أي غور الأردن، وإذا ما اعتبرنا الجدار الذي مزّق الضفة حدوداً غربية أو جنوبية، فليس للفلسطينيين أي سيطرة عليها بحكم سلسلة المستوطنات المزروعة على امتدادها، والتي لا تفكر إسرائيل في إزالة ولو غرفة واحدة منها.

هذا الذي أعرضه كان قبل عقود مجرد مخططات مرسومة على ورق مودع في خزانات الحكومة الإسرائيلية، أما الآن فهو واقع قائم ومتجذر على الأرض، ولن يبقى لصفقة القرن إلا أن تعلنه حلاً نهائياً للقضية الفلسطينية، وعلى الضحايا أن يقبلوا أو يقبلوا، أما أولئك الملايين الذين يسمون لاجئين وهم منتشرون أفراداً ومجموعات على سطح كوكب الأرض، فلهم في الصفقة حل لم يسبق أن جاهر به أي مسؤول أمريكي، وهو الإذابة بطريقة الصهر.

بدأ الامر بالفقراء منهم الذين يعتاشون على عطايا وكالة الغوث وهم بالمناسبة العقدة الأصعب في الأمر، وحين تُصهر هذه العقدة ماذا بوسع غير الفقراء من اللاجئين أن يفعلوا ؟.

النص مكتوب، ويجري تنقيحه كل يوم وما يسميه المسرحيون بالبروفات التمهيدية، يجري أداؤها بتسارع مذهل ، أما المؤلف والمخرج فينتظران أفضل موسم للإشهار، وها هم صناع الصفقة يتفقدون أرض المسرح ويستطلعون رأي الجمهور، مؤمّنين سلفاً عوامل النجاح.

حين يتطلب المشهد إعلاناً دراماتيكياً عن بنود صفقة القرن، سيسمح للفلسطينيين بهامش رفض واعتراض واستنكاف، وسيعلن العرب والمسلمون وكل المصوتين في الأمم المتحدة لصالح الحقوق الفلسطينية مواقف داعمة للتحفظ الفلسطيني، وذلك جرياً على العادة، ومثلما اضطر الفلسطينيون للتعاطي مع الاحتلال وهم يرفضونه جذرياً، فسيضطرون للتعاطي مع الأمر الواقع الجديد الذي يرفضونه ولا يعترفون به ولكنهم يعيشون فيه، وهذا ما يعني بدقة أن صفقة القرن وما ينتج عنها سيظل مرفوضاً ولا يحقق حلاً للقضية المزمنة، وإنما يضع الفلسطينيين أمام فصل جديد وطويل من فصول مأساتهم.