الخميس 19 يوليو 2018 / 19:18

كيف ربطت الإمارات العرب بأدب الصين؟

24 - الشيماء خالد

حملت الإمارات شعلة الفكر والثقافة في المنطقة ككل، وتسعى بجهد حثيث أخيراً لنقلة نوعية حضارية لا تصب لصالحها وحدها، بل تمتد للعالم العربي، وفي تظاهرة ثقافية سياسية وفنية وغيرها الكثير، تستقبل الصين لتربطها بالعرب، لغد أفضل للجميع، وبدأت ذلك بشكل واضح من باب الأدب.

وتعرف الإمارات العالم العربي التاريخ العريق لأبناء التنين، إدراكاً لأهميتها المتنامية، وكذلك سارعت الصين لمد يدها للإمارات في مشروع حضاري مشترك يعد بالكثير، ويذكر جمهور واسع في البلاد، حضور الصين المتزايد في الأدب والثقافة من خلال معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ومشروع "كلمة"، وغيره الكثير.

24 التقى الرئيس التنفيذي لمجموعة "بيت الحكمة" للصناعات الثقافية بالصين، د. أحمد السعيد على هامش الأسبوع "الإماراتي الصيني"، وناقشه حول الكيفية التي قربت بها الإمارات الصين للعالم العربي، وأبرز الكتاب والأعمال الأدبية، ناهيك عن مشاريع مستقبلة للجهات المعنية بهذا التوجه، والتجاوب المتبادل بين حضارتين عظيمتين.

"مغلفة".. موت 3 ملايين

ويقول السعيد عن تفرد الكتاب الصيني: "الأدب الصيني عامة أدب فلسفي، يسعى للحث عن قيمة معينة من خلال القصة ويركز على البعد الداخلي أكثر من السرد والأحداث، لأن اللغة الصينية بالأساس لغة اختزال وإشارات، فهو أدب غير مباشر يتحدث عن ملحمة وعبر مغلفة داخل قصة لا يحكيها الأديب بشكل مباشر، وهذا نوع جديد علينا كقراء عرب اعتدنا أيضاً الأدب الغربي واللاتيني، المليء الأحداث والشخصيات والإثارة".

وكان أول أديب صيني يحضر معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2014، ليو جين يوان، الذي أطلق روايته الشهيرة "الموبايل"، ترجمها حسين فهمي، شهد حضوراً غفيراً، ولأول مرة شهد مثل هذا الحضور والتفاعل مع أديب صيني في المنطقة العربية، وانتشرت روايته تلك بشكل لافت، وتناولها الإعلام بكثافة، وعاد الكاب لأبوظبي العام ما قبل الماضي حين كانت الصين ضيف شرف المعرض ليقدم روايته 1942، من أهم أعماله وهي بعيدة تماماً عن فكاهته الشهيرة في أدبه، "حيث ركزت هذه الرواية على المجاعة في ذلك العام حين كان العالم كله منشغلاً بانتهاء الحرب العالمية الثانية، توفي في الصين في أيام أكثر من 3 مليون شخص خلال مجاعة شنيعة، في مقاطعة (خونان) التي ينحدر منها هذا الكاتب".

أبوظبي.. مذكرات بائع الدماء".. "الشيفرة"

ويقول السعيد: "هناك الكثير من الأدباء الصينيين، الذين تواصلوا عربياً من خلال الإمارات، ففي معرض أبوظبي الدولي للكتاب حين كانت الصين ضيف الشرف، بدت الأكثر تأثيراً على المستوى الثقافي في خارجها، وكانت تلك الدورة من أبرز دورات أبوظبي للكتاب، حيث حضر العديدون، منهم مثلاً 5 من أهم أدباء الصين، مثل تساو ون شوان، أشهر كاتب أطفال في تاريخ الصين، الذي حاز على جائزة (هانس كريستيان أندرسن) في كتاب الطفل والتي تعتبر جائزة نوبل في مجال الأطفال، وأطلق خمسة أعمال في كتب الأطفال، وحضر كذلك الكاتب الصيني العظيم لي هوا، صاحب الروايات الشهيرة في المنطقة العربية، منها مثلاً "على قيد الحياة"، وهو أول فيلم صيني يحوز جوائز عالمية للمخرج الصيني العظيم، تشانغ إيمو، حين حاز السعفة الذهبية في برلين، وله رواية شهيرة بعنوان "مذكرات بائع الدماء"، وهي ما احتفينا به في المعرض، وله كذلك "اليوم السابع"، وصدر له مجموعات قصصية، كما شارك أديب صيني شاب اسمه شيو تسي تشن له رواية "بكين بكين"، وأقيم لها حفل توقيع في معرض أبوظبي للكتاب".

وحضر كذلك الكاتب ماي جيا أبو أدب الجاسوسية في الصين، وله رواية باسم "الشيفرة"، وصدرت في معرض أبوظبي واعتبرتها نيويورك تايمز من أفضل الروايات في القرن العشرين، واحتفظت بها مكتبات عالمة وصنفتها من ضمن الأفضل، وانطلاقته العربية ككاتب كانت من أبوظبي.

"بنات الصين".. أسرار أقوى اقتصاديات العالم
كما حضرت الكاتبة الشهيرة يي ماي التي صدر لها "سبع ليال في حدائق الورد"، "بنات الصين"، ووقعتها في أبوظبي وحضرت أكثر من 80 دار نشر حينها لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، وأكثر من 300 ضيف وأكثر من 500 كتاب مترجم للعربية من الصينية، كما توافر كتاب شهير من تأليف نائب رئيس البنك المركزي الدولي السابق، وأشهر اقتصادي في الصين، البروفيسور لين يي فو، وهو كتاب "قراءة في الاقتصاد الصيني: كشف أسرار أقوى اقتصاديات العالم"، وحضر هذا الأخير بنفسه وناقشه د. علي بن تميم، خلال معرض أبوظبي، وكانت زيارة فو أول زيارة له بصفته كاتباً للمنطقة العربية".

