أرجنتينيات يتظاهرن ضد قانون منع الإجهاض.(أرشيف)
أرجنتينيات يتظاهرن ضد قانون منع الإجهاض.(أرشيف)
الجمعة 10 أغسطس 2018 / 20:30

جسدها.. لها

بهذا المقياس "الخنفشاري"، يصبح قرار الرجل بالامتناع عن التناسل موازياً في الإجرام للقنبلة الذرية التي ألقاها الأمريكان على هيروشيما

يستحيل أن أنسى انفجار زميلتي غضباً حينما قلت ذات نقاش –وبشكل عارض كما لو كنت أتحدث عن أسعار الكنعد والهامور هذا الصباح- "إنما الذكورية تسعى إلى امتلاك جسد المرأة". فعلى الرغم من أنني لم أكن أحدث في المرآة، ولكني استشعرت تلوّن وجهي بكل ألوان قوس قزح حرجاً وخجلاً، إذ صرخت بي على مرأى من الجميع، "إذا كان هذا ما تؤمنين به، فلمَ لا ترتدين تنورة قصيرة؟".

وعلى الرغم من أنني لا أتذكر ردي آنذاك، ولكني مكثت لسنوات أتساءل كم سيكون من الرائع فعلاً لو أن الذكورية قصرت رغبتها في تملّك جسد المرأة على حرمانها من إبراز ساقيها.

فقبل شهرين فحسب، خرج البابا فرانسيس ليشبّه حرية المرأة في الإجهاض ببرامج تحسين النسل التي كانت تتبناها النازية في ألمانيا ضد اليهود والغجر وذوي الإعاقات الحسية وأصحاب الأمراض العقلية وغيرهم، واصفاً عملية الإجهاض عموماً بالوحشية.

وليس على أحد منكم أن يوضح لي بأن البابا إنما كان يبحث عن تشبيه بليغ ليدعّم به رأيه، وبأنه لم يقصد تلك الكلمات بشكل حرفي. ففي الأرجنتين، حيث تملك الكنيسة الكاثوليكية من السطوة ما تملك، يبدو أن تصريحات فرانسيس لعبت دورها في تصويت مجلس الشيوخ ضد إتاحة حرية الإجهاض لجميع النساء الحوامل، حيث أن العملية متاحة حالياً فقط لضحايا الاغتصاب، وللاتي تصبح صحتهن في خطر جرّاء الحمل.

وليس على المرء أن يكون نصيراً على الإطلاق لحرية المرأة في الإجهاض لكي يلاحظ الحقيقة الوضّاحة الجلية، وهي أن الذكورية لم ولن تقف يوماً عند امتلاك جسد المرأة، والذي يبدو للوهلة الأولى كعنوان رواية إيروتيكية رخيصة.

بل أن البعبع الذي تحاربه النسوية أشد خطراً وفتكاً مما يتخيل البعض، إذ صار يجاهر بقناعته بأن استعادة المرأة لحقها في التحكّم في جسدها هي حرب شاملة منها ضد الإنسانية، والمجتمع، والقيم!

وإلا كيف أن حاجة مراهقة حمقاء إلى التكفير عن خطيئة ستدمر حياتها، أو حاجة سيدة فقيرة إلى التخلص من عبء طفل إضافي لا تستطيع إطعامه، عبر اللجوء إلى إجهاض مضغة لا اسم ولا وجه ولا شخصية ولا روح لها، أصبحت تماثل في الميزان ذلك التطهير العرقي الممنهج المتعمّد الذي مارسه النازيون مستعينين بعلمائهم وأطبائهم وفلاسفتهم؟

بهذا المقياس "الخنفشاري"، يصبح قرار الرجل بالامتناع عن التناسل موازياً في الإجرام للقنبلة الذرية التي ألقاها الأمريكان على هيروشيما، وربما ينبغي لنا أن نبدأ بمحاسبة البابا فرانسيس نفسه على وحشيته إذ التزم بالرهبنة، والانقطاع إلى الله. لم لا؟

أراهن بأنك لا تستطيع أن تتخيل حتى تفوه أحد بهذا الهراء المضحك المبكي، فقد تغلغل في وعيك –بل وعينا جميعاً- بأن جسد المرأة وحده هو القنبلة الموقوتة التي إن لم تنزع من قبضة مالكها، فستنفجر ليحل الدمار على كل شيء.