مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر.(أرشيف)
مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر.(أرشيف)
الثلاثاء 3 يوليو 2018 / 20:26

في عبثية التفكير الفلسطيني

بعض المتحمسين للمعلن من الموقف الفلسطيني نفى وجود "صفقة القرن" من أساسها وقد يكون النفي صحيحاً إذا تعاملنا مع الصفقة باعتبارها اتفاقاً على تسوية ما يتم توقيعه بين خصمين متكافئين لكن هذا لا يعني نفيها كمحطة في مشروع يجري تنفيذه

تعبر هشاشة الاشتباك الفلسطيني مع "صفقة القرن" المفترضة عن صدمات وعي من قبيل ما لحق بالمثقفين العرب وهم يقاربون أولويات الوحدة والديمقراطية خلال الغزو العراقي للكويت والحرية والسيادة عند الاحتلال الأمريكي للعراق والاستبداد والدعشنة مع انكفاء المعارضة السورية وتحولها الى عبء سياسي على الأحداث الدائرة في بلادها.

أبرز مظاهر الهشاشة أن الصفقة الجاري الحديث عنها أدق وأوضح ترجمات السلام الاقتصادي الذي قطعت قيادة السلطة الفلسطينية شوطاً واسعاً فيه وقد تكون نتيجة طبيعية لاتفاق أوسلو وإفرازاته.

بين هذه المظاهر أن بنية السلطة الفلسطينية والخلفيات التي جاءت منها وطريقة تفكير قياداتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية وممارساتها اليومية وانعكاسات كل هذه المعطيات على ما كان يعرف بالمشروع الوطني الفلسطيني لا تتناغم مع فكرة رفض الصفقة.

بعض المتحمسين للمعلن من الموقف الفلسطيني نفى وجود "صفقة القرن" من أساسها وقد يكون النفي صحيحاً إذا تعاملنا مع الصفقة باعتبارها اتفاقاً على تسوية ما يتم توقيعه بين خصمين متكافئين لكن هذا لا يعني نفيها كمحطة في مشروع يجري تنفيذه على الارض منذ اعلان وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كونداليزا رايس عن الشرق الاوسط الجديد.

تفتق ذهن البعض عن شخصنة الصفقة ـ من خلال نسبها الى المبعوث الأمريكي جاريد كوشنير ـ والاستفاضة في الحديث عن علاقاته وارتباطاته ليتحول فعل الشخصنة إلى أساس للتحليل تفضي نتائجه للجزم بفشل أمريكي ذريع في فرض أمر واقع على السلطة الفلسطينية.

تجاهل وجود طبقة اقتصادية متنفذة لديها ارتباطاتها مع الاقتصاد الإسرائيلي وسلطتها على القرار الفلسطيني وعدم الاكتراث بضرورات وجود مشروع وطني واضح المعالم يحدد الأهداف النهائية ويرشد السياسات وما آلت اليه قضايا الحل النهائي المتمثلة بالقدس واللاجئين قاد البعض إلى الاعتقاد بامكانية إقامة الدولة الفلسطينية على ما يبقيه المشروع الاستيطاني الإسرائيلي وما يتحقق للمنطقة العربية من إفرازات صراع الأقطاب العالمي.

علاوة على جمود التفكير تكشف هذه الطروحات عجز خيال أصحابها عن وضع تصورات حقيقية للأوضاع التي انتهت إليها منطقة أنهكتها الهزائم ودول الاقتصادات المنخورة والبنى متآكلة.

يقول الفيلسوف اليوناني هيراقليطس: "لا يمكن أن تستحم في النهر مرتين" وقد تجدي العودة اإلى هذه المقولة في إقناع المراهنين على الضجيج بأن هزيمة أو انتصار وفشل أو نجاح فكرة "صفقة القرن" المختلف حول ماهيتها لا يعيد القضية إلى ما كانت عليه قبل ذلك، وأن المياه التي جرت في النهر كثيرة وربما يساعدهم ذلك على التفكير من خارج صندوق إخفاقات السلطة الفلسطينية وبذهنيات مختلفة والتعاطي مع المقبل من الأحداث باسقاط فكرة الدولة المستقلة التي تجاوزتها التوازنات والأحداث وإخراجها إلى الأبد من مربع عكازات خطاب سياسي ينوء تحت ثقل مفردات علقت به خلال عقود من المغامرات الدون كيشوتية .