الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصهره براءت البيرق (أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصهره براءت البيرق (أرشيف)
الأربعاء 25 يوليو 2018 / 21:09

السادة الأصهار...

كلّ واحد منهم يتقدّم من العالم بوجه صبوح وآراء مثقلة بالتاريخ والمصائر والقضاء والقدر... لا لموهبةٍ فيهم، أو لإجماع شعبيّ عليهم، بل لزيجات عقدوها مع بنات صار آباؤهم رؤساء وحكّاماً

يفترض الحس السليم، كما تفترض الأخلاق، وجود بعض الحرج لدى من يحصل على سلطة لمجرد أنه صهر حاكم أو زعيم. فمن يصل إلى المناصب العليا لأنه "صهر" أحدهم، مُطالب بأن يبرر الحظوة التي ينالها، وأن يخجل قليلاً بذلك ويتواضع. بل هو مُطالَب أن يبرهن، بمزيد من العمل والجهد، أنه استحق ما ناله لسبب غير سبب القرابة. فالصهر النافذ يشبه مَن يصبح بالغ الثراء لمجرد أنه وُفق في شراء ورقة لوتو رابحة. لكنّ هذا الغني الجديد ستكون عدته الأخلاقية قليلة المتانة إذا تصرف وكأن ذكاءه التجاري هو ما جعله ثرياً وميزه عن أقرانه.

في حالة الصهر، زواجه هو ورقة اللوتو.

مناسبة هذا الكلام ما أدلى به قبل أيام قليلة بيرات ألبيرق من أنه يتعهد بـ"تاريخ جديد" لتركيا.

والمذكور، الذي ضرب رقماً قياسياً في التبجح بعبارته هذه، ليس سوى صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عينه في 2015 وزيراً للطاقة ثمّ عينه أخيراً، وبعد الاستفتاء الرئاسي، وزيراً للمالية.

إلا أن ألبيرق، ومثله وأشد كفاءةً منه شبانٌ أتراك بعشرات الآلاف على الأقل، شاء أن يغير التاريخ، هكذا دفعة واحدة!

هذا التبجح إنما نقع عليه اليوم لدى أصهار صاعدين كثيرين في العالم، من جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترامب، في الولايات المتحدة، هبوطاً إلى جبران باسيل، صهر الرئيس ميشال عون، في لبنان.

كل واحد منهم يتقدم من العالم بوجه صبوح وآراء مثقلة بالتاريخ والمصائر والقضاء والقدر... لا لموهبةٍ فيهم، أو لإجماع شعبي عليهم، بل لزيجات عقدوها مع بنات صار آباؤهم رؤساء وحكاماً.

والحال أن إحدى "الحكَم" الريفية تقول إن "الصهر سند الظهر"، وهذا ما يصح في فلاحة الحقل، أو ربما في منازعات العائلات القروية في ما بينها تنافساً على الماء أو عشب المراعي. فهذه مهمات يدوية أو عضلية تتطلب عون الأقربين ومساعدتهم.

لكن نقل هذه "الحكمة" إلى السلطة السياسيّة الحديثة يستدعي تحكيم الوعي الريفي والأبرشي بالسلطة نفسها، مثلما يستدعي تراجع الرقابة التي تحدّ من اعتباط سلطان الحاكم. وليس بلا دلالة أن الحكام الشعبويين، الذين تضعف الرقابة على سلوكهم، غالباً ما يكونون حريصين على إبراز أصهارهم وتقريبهم. فمثل ترامب وإردوغان، يجلس على يمين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صهره، رجل الأعمال كيريل شامالوف، ابن نيكولاي شامالوف، أحد مالكي بنك روسيا.

والزعماء الشعبيون يشاركون الحكام العسكريين والديكتاتوريين اعتمادهم للأصهار، واعتمادهم عليهم، وإن انتهت حياة هؤلاء الأخيرين، في أحيان كثيرة، نهايات مأساوية أو فضائحية. فصهر جمال عبد الناصر، أشرف مروان، تبين لاحقاً أنه كان يتجسس على حميه. ولحافظ الأسد كان هناك الصهر آصف شوكت، الذي قضى في ظروف غامضة في عهد النجل بشار. أمّا صدام حسين فتولى، هو بنفسه، تصفية صهريه حسين كامل وصدام كامل.

وقصارى القول إن خلط القرابة بالسلطة، في ظل انعدام الرقابة الدستورية، يمكن أن ينتج المجد غير المستَحَق كما يمكن، في حالة الأنظمة الأمنية المغلقة، أن ينقلب إلى نهايات لعينة. فالمحطة القرابية هذه تبقى نتاج الاستحالة الديمقراطية التي تؤسسها الأنظمة الديكتاتورية، أو نتاج محاصرة الاشتغال الديمقراطي، على ما تفعله الأنظمة الشعبوية.

وكل هذا، على رداءته، يبقى قابلاً للفهم والتعقل. ما هو أقل قابلية للفهم تبجح الأصهار النافذين وتخصصهم في انعدام التواضع.