أطفال في فضاء للألعاب الإلكترونية (أرشيف)
أطفال في فضاء للألعاب الإلكترونية (أرشيف)
السبت 21 يوليو 2018 / 20:54

في بيتنا مدمن

د.عمر الحمادي

رغم أني تقلبت في أنواع الألعاب الإلكترونية، بدءاً من الأتاري، والفاملي، والنايتندو، والسيغا، وانتهاءً بالسوني، إلا أن القاعدة لم تتغير طوال تلك السنين، وهي أن الألعاب لا تُخرج من أدراجها المُقفلة إلا يوم الخميس، ومن ثم تعود أدراجها إلى مواقعها عند سماع آذان المغرب في يوم الجمعة، وبمكرمة استثنائية، مُدت المُهلة إلى يوم السبت مع تمديد الحكومة لإجازة نهاية الأسبوع.

كانت هذه الألعاب هي السبب الرئيسي ربما، لتحملنا رتابة حصص اللغة العربية، والرياضيات، فبعد قضاء الساعات الطويلة جداً في المدرسة طوال أيام الأسبوع، هناك استجمام ينتظرنا بجانب ذلك الريموت المقدس، وكنا نعيد اللعبة من المرحلة الأولى في كل مرة بسبب عدم وجود بطاقة حافظة لمراحل اللعب كالتي أنقذنا بها مخترع السوني، وكانت يدنا لا تفارق "بلك" الكهرباء الذي كان يتحول إلى فرن بعد مرور ساعة ونصف من بدء اللعبة، وعند تبديل الشريط، فإنه يجب النفخ فيه جيداً حتى تتزحزح ذرات الالكترونات، والأوساخ وتضمن عدم تجمد اللعبة في المنتصف.

كانت ألعاب مثل "ستريت فايترز"، و"مورتال كومبات"، و"ريزدينت إيفيل"، و"كراش"، و"سونيك" و"سوبر ماريو"، و"وينغ إلفن"، هي حديث الساعة في المدرسة، وكان هناك آباء يرفضون تلك الألعاب رفضاً قاطعاً بسبب زعمهم أنها تسبب تأخراً عقلياً ودراسياً، لكن السبب الأكثر معقولية أنهم لم يرغبوا في شراء تلك الألعاب لأسباب اقتصادية، وكان التأخر العقلي هو العذر الذي وافق هواهم، كانوا يستغربون من حب الأطفال لها، ربما كانوا يظنونهم مهووسين، وكسولين وبلا فائدة مقارنة مع جيل ما قبل اللؤلؤ الياباني، لكن بمجرد أن يمسك المحروم الريموت فإنه لا يتركه حتى يملأه عرقاً وكمداً ويخشى أن يكون ذلك آخر عهده به.

‏تُشكل ألعاب الفيديو جزءاً محورياً من حياة الناشئة والشباب اليوم، ولا أعتقد أنه يمكن استئصال هذا الجزء الممتع من حياتهم بنشر إعلانات مقاطعة للألعاب، ولا بربط هذه الألعاب بعقوق الوالدين وترك الصلاة، فهذا تسطيح للمشكلة، فهل تعتقد أن الطفل، وهو بكامل قواه العقلية، مقتنع بما أمره أبوه أن يقول أمام الكاميرا؟ إنه كالأسير الذي يتلو بيان البراءة من الكفار والصليبيين حين يسقط بيد جماعات الجهاد، هذه الحملات تذكرنا بأيام مقاطعة البيبسي كولا من أجل تحرير القدس، فلا شركات البيبسي أغلقت أبوابها، ولا القدس تحررت، ما سيحصل أن المحرومين سيجدون طرقهم الخاصة لمواصلة اللعب من وراء ظهور أهاليهم، وصحافتنا "الواعية" ستكتفي بالنقل المباشر.

بعض أولياء الأمور لم يستطع فهم قيمة هذه الألعاب لأبنائه وأحلامهم، ويعتقد أن وسائل التربية القديمة مثل الحرمان الشامل كفيل بقلع المشكلة من جذورها، لا يمكن نزع الألعاب من أيديهم فجأة وحرقها كما كان يُصنع مع الكتب الضالة في القرون الوسطى، فهذه الألعاب تشكل حياة مثيرة ومشوقة لهم، ويجب على الأهالي بدل ذلك منح أبنائهم الاهتمام اللازم لترشيد استخدام الألعاب واختيار ما يناسبهم بحسب الفئات العمرية، بل ومشاركتهم متعة شراء الألعاب وخوض غمار التحدي فيها معهم، فقليل من الأدرينالين لن يضر.

صحيح أن العدوانية وبعض حالات الصرع وآلام العظام والسمنة وغيرها، مرتبطة بإدمان ألعاب الفيديو، إلا أن الإدمان مشكلة مرضية قد تشمل إدمان كثير من الأشياء في محيطنا: مثل الوجبات السريعة، والموسيقى، ومشاهدة الأفلام، ومشاهدة المباريات، إلى غير ذلك، فكل وسيلة ترفيه قد تتحول إلى سلبية كبرى إذا زادت عن حدها المعقول، لكن لا يُعقل أن نحرق مطاعم الوجبات السريعة بسبب وجود شخص لا يستطيع النهوض من مكانه إلا بمساعدة بسبب إدمانه لها، أو نحرق أعشاب الملعب ومدرجاته بسبب هروب طلبة مدرسة ما لمشاهدة مباراة عالمية.

قد لا يعلم البعض أن العلماء يأملون أن يساعد اللعب المعتدل على حل المشاكل النفسية والاجتماعية لمرضى الآلام المزمنة والسرطان، بل وحتى تحسين قدرات الجراحين في إجراء العمليات، وبدل الإجهاز على الجهاز، فلنُجهز على مضاعفاته وسلبياته، ولنجعل تلك الألعاب وسيلة ترفيه تقودنا إلى مستقبل تكنولوجي متقدم نرى انعكاسه على عالمنا الحقيقي.