المناضل الفلسطيني غسان كنفاني وزوجته آني.(أرشيف)
المناضل الفلسطيني غسان كنفاني وزوجته آني.(أرشيف)
الثلاثاء 7 أغسطس 2018 / 21:12

في صحبة آني

تذكرك متابعتك لمصافحيها خلال سيركما في رأس بيروت بوصف "القديسة" الذي أطلقه عليها سياسي لبناني في إشارة عابرة إلى حضورها بين اللبنانيين لتتساءل إن كانت هذه المرأة واحدة من همزات وصل بين عالمين أو لقاء الغرب بالشر

قد تساعدك إجابتها على سؤال تطرحه بقدر من التأني في الوصول إلى بعض ما تبحث عنه أو تبقيك حائراً أمام مداخل أخرى لأسئلة لا تنتهي وربما تجد نفسك على أعتاب متاهة استنفار الذاكرة ولملمة أطراف زمن مر دون أن تدركه كما يجب.

حين واعدت آني كنفاني للقاء كنت مسكوناً برغبة الكشف عن جوانب أظنها لم تزل غامضة في تجربة غسان رغم كل ما كتبه وكُتب عنه خلال عمره القصير وبعد وفاته والصدى الصاخب لرحيله.

كادت الرغبة أن تنزاح أثناء الحوار معها ليحل محلها فضول حول دافع سيدة أجنبية لمواصلة حياتها في منطقة تترنح في فراغ على حواف الكوارث ـ بعد النهاية التراجيدية لزوجها ـ رغم أنها تحمل جنسية وملامح وإمكانية للذهاب إلى بلد تحلم قطاعات واسعة من شعوبنا بما في ذلك سكان المخيمات الفلسطينية الذين تعمل لأجلهم بالمغادرة إليه.

لم أمتلك جرأة سؤالها عن السبب الذي منعها من حمل طفليها والمغادرة بعد رؤيتها أجزاء جسده تتناثر في محيط بيتها إثر الإنفجار المدوي الذي أفقد المشهد الثقافي الفلسطيني واحداً من رموزه، ففي طرح السؤال خيانة لسؤاله عن معنى الوطن في "عائد إلى حيفا" ولومه للمخدوعين في "رجال في الشمس" وبشيء من الخبث انتهيت إلى إخفاء السؤال في الذهن ومحاولة استنتاج الإجابة من سياقات الحديث الذي استمر بضع ساعات في الساحة المقابلة لكافيتريا الجامعة الأمريكية.

في حديثها ما يكفي من الحيوية واليقين لإبقائه بعيداً عن التسليع الفصائلي الذي ساد دوائر العمل الفلسطيني وعصياً على الانحشار في بوستر معلق على جدران المخيمات مما يدفعك إلى إعادة حساباتك في ما تعرفه من بديهيات. ولولا اطلاعك على تفاصيل وتشعبات تجربته لظننت أن رحيله كذبة انطلت عليك عقوداً من الزمن.

يبقى الحديث في السياق ذاته وهي تشير إلى المؤسسة الخيرية التي استخلصت فكرتها من حب غسان للأطفال وجسدتها على أرض الواقع برياض انتشرت في مخيمات اللاجئين تحمل اسمه لتحافظ على انتظام إيقاع النبض في قيم آمن بها وتبقي على ديمومة عطائه وتنقلك إلى عالم آخر بعيد عن حالة التعيش الطاغية على فصائل فاضت على الحاجة ولم يبق أمامها سوى تسلق قضيتها المفترضة.

تذكرك متابعتك لمصافحيها خلال سيركما في رأس بيروت بوصف "القديسة" الذي أطلقه عليها سياسي لبناني في إشارة عابرة إلى حضورها بين اللبنانيين لتتساءل إن كانت هذه المرأة واحدة من همزات وصل بين عالمين أو لقاء الغرب بالشرق بعد تجرد الأول المفترض من ريائه ونرجسيته وشيزوفرينيته وتعاليه على شعوبنا ورغبته في استغلالها.

تفترق عن آني كنفاني في نهاية الطريق دون أن يفارقك انطباع بأنك أمام أيقونة لنقاء العلاقة بين الإنسان والفكرة ومرآة تصلح لأن نرى فيها أنفسنا وقضايانا والمفقود من علاقتنا مع آخر يبقى قابلاً للانحياز إلينا حين نحسن التعرف على ذواتنا و نصدق في تقديم أنفسنا إليه.