مصوران يلتقطان صوراً لمنقبات.(أرشيف)
مصوران يلتقطان صوراً لمنقبات.(أرشيف)
الجمعة 3 أغسطس 2018 / 19:54

حرب الحجاب الأمريكي

لا يمكن أن ندعهم "على عماهم" حتى يصبح الحجاب والنقاب في مخيلتهم مجرد رمز لمعركة سلمية يخوضونها في بلدانهم ضد اليمينيين المتطرفين، بينما هو على أرض الواقع ميدان فعلي لمعركة دامية أخرى

الحجاب يكسب المعركة تلو المعركة، وقريباً قد يكسب الحرب.

ففي غضون أسبوع واحد، اكتسحت السوق الأميركية دمية "باربي" المُحجبة، والتي صُنعت تيمناً بابتهاج محمد، البطلة الأولمبية في المبارزة بالسلاح. وعلى الجانب الآخر من المحيط، اكتسح الدنماركيون شوارع كوبنهاغن بوجوههم الملثمة للاعتراض على قانون حظر النقاب، مخاطرين بذلك بالغرامة والسجن.

ولكني على الرغم من ذلك، لم أنسب الانتصار إلى المرأة المسلمة. بل إلى قطعة القماش التي تغطي رأسها أو وجهها.

بغض النظر عن قناعاتنا الشخصية حول الحجاب، فقد لاحظت أننا جميعاً نتوحد في الشعور بالزهو، حين نرى العالم يتحزّب بالنيابة عنا للدفاع عن مرتدياته، وكأنما يلبي نداء "وامعتصماه" من نوع آخر، فنراهم يتطوعون لتحدي هراوات الشرطة، ومن خلفها الضربات الإعلامية الأكثر إيلاماً.

ربما هو الكون يخبرنا بقرب انتصار الحق المتمثل في حرية المرء في ممارسة قناعاته. وإلا كيف ألهم هذا الحجاب شركة "ماتيل" العملاقة لتطلق دمية محجبّة على الرغم من بروز أنياب الإسلاموفوبيا في بلاد "العم سام"، وكيف جيّش هذا اللباس مئات الدنماركيين ليتظاهروا من أجل لاجئة من هنا، ومهاجرة من هناك؟

ولست بصدد الدخول في النوايا، فقد يقول قائل إن الأمريكية التي يستحيل أن تحجّب ابنتها، والدنماركية التي لا ترتضي أن يُستر وجهها عن البشر، لن تؤيد الحجاب باختلاف تعريفاته إلا عناداً و"مجاكرة" في أبناء جلدتها من العنصريين والمتطرفين إذ تمادوا في الصراخ في وجه كل مهاجر بأن يعود من حيث أتى ولو كان كلباً سلوقياً!

لنسلّم جدلاً بأنهم جميعاً يدعمون قطعتي القماش هاتين من باب التقبّل والتفهّم والاحترام لهما. فهل يكفي هنا أن تتضخم صدورنا عزة وفخراً فيما نشاهدهم يحملون راية القتال من أجل الحجاب والنقاب؟ بل ربما حان الوقت لأن نلوّح أمام مناصرينا الغربيين براية الهدنة قبل أن تشتد الحرب ضراوة.

ولا أعني بذلك أبداً أن نوصيهم بترك الحبل على الغارب ليمعن شياطين العنصرية في التنكيل بالمحجبات، وقطع أرزاقهن. ولكن لنخبرهم قليلاً عن بعض الأفراد الذين يرزحون تحت هذه الراية، عوضاً عن أن نوهمهم بأن نضالهم يصل إلى كل "فاطمة" و"عائشة".

لنخبرهم –مثلاً- عن حقيقة حرية الاختيار التي تُسحب من كثير من المحجبات في أواسط بيوتهن، قبل أن تُسحب منهن في شوارع المدن الأوروبية. أو لنخبرهم –مثلاً- عن العواقب الأليمة لخلع الحجاب، والتي قد تصل إلى الضرب المبرح والتزويج قسراً والقتل، وهي عقوبات تتعدى كل ما تمخضت عنه عقول البرلمانات الغربية.

لا يمكن أن ندعهم "على عماهم" حتى يصبح الحجاب والنقاب في مخيلتهم مجرد رمز لمعركة سلمية يخوضونها في بلدانهم ضد اليمينيين المتطرفين، بينما هو على أرض الواقع ميدان فعلي لمعركة دامية أخرى تخوضها المرأة المسلمة في عقر دارها ضد ثالوث الفتاوى والعادات والتقاليد.

أما هكذا تُكسب الحرب؟