وبدأ الأدب الصيني ينتشر رويداً رويداً في المنطقة العربية، حيث نجد أعمال نوبل كلها مترجمة وتباع جيداً حسب الناشرين، وخاصة في الإمارات، حيث استقبلت أبوظبي من خلال معرضها محفلاً ثقافياً، مثلاً رواية "زوجات ومحظيات"، للمؤلف سو تونغ، صدرت العام الماضي في أبوظبي وله كذلك "القرار 1932"، وهناك أيضاً الكاتبة أنيسكي من الأقليات العرقية الصينية، من قومية "الطاجيك"ـ وحضر رسامين من الصين هذا العام، واشتهرت فيما مضى إبداعات الرسام الشهير با يي الذي رسم صورة للشيخ زايد، والشيخ محمد بن راشد، ووضعها على واجهة معرض أبوظبي الدولي للكتاب.

العراقة والتحضر
ويقول السعيد: "من الجدير ذكره أن الصين أصبحت مهتمة جداً بالترويج لنفسها في المنطقة العربي، وترى أبوظبي كمحور نشر ثقافة في العالم والمنطقة العربية خصوصاً، فالإمارات دولة ذات اقتصاد قوي، واستثماراتها منتشرة حول العالم، وهي دولة قادرة على موازنة معادلة العراقة والتحضر وهي أفضل خيار للصين حتى تكون شريكاً ثقافياً على طريق الحرير".

ويضيف: "هناك أكثر من 100 عامل مترجم للعربية من الأدب الصيني، وتتوافر كذلك مجلة "منارات الحرير"، وهي متخصصة تصدر كل عام أو اثنين من مختارات الأدبي الصيني، وسيأتي العدد القادم من خلال أبوظبي للإعلام وهو ما ينشر في معرض أبوظبي القادم، كما نفكر بعمل متحف للشاي الصيني في أبوظبي، لأهمية الشاي في ثقافة الصين، والإمارات هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي سمحت بوجود معبد بوذي وهذا كان انطلاقة كبيرة لدعم التواصل والتقارب الفكري بين الأديان".

الموت والحياة.. الحب والحرب

وأسس "بيت الحكمة" لمشاريع متنوعة بالتعاون من جهات إماراتية، ويقول السعيد: "أخيراً نشرنا رواية تعد المقابلة لـ "100 عام من العزلة"، وصدرت في أبوظبي مطلع العام بعنوان "الربع الأخير من القمر: للمؤلفة تشيه زيه جيان، وهي كاتبة شهيرة ومن أهم الروائيات في اللغة الصينية، وتحكي قصة حول أجيال بواقعية سحرية من تاريخ ممتد لمئتي عام في ملحمة مهمة جداً بين الموت والحياة والحب والحرب، وكذلك صدر للكاتب لي خوان مع دار منشورات المتوسط في معرض القاهرة الماضي، رواية مهمة باسم "نهر الزمن"، تحكي حياة شخص يعيد استرجاع طفولته وأيامه عكسياً، وهو الراوي والبطل الرئيسي، من عمر 8 سنوات في قرية صغيرة حتى انتقاله بالتبني لعائلة أخرى، وهذه تعد من أهم أعماله الأدبية، ونال عليها جوائز برى، وكذلك نشرت رواية لرئيس اتحاد أدباء وكتاب الصين، بعنوان "كم تبعد الأبدية".

5 آلاف عام
ويرى الكثيرون أن الثقافة الصينية لم تنل حقها في الانتشار في المنطقة العربية بعد، نظراً لقلة دارسي اللغة الصينية، كما أن الصين كانت فيما مضى تركز على الانفتاح الاقتصادي وخلق طفرة اقتصادية وفي 1987 بدأت مرحل الإصلاح والانفتاح"، كان الهدف الرئيس منها أن يصبح الصينين أغنياء، وركزت القيادة على هذا، وحين تحقق استقرار وتقدم اقتصادي، بدأوا بالتفكير في كيفية تقديم أنفسهم للعام، والبعد الثقافي الصيني يعتبر مفقوداً في العالم منذ 5 آلاف عام لم ينقطع إطلاقاً وهذا أمر لم يماثله شيء.

ويقول السعيد: "كل ما نحتاجه اليوم في هذا الشأن أن نصل الشرق بالشرق، شرق أدنى وأوسط، نريد إعادة التقارب، ولدينا أعمال أدبية اليوم ترجمت في الصين، مثل "مشروع تبادل الترجمة بين الصين والعرب"، واخترنا 25 عملاً أدبياً من المنطقة العربية، مثل يحي طاهر "الطوق والإسورة"، ولبهاء طاهر "واحة الغروب"، ولبن سالم حميس أعمال ابن خلدون، ولفاطمة المزروعي "نهار الضباء"، ورضوى عاشور "ثلاثية غرناطة"، ولسهير المصادفة "رحلة الضباع"، وللكثير من كتاب تونس والجزائر والمغرب والسعودية ولبنان، وهذه الأعمال وغيرها لاقت رواجاً كبيراً في الصين، وأيضاً عناوين عدة اشتهرت هناك، مثل التي تناولت الخلفاء ورحلات ابن بطوطة، وكذلك كتاب "حياة محمد"، الذي تناقله الناس، حيث يريد الصينيين العرف على الشخصية التي صنعت المنطقة العربية بشكل فلسفي غير ديني".