إعلان مهرجان رام الله الشعري.(أرشيف)
إعلان مهرجان رام الله الشعري.(أرشيف)
الخميس 16 أغسطس 2018 / 19:31

من متوسط الى متوسط... من بول فاليري إلى محمود درويش

الدورة الثانية للمهرجان تنتقل في محاكاة مثمرة إلى مدينة في الضفة الجنوبية للمتوسط حيث ضريح محمود درويش (1941-2008) ومتحفه والحديقة المسماة باسم مسقط رأسه "البروة"

مساء أمس كان يمكن مشاهدة الشعراء/ات المشاركين في مهرجان رام الله الشعري (28) شاعراً/ة وهم يتوجهون نحو مسرح البلدية في البلدة القديمة، في مسيرة احتفالية، بمشاركة مجموعات من الكشافة وفرق النحاسيات وجمهور عفوي رافق المسيرة عبر الشوراع الضيقة للمدينة القديمة، مروراً بساحة "راشد الحدادين" جدّ رام الله ومؤسسها.

كان عمال بلدية رام الله ومتطوعون/ات قد أنجزوا قبل أيام تعليق لافتات ملونة في الشوارع، وعلى مفارق الطرق وواجهات المقاهي تحمل مقاطع من قصائد الشعراء المشاركين، بحيث بدت مثل مسيرة من القصائد القصيرة ترافق العابرين والمارة إلى أماكن عملهم وبيوتهم.

شعراء من مختلف بلدان البحر المتوسط، البرتغال، إسبانيا، فرنسا، مالطا، اليونان، إيطاليا، ألبانيا، مقدونيا، لوكسمبرغ، وشعراء وصلوا من السويد وألمانيا وكوبا وتشيلي إضافة للشعراء الفلسطينيين المشاركين في أمسيات ستمتد على مدار ثلاثة أيام في فضاءات المدينة وساحاتها.

بدا بعضهم مصدوماً أمام الفكرة الاحتفالية وعزف النحاسيات ومسيرات الكشافة، وهو تقليد فلسطيني خاص تكرس منذ العشرية الثانية من القرن الماضي وارتبط بالأعياد المسيحية والإسلامية.

كان هناك جمهور آخر قد بدأ بالتوافد على المكان، المبكرون في الوصول انتشروا في مدخل المسرح الخارجي، حيث يكثر المدخنون عادة، بينما نزل الفضوليون والقادمون من مناطق الشمال والجنوب ومناطق الـ 48 الأدراج نحو ساحة "المنتزه"، هناك تتلامع النافورة الجديدة، التي ستقدم عرضها، الموسيقى والضوء والماء، للضيوف بعد حفل الافتتاح، العرض الذي يكاد يصبح تقليداً مسائيا للمدينة.

أكثر من عشر لغات متوسطية كانت تتهيأ للطواف في هذا المساء من أغسطس (آب) لرام الله بضبابه الخفيف الذي يرافق صيفها، قبل أن تتوزع على أحواش الحي القديم في المدينة الجبلية وساحاتها.

الدورة الثانية للمهرجان، الذي نضجت فكرته في مدينة "سيت" الفرنسية، المدينة التي تتمتع بمواطنة الشاعر الفرنسي "بول فاليري" (1871-1945)، حيث يمكن زيارة ضريحه في "المقبرة البحرية" التي حملت اسم قصيدته الشهيرة، تنتقل في محاكاة مثمرة إلى مدينة في الضفة الجنوبية للمتوسط حيث ضريح محمود درويش (1941-2008) ومتحفه والحديقة المسماة باسم مسقط رأسه "البروة".

كما يحدث عادة، تدخل الاحتلال ومنع "تصاريح" الشعراء العرب والفلسطينيين الذين لم تسعفهم الحياة بجواز سفر أجنبي، وواصلوا لأسباب كثيرة حمل أسمائهم المكتوبة بلغة عربية سليمة على وثائقهم المثيرة للريبة.

وللدورة الثانية على التوالي لم يتمكن شعراء غزة من المشاركة في مهرجان رام الله، الذي لا تبعد قاعاته وساحات القراءة فيه عن منازلهم اكثر من مسافة ساعة ونصف في السيارة، غزة التي خسرت في عدوان إسرائيلي جديد أحد أهم مراكزها الثقافية، "المسحال"، بعد تدمير "المكتبة الوطنية" و"قرية الفنون".

جاء في البيان الذي صدر عن الشركاء الثلاثة القائمين على تنظيم المهرجان ".. بأصوات شعرية جديدة، وإلهام إبداعيّ وفضاءات مكانية متنوعة، تتمسك فلسطين بإنجازها الذي حققته العام الماضي، بحسّ عالٍ من المسؤولية تتقاسمه بلدية رام الله، ومؤسسة محمود درويش، وجمعية الثقافة الحرة الفرنسية، ونود هنا أن نجدّد امتناننا العميق والصادق لجميع الشركاء الذين يساهمون في ترسيخِ الفكرة واستمرارها، كما نتوجه بالشكر الجزيل إلى الفرق التي ساهمت في إعداد وتنفيذ هذا الحدث، وشكرنا الأعظم لأصدقائنا الشعراء، لأنهم يحتفون شعراً بمدينة تريد الاحتفاء بهم".

نجاح "مهرجان رام الله الشعري" واستمراريته، وقدرته على وضع رام الله وفلسطين على خريطة البحر المتوسط الثقافية، هو نتاج مثمر لشراكة أثبتت جديتها بين مؤسسة محمود درويش وبلدية رام الله، والدعم الذي منحته وزارة الثقافة الفلسطينية ومؤسسات خاصة للفعالية.

وهو يقدم، دون شك، نموذجاً للشراكات الذكية التي تجمع ما بين المؤسسة الثقافية الأهلية والمجتمع المحلي والمؤسسة الرسمية.