رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين مصافحاً الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات برعاية الرئيس الأمربكي  الأسبقبيل كلينتون بعد توقيع "اتفاق أوسلو".(أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين مصافحاً الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات برعاية الرئيس الأمربكي الأسبقبيل كلينتون بعد توقيع "اتفاق أوسلو".(أرشيف)
الأربعاء 22 أغسطس 2018 / 19:37

ربع قرن على أوسلو!

الإسرائيليّون، لا سيّما بعد اغتيال اسحق رابين، انحازوا إلى تحطيم شروط السلام واحداً بعد آخر، فيما تكفّلت عمليّات الإرهاب التي شنّتها "حماس" بالباقي. لكنّ ما يرسخ في آخر المطاف هو الأفق المسدود الذي فتحه انهيار أوسلو قياساً باحتمال أفق كان يمكن للاتّفاق أن يفتحه

في مثل هذه الأيّام قبل ربع قرن أُنجز الاتّفاق الذي بات يُعرف باتّفاق أوسلو، نسبةً إلى عاصمة النرويج التي حضنت ورعت لقاءات فلسطينيّة – إسرائيليّة امتدّت من 1991 حتّى 1993. التسمية الرسميّة للاتّفاق أُطلقت يوم 13 أيلول (سبتمبر) حين التقى قادة الطرفين، إسحق رابين وشيمون بيريز وياسر عرفات، في حديقة البيت الأبيض ووقّعوا الوثيقة رسميّاً بحضور بيل كلينتون. لقد كان المطلوب إهداء هذا المكسب السلميّ إلى واشنطن التي باشرت، مع جورج بوش الأب، رعاية عمليّة السلام عبر مؤتمر مدريد قبل عامين.

في 1993 بدا اتّفاق أوسلو جزءاً من الوجهة الجديدة التي أطلقتها نهاية الحرب الباردة وانهيار المعسكر السوفياتيّ واتّساع حركة السلم والدمقرطة في القارّات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينيّة. لكنّ الاتّفاق خضع، منذ البدايات الأولى، لتأويلين متناقضين:

واحد رافض له، ورافض، ضمناً أو علناً، لفكرة الرعاية الأميركيّة لسلام المنطقة، وهو كان ولا زال يؤكّد على الإجحاف الذي أنزله الاتّفاق بالفلسطينيّين، بما فيه إقرارهم بالتخلّي عن فلسطين التاريخيّة لصالح "سلام هزيل" تمسك إسرائيل بمفاتيحه ومفاصله. إيران وسوريّا الأسد لم تكونا بعيدتين عن الاستثمار في هذه العواطف وعن تأجيجها.

أمّا التأويل الآخر فلا ينكر وجود الإجحاف، إلاّ أنّه يراهن على المستقبل وعلى بناء الثقة سبيلاً إلى تحسين الاتّفاق، أو على الأقلّ تحسين تطبيقه. لكنّ الحجّة الأخرى التي انطوى عليها هذا التأويل، وهي تجمع بين الواقعيّة والسينيكيّة، فتذهب إلى أنّ "ما حصلنا عليه في أوسلو أكبر كثيراً ممّا يمنحنا إيّاه توازن القوى القائم على الأرض".

والحال أنّ توازن القوى هذا ما كان ليختلّ على ذاك النحو لولا الضعف البنيويّ في قضيّة تُخاض من خارج حدودها. فبسبب هذا الضعف البنيويّ كانت الحربان الأهليّتان المدمّرتان في الأردن ولبنان، ثمّ الاجتياح الإسرائيليّ في 1982 الذي أجلى منظّمة التحرير الفلسطينيّة إلى تونس، وأخيراً، وهو ما كان الأشدّ إضعافاً لمنظّمة التحرير، تلك الحرب الضروس والمتواصلة التي شنّتها عليها سوريّا الأسد باسم مكافحة العرفاتيّة. هكذا لم يكن ينقص القضيّة الفلسطينيّة إلاّ الخطأ الاستراتيجيّ والتاريخيّ الذي ارتكبته قيادتها حين أيّدت صدّام حسين في غزوه الكويت.

نعلم اليوم أنّ هذا كلّه بات ماضياً ميّتاً. فالإسرائيليّون، لا سيّما بعد اغتيال إسحق رابين، انحازوا إلى تحطيم شروط السلام واحداً بعد آخر، فيما تكفّلت العمليّات التي شنّتها "حماس" بالباقي. لكنّ ما يرسخ في آخر المطاف هو الأفق المسدود الذي فتحه انهيار أوسلو قياساً باحتمال أفق كان يمكن للاتّفاق أن يفتحه.

ذاك أنّ اختلال توازن القوى لصالح إسرائيل في 1993 تحوّل إلى انعدام كامل لكلّ توازن قوى في المنطقة. يصحّ ذلك في نشأة كيانين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة يصرّ كلّ منهما على أولويّته وعلى سرديّته. لكنّه يصحّ أيضاً في التهميش المتعاظم، وعلى الأصعدة جميعاً، الذي تعرّضت له القضيّة الفلسطينيّة، ما سمح لدونالد ترامب وبنيامين نتانياهو بطرح "صفقة القرن" المطلقة الإجحاف.

 وهذا كي لا ننسى أنّ الوجهة الإقليميّة والدوليّة التي أحاطت بأوسلو في 1993، أي الدمقرطة والسلام، تنقلب اليوم، مع الشعبويّات القائمة والمتمدّدة، إلى نقيضها شبه الكامل.

إنّ الـ 25 عاماً التي باتت تفصلنا عن أوسلو أسوأ بلا قياس من أوسلو، ويُخشى أن تكون الـ 25 سنة المقبلة أسوأ منها.